روسيا والعرب – زهير كمال
في مقال بعنوان ( ما كانت روسيا ولن تكون حليفة للعرب… وماذا عن سوريا)، كتب الأستاذ فؤاد البطاينة مقالاً مطولاً عن العلاقة بين الاتحاد السوفييتي، ثم روسيا الاتحادية فيما بعد، وبين العرب.
وكما عودنا الأستاذ البطاينة على عمق التحليل للقضايا المطروحة فإنه تعمق في هذه العلاقة وخلص الى أن روسيا لم تزود العرب بأسلحة نوعية في صراعهم الوجودي مع الكيان الصهيوني.
وجهة نظر الأستاذ فؤاد تعبر عن كثير من الوطنيين العرب الذين يتألمون للحال العربية المزرية ويحاولون البحث عن حل والفكاك من هذه الحال بشتى السبل . ولكن كيف ينظر الروس إلينا وهل نستحق المساعدة كعرب دولاً ومواطنين؟
ما يلي استعراض موجز للعلاقة بين الطرفين منذ إنشاء إسرائيل وحتى يومنا هذا:
عام 1948:
بعد خروج الاتحاد السوفييتي من حرب عالمية ضروس قضت على عشرين مليوناً من السكان معظمهم من الكوادر التي تدير الدولة، كان الاعتماد على المعلومات الغربية عند تناول شؤون الدول الصغيرة في العالم، من بين تلك الدول الصغيرة ، الدول العربية التي كانت في غالبها محميات بريطانية أو فرنسية. تذكر أخبار تلك الأيام أن هناك حرب عصابات تقودها مجموعات يهودية تناضل من أجل الاستقلال عن بريطانيا، وهذه المجموعات تعيش في تعاونيات اشتراكية ( كيبوتزات)، إذاً فالاشتراكية تنتشر لأول مرة خارج الاتحاد السوفييتي. هكذا نظر ستالين الى خروج دولة اشتراكية في منطقة تابعة لبريطانيا وفرنسا. ورأي الدكتاتور ستالين تسير عليه الدولة كلها، وهكذا كان الاتحاد السوفييتي من أوائل الدول المعترفة “بإسرائيل”.
تكشّف فيما بعد حجم المذابح والتطهير العرقي الذي قادته هذه العصابات ضد السكان المحليين (الفلسطينيين) وثبت لقادة الاتحاد السوفييتي الجدد بعد موت ستالين أن هذه الكيبوتزات مقتصرة على اليهود فقط وأن هذه الدولة الجديدة ما هي إلا تابع جديد للغرب.
عام 1954:
تبين للقيادة السوفييتية أن انقلاب 1952 في مصر هو انقلاب وطني مضاد لبريطانيا وبالضرورة لباقي الدول الاستعمارية، وهكذا صدر القرار بدعم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر، كان أول قرض روسي لمصر لشراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، ونتيجة لذلك دخل الاتحاد السوفييتي الى قارتي أفريقيا وآسيا لأول مرة في تاريخه بعد أن كانت منطقة مغلقة على النفوذ البريطاني الفرنسي.
تعززت نظرة شعوب العالم الثالث والدول الوطنية الصغيرة حديثة النشوء للموقف المخلص من الاتحاد السوفييتي عندما أصدر بولغانين رئيس الاتحاد إنذارا لدول العدوان ( بريطانيا وفرنسا واسرائيل) بشن حرب نووية عليهم إذا لم يوقفوا عدوانهم الثلاثي على مصر عام 1956 .
كوّن عبد الناصر كتلة عدم الانحياز مع نهرو وتيتو ، وقد ضمت هذه الكتلة عدداً كبيراً من دول افريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، لم يكن هناك أي اعتراض من قادة الاتحاد السوفييتي ، كانوا يحترمون خصوصية هذه الدول وتركوا للتطور الطبيعي تحولها للاشتراكية، كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تعلن اتخاذها هذا المنحى، استفادت مصر من هذا التحول فأنشأت آلاف المصانع ، كان الهدف البدء بتكوين طبقة عاملة قوية والتي ستحتاج عشرات السنين حتى تقف على قدميها ويصبح لها تأثيرها في المجتمع.
مد الاتحاد السوفييتي مصر بكمية هائلة من القروض وقد أهلها ذلك لبناء السد العالي بهدف إنارة خمسة آلاف قرية في مصر لأول مرة في تاريخها.
علينا التوقف هنا ونسأل: في المقاييس الرأسمالية، من هو الرابح ومن هو الخاسر في هذه العلاقة؟
أما في المقاييس الإنسانية، فدولة كبرى ذات مبادئ تساعد الدول الصغيرة على النهوض والوقوف على قدميها.
1973:
أثبتت هزيمة 1967 أن الجيش المصري غير قادر على خوض حروب حديثة ، لم يستطع الصمود أكثر من ستة أيام والنتيجة احتلال “إسرائيل” لسيناء والجولان والضفة الغربية ، كان على عبدالناصر بناء الجيش من أصغر جندي وحتى أكبر قائد، ساعد السوفييت مصر في الصمود تلك الفترة ، قتل عدد غير معلن من المستشارين السوفييت أثناء بناء حائط للصواريخ لحماية مصر من الطيران “الإسرائيلي”، لم يقتل أي سوفييتي منذ الحرب العالمية الثانية، ولكنهم قتلوا من أجل مصر والعرب ودفاعاً عن قضاياهم العادلة.
وفاة عبدالناصر عام 1970 كانت بمثابة ضربة قوية غير متوقعة للسوفييت، أمر الرئيس السادات بناء على نصيحة من كيسنجر مهندس السياسة الأمريكية بطرد المستشارين السوفييت من مصر. لنا أن نتصور خيبة الأمل والشعور بالإحباط الذي انتاب صانع القرار في الاتحاد السوفييتي بعد كل التضحيات الجسيمة التي قدموها.
منذ ذلك التاريخ في عام 1973 وحتى ساعة كتابة هذا المقال، لم يجد السوفييت والروس بعدهم سوى الخذلان والغدر من العرب حكومات وشعوباً، وهذا الموجز القصير يظهر ذلك.
أفغانستان 1979- 1989:
تم طرد السوفييت عام 1989 من أفغانستان بعد دخولهم اليها لدعم انقلاب شيوعي هناك، لعب المال السعودي والمتطوعين العرب من كل الدول العربية دوراً في إلحاق هزيمة ماحقة بالسوفييت ، قاد المتطوعين العرب الفلسطيني عبدالله عزام وأسامة بن لادن الذي شكل تنظيم القاعدة فيما بعد، كانت الحجة طرد الشيوعيين الكفار وإلحاق الهزيمة بهم.
كانت الهزيمة في أفغانستان أحد الأسباب الرئيسية في تدمير الاتحاد السوفييتي وتفكك دوله. يضيف بعض المحللين أن حجم القروض السوفييتية لمصر كانت سبباً آخر أدى لنفاد السيولة من خزائن الدولة خاصة وأن الولايات المتحدة، في عهد ريغان، بدأت برنامجاً ضخماً لعسكرة الفضاء والذي يتطلب استثمارات ضخمة وسيولة غير متوافرة في خزائن موسكو.
حاولت جمهورية الشيشان الانفصال عن روسيا، روسيا دولة متعددة القوميات والأديان ، أي رئيس في موسكو لن يسمح بإقامة أنظمة معادية في داخل الجغرافيا الروسية هذا ما سعى اليه الانفصاليون الشيشان رغم أن الانتخابات الاولية والتي قادت الى انتخاب أصلان مسخادوف تظهر أن شعب الشيشان لا يريد الانفصال عن روسيا ، مرة أخرى كان المال السعودي والمتطوعون العرب بقيادة السعودي خطاب يغذون الانفصال ويحاربون جنباً الى جنب مع الانفصاليين ، وهذا يطرح تساؤلاً عن دور النظام السعودي في خدمة المصالح الأمريكية فالنظام الروسي لم يعد شيوعياً كافراً، ولو كان النظام السعودي يريد خدمة الإسلام وأهله لحارب “إسرائيل”.
سوريا 2011 – الوقت الحاضر
ما سبق من أحداث كوّن قناعة لدى صانع القرار الجديد في موسكو، فلاديمير بوتين، أن معظم الدول العربية لا تريد الخير لروسيا، والتجربة الفاشلة مع مصر يمكن تكرارها في سوريا، صحيح أن النظام السوري نظام تقدمي يجب الحفاظ عليه من السقوط ولكن لا ينبغي أن يكون الروس ملكيين أكثر من الملك، تدخل بما لا يتعارض مع المصلحة الروسية، هذه المصلحة التي تضع في حسابها وجود أكثر من مليون روسي غير يهودي هاجروا الى “إسرائيل” بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
هل روسيا بحاجة الى قواعد في سوريا أو المياه الدافئة؟ في عصر الصواريخ الفرط صوتية والغواصات التي تجوب المحيطات لمدد طويلة انخفضت نسبة حاجة الدول الكبرى لقواعد كهذه ، وكما وصف دونالد ترامب معلقاً على وجود القواعد الأمريكية في معظم الدول العربية بالقول : أنتم بحاجة لنا، نحن لا نحتاجكم.
أوكرانيا 2022 – الوقت الحاضر
يصف معظم الإعلام العربي الحرب الدائرة على أراضي اوكرانيا بأنها ( الحرب الروسية على أوكرانيا) هذه العبارة تعبر عن نظرة معظم الدول العربية لهذه الحرب ولم تأخذ بوجهة النظر الروسية في الموضوع.
تم تتويج هذه النظرة في القمة العربية التي عقدت في الرياض (19 مايو 2023) حيث تم دعوة زيلنسكي لإلقاء خطاب فيها كال فيه الشتائم لروسيا. كان على الرئيس السوري بشار الأسد الانسحاب قبل بدء الخطاب ، فتسجيل موقف كهذا كان سيثبت لأهل القمة العربية أنه لم يحضر إليها على حساب المبادئ الثابتة، وانسحابه سيكون الخبر الأبرز وكان سيغطي على خطاب زيلنسكي.
وختاماً تشبه العلاقة الروسية العربية المثل القائل: كما تراني يا جميل أراك.