زلزال رام حمدان يقضي على “احرار الشام” … نهاية حلم الظواهري في سوريا
احمد فرحات
لم تكن “أحرار الشام” حركة عادية على المسرح السوري، بل كانت أحد جماعات تنظيم القاعدة غير الرسمية، ذات التوجه “السلفي الحركي”، مع بعض التحديثات على مستوى العملاتي.
تأسست حركة أحرار الشام منذ بدايات الاحداث في سوريا، على يد أبو خالد السوري، رفيق درب أسامة بن لادن ومبعوث أيمن الظواهري إلى الشام، وذلك في منتصف عام 2011، حيث كان الطابع السري يغلب عملها، حتى تم الإعلان عنها رسمياً أواخر العام نفسه.
وعلى الرغم من نفي الحركة ارتباطها بتنظيم القاعدة، غير أن جميع المعطيات تؤكد هذا الأمر، فهي تأسست على يد مندوب الظواهري إلى سوريا (قتل أبو خالد السوري بتفجير انتحاري بريف حلب، مطلع العام الحالي)، وتحمل الفكر السلفي ذاته لدى القاعدة، مع بعض الإختلافات على المستوى التطبيقي.
ووضع زعيم القاعدة قائد “احرار الشام” حسان عبود بنفس المرتبة مع زعيم النصرة ابو محمد الجولاني وزعيم داعش ابو بكر البغدادي في احد تسجيلاته الصوتية، فيما أشارت تقارير صحافية إلى أنه في عنق الحموي، بيعة للظواهري.
ارتباط “أحرار الشام” بتنظيم القاعدة، لا يجعل منها حركة تابعة، بقدر ما كان يراد لها أن تكون رافعة لفكر هذا تنظيم في المشرق العربي، حيث سعى زعيمها إلى التمايز بشكل كبير عن سلفية القاعدة، من دون أن يحيد عن “المنهج”، وكان التمايز الأبرز في التوقيع على “ميثاق الشرف الثوري”، الذي لا يتضمن إقامة خلافة إسلامية.
فشكلت حركة أحرار الشام القاعدة الخلفية لتنظيم الظواهري العالمي، وتصدت للعمل السياسي إضافة إلى العسكري، في تنسيق يحمل تطوراً في العمل، فيما النصرة كانت في الواجهة الإعلامية والميدانية.
وتعرض زعيم احرار الشام حسان عبود إلى هجوم عنيف من المفتي الشرعي العام لجبهة النصرة سامي العريدي، على خلفية التوقيع على “ميثاق الشرف الثوري”، من دون ان يتحول هذا الخلاف إلى طلاق بين الجماعتين.
ومن هنا، كانت أهمية حركة أحرار الشام، فكونها أحد أقدم الجماعات المسلحة في سوريا، حتى قبل الجيش الحر وفق بعض التأويلات، كانت أساس ما سمي بالحراك المسلح، ونهايتها في هذه الطريقة، يخلي الساحة للعديد من الجماعات الطامحة إلى لعب دور أكبر، وبالتالي الحصول على تمويل مضاعف.
وحظيت حركة أحرار الشام بحصة الأسد من تمويل “الهيئة الشعبية الكويتية” التي يتزعمها حجاج العجمي، وكان لقطر وتركيا دور كبير في تقديم الدعم العسكري النوعي للحركة، كما تم تكريسها من قبل هذه الدول كقناة لتمرير الحملات التمويلية الضخمة لباقي الجماعات المسلحة، كما تحصل على تمويل ضخم من الشبكات العالمية المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وتستولي الحركة على معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا، ما يؤمن لها دخلاً مادياً كبيراً، وتأثيراً على حركة عبور المسلحين والاموال إلى باقي الجماعات الأخرى، كما كانت الحركة أول من استقدم المقاتلين الأجانب إلى سوريا، قبل أن تعود وتركز على العنصر المحلي، بعدما قويت شوكتها.
وتحتل احرار الشام المرتبة الثانية قوة بعد داعش وقبل جبهة النصرة، وهي بالمناسبة توترت علاقتها مع تنظيم البغدادي، دون أن تنزلق إلى مواجهة شاملة، على الرغم من التصفيات التي نفذها داعش بحق قيادات من الحركة، ابرزهم القيادي الطبيب حسين سليمان (أبو ريان)، والقائد العسكري “أبو المقدام”.
نهاية حركة احرار الشام بهذا الشكل، تعتبر ضربة قاصمة ونهائية للغاية التي أنشئت لأجلها، فكان يراد منها تقديم صورة مرنة وايجابية لتنظيم القاعدة ذي التاريخ الدموي في افغانستان والعراق وسوريا، وتقديمها غربياً على أنها من “الفصائل المعتدلة”، وبالتالي تمييزها عن داعش، على الرغم من ان التنظيمين ذوي “منشأ فكري” واحد.
وللتذكر فإن مقتل آل بري في حلب بعد الدخول إليها كان من صنيعة حركة احرار الشام، حيث تم إعدامهم بشكل مباشر، بعد اسرهم من منازلهم وتعذيبهم، وهذه الحادثة دانتها منظمة العفو الدولي، واعتبرتها جريمة حرب.
سنون العمل تم محوها بثوان، هي وقت التفجير، وأول الخاسرين هو تنظيم القاعدة بشخص زعيمه أيمن الظواهري، الذي ذهب قبل أيام إلى شرق آسيا، باحثاً عن جبهة جديدة، يحقق فيها انجازاً ما، بعد الضربات التي تلقاها في سوريا، وبالتحديد في ريف دمشق، في معاركه مع الجيش السوري، وفي هذه الأيام في حماة.
ولا يخفى على المتابع حجم الضربات التي تلقتها القاعدة من الجيش السوري، في معارك القصير والقلمون بريف دمشق، إضافة إلى الغوطتين الشرقية والغربية، حيث كان حضورها هو الأبرز، تحت مسميات حركات عديدة، أبرزها حركة أحرار الشام.
ثاني الضربات التي تلقاها هذا التنظيم هو ما بات يصطلح عليه انشقاق ابو بكر البغدادي عن التنظيم الأم، وتأسيسة خلافة شخصية له، تحمل ذات الفكر التكفيري، وثالث الضربات هي الخسائر التي مني بها فكر القاعدة في حروب الأمراء، بين بغدادي والجولاني، ما أدى إلى ضياع النهج وتشتت الأهداف.
الضربة القاصمة كانت ابادة حركة أحرار الشام إن صح التعبير، فهي آخر ورقة بيد هذا التنظيم العالمي، ومن ورائه الدوحة وأنقرة، اللتين ترتبطان بالحركة بعلاقة مميزة، تصل إلى حد الثقة وتأمينها على حدود تركيا مع سوريا.
من المستفيد
* لا شك بأن الجيش السوري هو المستفيد الأول من القضاء على حركة أحرار الشام، فهي كما الجماعات التكفيرية الإرهابية الأخرى، أمعنت قتلاً في الشعب السوري وتدميراً لمقدراته، تحت عناوين وطنية تارة وإسلامية تارة اخرى، حتى لا تكاد تعرف توجهاً للحركة، التي تقاذفتها التيارات ذات اليمين والشمال.
* أطراف داخل الجبهة الإسلامية وأبرزها جيش الإسلام بقيادة زهران علوش، تطمح إلى إزالة هذه الحركة ذات العتاد التسليحي الضخم، والاموال الوفيرة، ويعزز هذا الإتهام أن مكان وقوع التفجير في بلدة رام حمدان يقع تحت سيطرة أطراف في هذه الجبهة او من المتعاونين معها.
واتهمت تنسيقيات عدة للمسلحين من سمتهم أيادي الغدر داخل “الجبهة الإسلامية” بتصفية “الحموي”، للانفراد باتخاذ القرارت المصيرية بخصوص مستقبل الجبهة، في اشارة الى مسؤولية زهران علوش عن الإغتيال.
ومن المرجح أن يتم تحميل مسؤولية هذا الهجوم إلى تنظيم داعش، لأسباب عدة، أولها الإبقاء على وحدة الجبهة الإسلامية، خوفاً من تسرب مقاتلي احرار الشام إلى داعش ومبايعتهم له، كما حصل في دير الزور، حيث كان مسلحي هذه الجماعة أول المبايعين لداعش، مع ما يعنيه هذا الأمر من فتح جولة جديدة من المواجهات الجماعات المسلحة، تكون اعنف مما سبقها.
نهاية حلم
وخلاصة ما حصل، أنه لم يبق لتنظيم القاعدة في سوريا سوى جبهة النصرة، ذراع عسكري مجروح، من دون آفاق سياسية كان حسان عبود يؤمنها لها، وتلاحقه لعنات الهزائم أينما وجد.
وهنا يمكن القول أن القاعدة هزمت في سوريا وسقطت في فخ الشام، الذي رُسم لها منذ البدايات، بأن يكون الميدان السوري مركز تجميع لمسلحيها، حيث يستفاد منها دولياً واقليماً ثم يتم العمل على تصفيتها، وهذا الفخ نفسه الذي يقع فيه داعش اليوم، وتكون هذه الحركات قد سقطت في وعود دول إقليمية بتأمين الحماية والدعم اللازمين لها.
نهاية حركة أحرار الشام بلحظات درساً لجميع تلك الفصائل برمي السلاح ومغادرة الأجانب سوريا كل إلى بلاده، كون أرض الشام باتت مقبرة المسلحين.
وفي سوريا خسرت القاعدة وتفريعاتها أضعاف ما خسرته في معاركها بأفغانستان والعراق، في تصفيات داخلية، وحروب مع الشعب السوري ودولته، فهل تكون نهاية احرار الشام، درسا تستفيد منه جميع الفصائل؟ ام أن شبق الإمارة سيلازم جميع الأمراء من النشأة حتى الممات.
* رام حمدان: هي البلدة التي وقع فيها التفجير الذي أودى بحياة عشرات القادة من حركة أحرار الشام، من بينهم القائد العام حسان عبود والملقب بـ “ابو عبد الله الحموي”، أثناء عقد اجتماع كبير للحركة في قبو أحد المنازل، وفي مقر يسمى “النقطة صفر” ويقع في منطقة تل صندل شمال رام حمدان بريف ادلب ويبعد عن باب الهوى 25 كم.
وقتل في هذا الجهوم إضافة إلى الحموي، القاضي الشرعي في الحركة “أبو عبدالملك”، والقائد العسكري “أبو طلحة الغاب”، والقائد البارز “ابو يزن الشامي”، وأمير الحركة في ادلب “أبو أيمن”، والقادة أبو الزبير، أبو يوسف وأبو الخير، وغيرهم من القادة العسكريين والشرعيين.
المنار