روح وليد أبو جاموس عادت من الدار البيضاء الى عمقا – نضال حمد
لم أكن لا أنا ولا وليد أبو جاموس ولا صديقنا أديب الشهابي نعرف أن أول وآخر لقاء جمعنا في مدينة صيدا قبل سنوات وبعد عشرات السنين من الفراق والغربة. كان على افطار فول وحمص وفتة في مطعم صيداوي شعبي شهير، غير بعيد عن جبانة صيدا القديمة، حيث ووري الثرى أجدادنا وأجداد وليد. التقينا للمرة الأولى بعد سنوات طويلة من الفراق والغربة. لم نكن نعلم ولا ندري ولم نكن لنصدق أنه سيكون آخر لقاء مع الأخ والصديق الحبيب وليد أبو جاموس رفيق النضال، أخ المخيم وزميل مقاعد الدراسة منذ البدايات حتى النهايات. فها هو وليد – أبو صبحي – الذي سمى ابنه البكر “صبحي” نسبة الى والده الدكتور المناضل صبحي أبو جاموس، دكتور البؤساء والفقراء والكادحين، الشخصية الوطنية المعروفة بتاريخها النضالي العريق والطويل منذ كان طالبا في كلية الطب بإسبانيا الى زمن العمل طبيباً في ليبيا وفي مخيم عين الحلوة.
ها هو الصديق الجميل والبشوش والطيب والصادق والوفي لصداقاته، يترك خلفه عالم القمامة البشرية الملوث بكل ما هو قبيح وذميم من صنع البشر، يتركه وهو في ورطته مع وباء كورونا، ليمضي الى حيث لا عودة من السفر الأخير. تمضي معه روحه أو ربما كانت سبقته الى بلدته عمقا في فلسطين المحتلة. هذه البلدة الجليلية التي تخلى عنها من تخلوا عن 78% من أرض فلسطين معترفين بها أرضاً وملكاً لمحتليها الصهاينة.
ووري جثمان وليد في الدار البيضاء في المغرب عصر يوم الأحد الموافق الثاني من أغسطس – آب 2021. وكان الصديق صالح العلي ابن مخيمنا عين الحلوة والمقيم هناك يعلمني بشكل مباشر عن جنازة ودفن صديقنا وليد. كما كان أعلمني يوم السبت أنه في طريقه لزيارة وليد المريض بالعضال. تفاجأت جداً فلم أكن أعلم بمرضه. وطلبت منه إن كان وضع وليد يسمح له بالتحدث أن يتصل بي لأحكي معه. وإن لا رجوته إبلاغه سلامي وتحياتي. لكن صباح يوم الأحد كانت المفاجئة القاسية، وفاة وليد.
أعرف وليد أبو جاموس مذ كان عمري ست سنوات ومذ كنا أطفالاً في المخيم حيث جمعتنا المدرسة سوية حتى “البريفيه” نهاية المرحلة التكميلية أي المتوسطة. جمعتنا أيضاً الأفكار التقدمية ونهج الثورة المستمرة وجبهة الرفض وجبهة الشعب وثورة شعب فلسطين. فكنا معاً نعمل في اطار الشبيبة الفلسطينية وفي المدرسة. كانت علاقاتنا مع الطلبة الآخرين ممتازة وأخوية ورفاقية وبقيت كذلك حتى آخر لحظة من لحظات حياة العزيز وليد. كنا دائمي التواصل والاتصال لكنني اعترف بأننا في الأشهر الأخيرة لم نتصل ببعضنا البعض، ربما بسبب إنشغالاتنا مع الوباء والحياة اليومية وأمور أخرى… وربما بسبب مرض وليد الذي تبين أنه يعاني من مرض عضال.
كم كان وليد يحن الى مدينة كراكوف ويود زيارتها. لكن أمنيته لم تتحقق بسبب مرضه ووفاته. ولطالما دعاني لزيارته في الدار البيضاء ووعدته أنني سأفعل وسوف أزوره. لكن انتشار وباء كورونا في السنتين الأخيرتين هدم كل الأحلام والأماني وألغى وأجل كل الأسفار والرحلات الى أجل غير مسمى.
هذا اليوم كان من أحزن الأيام في مجموعة صف المعلم أبو ياسين بالواتس أب. لأنني فاجأت الجميع بنشر خبر وفاة وليد. فقد كنت أول من علم بوفاته من خلال الأخ صالح العلي. وكنت أول من نشر النعي وخبر الوفاة. فشكل خبر موت وليد صدمة للأصدقاء، إخوة وزملاء وليد منذ المدرسة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية فالجامعية. خاصة أن مجموعتنا فقدت مؤخراً عدداً من الأصدقاء والزملاء منهم خالد علاء الدين ومجدي عزام رحمهما الله.
بعد غزو الصهاينة للبنان سنة 1982 انقطع الاتصال بوليد ولم أكن أعرف في أي بلد هو الى أن التقينا من جديد في بولندا سنة 1984 حيث جاء الى مدينة “وودج” للدراسة هو وابن خاله الصديق العزيز خالد سلمان داوود (أيضاً إبن صفنا ورفيق الطفولة والمخيم). أنهى وليد دراسته في كلية الهندسة بمدينة كراكوف البولندية. هناك تعرف على رفيقة دربه وحبيبة قلبه الأخت “عواطف” من المغرب العربي، تزوجا وسافرا بعد انتهاء الدراسة الى الدار البيضاء. أقام وعمل هناك حتى وفاته يوم الأحد 2 أغسطس 2021.
صدمة وفاة وليد تركت أثرها أيضا بين طلبة وخريجي جامعات بولندا من الفلسطينيين والعرب، فقد شعر هؤلاء بفقدان صديقهم وزميلهم وليد أبو جاموس، الذي شغل في فترة من الزمن رئاسة وحدة الاتحاد العام لطلبة فلسطين في المدينة. وكان زميلاً محبوباً من قبل الجميع.
وداعاً يا صاحبي … لترقد برحمة الله وبين يديه بسلام وسكون.
نضال حمد
2-8-2021