سعيد الخضراء الذي يخضر أكثر فأكثر كلما تقدم سناً – نضال حمد:
” من صفد المحتلة الى دمشق ثم فيينا… رحلة ملهمة وناجحة ومستمرة”
روح الشباب لا تفارقه والهمة القوية، همة الرجال والشباب وكل الناس المضحين والملتزمين والحقيقيين، الذين لا يبخلون على قضية فلسطين بشيء مما ملكت أيمانهم.. سعيد الخضراء شيخ شباب فلسطين وختيارهم في فيينا، منذ عرفته قبل أكثر من عشرين سنة وهو يخضر عاماً بعد عام ويشرق سنة بعد سنة ويزهر ربيعاً خلف ربيع… عرفته في شهر اللوز وكان مزهراً كزهر اللوز في صفد مسقط رأسه ومدينة أهله، عروس الجليل، التي أنجبت مناضلين وقادة ميدانيين، باستثناء شخص واحد كلكم تعرفونه… صفد التي طهرت عرقياً من قبل أعداء الحياة، الغزاة الذين احتلوها وشردوا وقتلوا سكانها واستولوا على مدينة عريقة، تحفة أثرية ومنطقة سياحية، قطعة من جنان الله الواسعة.
سعيد الخضراء الأخضر كجبل الجرمق وكحدائق فيينا التي أبهرتني يوم أخذني سعيد لمشاهدتها والتعرف على معالمها التي تعتبر من أجمل عواصم ومدن أوروبا.. أبهرتني حدائقها فظننت أنها من الحدائق المعلقة.. وسحرتني كاتدرائياتها وقصورها العريقة والجميلة، وتحفها الأثرية التي تعبق برائحة التاريخ. كذلك نظافة شوارعها وطرقاتها، ومنظومة مواصلاتها.
سعيد الخضراء كنا نجده وكانوا يجدونه هناك أينما وجدت في فيينا وربما في النمسا كلها نشاطات عن ولأجل فلسطين. شاهدت ذلك بأم عيني أكثر من مرة وزاد احترامي له، حيث ذات يوم كنت ضيفاً على فيينا وصادف يوم وجودي هناك حلول الأول من أيار – عيد العمال. جرت وتجري العادة أن يحتفل العمال وقوى اليسار العالمي في كل العالم بعيد الطبقة العاملة، فتشارك في الاحتفالات كل جميعمات ومنظمات المناصرة والتضامن مع فلسطين. ذهبنا برفقة سعيد للمشاركة منذ الصباح الباكر. كان يقف حاملاً يافطة عليها خارطة فلسطين وشعارات باللغة النمساوية أي بالألمانية. كانت معه مجموعة من الختايرية النمساويين والنمساويات، مجموعة سلام وضد الحرب ومع قضية فلسطين، منهن زوجة الكاتب الفلسطيني فيصل حوراني، توفيا تباعاً هي وفيصل في فيينا.
الذي لفت انتباهي أنني لم أشاهد يومها وجود للفلسطينيين في عيد العمال سوى لسعيد الخضراء والنائبة في البرلمان النمساوي الشابة ذات الأصول الفلسطينية منى الدزدار من الحزب الاشتراكي النمساوي. أقول هذا مع أنني أعرف أن النمسا مليئة بالشباب الفلسطينيين النشيطين والملتزمين بفلسطين الكاملة. في الحقيقة هم مشكورين ومشكورات كانوا وكن أول من وجه لي دعوة لزيارة فيينا، حيث قدمت هناك محاضرة عن النضال الفلسطيني في نادي عكاظ وكان ذلك ربما في آذار أو نيسان من سنة 2004. كانت محاضرة شهدت حضوراً جيداً وتفاعلاً جميلاً وخلالها تعرفت على كل الفاعلين الفلسطينيين في النمسا.
في أعقاب الأول من أيار تعززت كثيراً وزادت وكبرت معزتي ومودتي للسعيد الأخضراني الذي يتوهج نشاطاً.. فقد عرفت مصداقية سعيد وتعرفت على همته الشبابية بنفسي، على أرض الواقع أو كما يقولون في الميادين، ذلك خلال ترددي على عاصمة النمسا فيينا لمرات عديدة وخلال وجودي عدة مرات في فيينا إما في نشاطات أو مؤتمرات وندوات واجتماعات والخ.
تذكروا أنني أتحدث عن رجل ليس من أبناء جيلي فأنا هذا العام وقبل شهر ونصف بدأت الستون سنة من عمري، فيما سعيد توغل في عقده الثامن. منذ فترة ظهرت عوارض العمر والتقدم في السن والشيخوخة عند سعيد، فتراجع وضعه الصحي بعد مصائب وباء كورونا التي حلت علينا لأربع سنوات متواصلة. صار سعيد يلتزم المنزل أكثر من أي وقت مضى بسبب الصحة وأتمنى أن لا تتراجع صحته وأن تتحسن وفي أسوأ الظروف أن تبقى مطرحها.
سنة ٢٠١٤ استضافني في بيته أنا والصديق الحيبيب الروائي والقصاص والأديب الفلسطيني الكبير والفدائي رشاد أبوشاور، قلب هجوم منتخب ثقافة الثورة المستمرة في فلسطين. كان أيضاً معنا نجله فهد الذي جاء إلى فيينا من الولايات المتحدة الأمريكية للالتقاء بوالده “رشاد” أبو الفهد. كنت استمع لحديث رشاد مع فهد فأظن أنهما صديقين مثلما أنا ورشاد أو أنا وسعيد، هكذا كانا يتبادلان الحديث. أما سعيد الخضراء فقد كان مثلي مسروراً بما يشاهد ويسمع من أحاديث بين الأب والإبن.
قضينا برفقة سعيد الخضراء في فيينا ليالي أنس جميلة وأمسيات سعيدة وأوقاتاً رائعة، قضينا أياما عديدة تعرفنا خلالها أكثر على فيينا وجوارها بالذات، كما زرنا براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا. مع العلم أنه سبق لي ولرشاد أن زرنا فيينا معاً سنة ٢٠٠٥ حيث شاركنا في مؤتمر العودة لفلسطينيي أوروبا… كان سعيد معنا داخل وخارج قاعة المؤتمر. يومها بسبب ضيق الوقت لم نتمكن من زيارة بودابست العاصمة المجرية حيث يعيش ابن عم رشاد أبوشاور.
تحية لصديقي سعيد الخضراء وإلى اللقاء ربما قريباً جداً في فيينا أو غير بعيد عنها.
نضال حمد
21-7-2023
موقع الصفصاف – وقفة عز