رغم أنف حكام المانيا، التظاهرات لدعم فلسطين مستمرة، من شتوتغارت حتى برلين

في ألمانيا كل الحكومات التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة هتلر والنازية كانت مع “اسرائيل” بلا تحفظ وبشكل أعمى وأهوج وعلى حساب حياة ومصير الفلسطينيين…
كما ان المانيا كانت بالنسبة “لاسرائيل” ولازالت راعيا أساسيا وممولا رئيسيا لخزينتها، يعني مثل بنك مالي مفتوح لميزانيتها وكذلك مثل مستودع أسلحة ضخم يضخ كل ما هو جديد من آلات القتل والابادة والموت والدمار الى ترسانتها.
كل هذا على حساب دافعي الضرائب من الألمان الذين يتعجب المراقب منهم ومن عدم قيامهم ضد سياسات فدراليتهم لأنها سياسات قذرة تشبه سياسة النازية لكن بأسلوب آخر، جديد، محدث، غير ظاهر للعيان.
كيف؟
سأشرح لكم كيف.
هتلر اعلن نفسه أنه ضد اليهود وهذا لا يعني أنه كان ضد الصهيونية لأنه كان هناك تشابه كبير بين النظريتين العنصريتين النازية والصهيونية.
مع أن اليهود ليسوا عرقاً ولا شعباً لأنهم من أمم مختلفة واعتنقوا الديانة اليهودية.. بعكس الألمان الآريين، الذين كانوا ولازالوا شعباً.
بالرغم من أنهم منذ زمن بعيد شعب يسير تماما مثل القطيع خلف الراعي، فما يقوله المستشار والبرلمان والحكومة بحق اليهود و”اسرائيل” مُلزم ومُقدس ويصبح قانونياً.

يريدون وعملوا منذ 75 سنة على التكفير عن جرائمهم وابادتهم ليهود اوروبا بدعم كيان صهيوني يهودي يقوم بإبادة الفلسطينيين، يعني يفعل بالفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ما فعله النازيون الألمان أنفسهم مع اليهود الأوروبيين وبالذات من غير الصهاينة لأن هؤلاء كانوا يغادرون طواعية وفي رحلات منظمة باتجاه فلسطين العربية، تحضيراً لاحتلالها بالتنسيق مع بريطانيا العظمى التي كانت تحتل فلسطين في ذلك الوقت.

منذ السابع من أكتوبر – تشرين الأول المنصرم اتخذت ألمانيا موقفاً جديداً فيه كثير ومزيد من العداء للشعب الفلسطيني. قرارات عدوانية ومنحازة بوقاحة وخسة الى جانب العدو “الاسرائيلي”، وتدعم الابادة في قطاع غزة.

فاتخذت قرارات بمنع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة “لاسرائيل” في ألمانيا. تبعتها في ذلك بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن الجماهير الحية في تلك البلاد كسرت القوانين العنصرية والمنحازة وملأت الشوارع وشرعت التظاهرات برغم أنف حكام تلك الدول المشاركة فعلياً مع “اسرائيل” في ذبح وإبادة الشعب الفلسطيني في غزة. فرنسا تراجعت بقوة عن موقفها السابق المعادي والمنحاز والآن ماكرون صار يتحدث بعقلانية. وهو يشاهد التظاهرات وجموع الجماهير والناس من الفرنسيين المتظاهرون على الشوارع. كذلك انفضاح ارهاب واجرام “اسرائيل” وقادتها، مما صار الدفاع عنهم وعن الابادة وقتل آلاف الأطفال والمدنيين الفلسطينيين، شيئاً مخجلاً وشكلاً من أشكال الارهاب الدولي.

قرأت اليوم في بروفيل أحد الأصدقاء الفلسطينيين في المانيا عن طريقة الكتابة الجديدة التي تتعامل بها وسائل الاعلام الألمانية مع التظاهرات الفلسطينية، المناهضة ل”اسرائيل”.
يقول صديقي الذي يتقن اللغة الألمانية وكان درس في جامعات المانيا ويعيش هناك ويعمل منذ عشرات السنين ومتزوج من ألمانية، بأن الاعلام الالماني يستخدم لغة مختلفة عن سابق عهدها ..
كما ولم تعد التظاهرات ممنوعة لأن الجماهير فرضت ارادتها على الحكومة والشرطة. نعم لم تعد كذلك لأن القرار كُسِر وهُزم وهذا كله يشكل انجازاً، بفضل الذين تحدوا الحكومة ورفضوا القرار الألماني بمنع التظاهرات وواصلوا الخروج إلى الشوارع والتظاهر مع فلسطين.

فعلوا ذلك وسط قمع الشرطة وتعاملها المخزي والعدواني مع المتظاهرين، رأينا وشاهدنا مقاطع مصورة تظهر وحشية تعامل وقمع الشرطة الألمانية للمتظاهرين. كذلك تهديدها لبعضهم بترحيلهم وسحب الجنسيات والاقامات منهم ومنهن والخ. بكل بساطة هذا تعامل قمعي ولا انساني ولا حضاري.

تواصلت تظاهرات الجماهير الالمانية فتمكنت من اسقاط قانون منع التظاهرات، ثم داسته بنعالها على شوارع برلين والمدن الألمانية الأخرى. هذا رد فعل طبيعي من الناس، لأن الذين تظاهروا ويتظاهرون في المانيا وبالذات برلين، ليسوا فقط عرباً ومسلمين وفلسطينيين. مع العلم أنهم ألمان أيضاً وغالبيتهم ولدوا في المانيا. في التظاهرات شارك ويشارك عدد أقل من الألمان وومن يهود ألمان يقفون ضد الصهيونية و”اسرائيل” والاحتلال. هؤلاء ساهموا بشكل فعال في كسر قرارات الحكومة الالمانية ذات السياسة المعادية للفلسطينيين والواقفة بالمرصاد لحق المناصرين بالتزاهر وبالتعبير عن آراءهم بشكل ديمقراطي وحر وسلمي، تكفله كل قوانين الدنيا بما فيها قوانين ألمانيا نفسها والاتحاد الأوروبي.
على كل حال وكما كتب صديقي الفلسطيني الألماني “إن عرفت حقوك فلا أحد يستطيع منعك…. نحن نعيش في بلد ديموقراطي”.
هذا البلد الديمقراطي، الحكومة نفسها التي أقرت الديمقراطية فيه تخرق قوانينه ولا تلتزم بها عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الصهيوني وبالفلسطينيين. يعني من الممكن رفع دعاوي قضائية ضدها ومحاسبتها ومحاكمتها.

في الختام أقول أنه عندما اقرأ وأشاهد معاملة الشرطة الالمانية والحكومة ومواقفها التي تشبه مواقف هتلر والنازية، لكن هذه المرة ضد الفلسطينيين وليس ضد اليهود، أتخيل ألمانيا أرضاً محتلة من قبل الصهاينة تماماً كما هي فلسطين محتلة من قبلهم.

للتذكير فإن غالبية البلاد الأوروبية تستخدم الديمقراطية وقتما تريد وتظهر الوجه القمعي والعنصري وقتما تريد. لكن هم يعلمون ونحن نعلم أنه مضى قطار الزمن وفات الميعاد على الفاشيين والعنصريين والمتصهينين وورثة النازيين، لأن زمن النازية والفاشية انتهى وزمن الصهيونية سينتهي عما قريب. فالتضامن بين الشعوب هو الأقوى والحكام المهزومين والمنحازين والمنتفعين والعنصريين والجبناء سيذهبون كمن سبقوهم إلى مزابل التاريخ.

نضال حمد في 3-12-2023