سـعـيـد صـيـام الـوزيـر الـعـاشـق لـلـشهـادة . . !! – بـقـلـم : عـادل أبـو هـاشـم
كم هو صعب على الإنسان أن يمسك قلمه ليخطّ سيرة من قضوا نحبهم في ميادين الشرف و البطولة و الفداء ، في معارك التضحية و الشهادة ، في معارك صدّ العدوان عن الأرض الفلسطينية المغتصبة ، و لكن من باب الوفاء لهؤلاء الشهداء كان لزاماً أن نكتب و لو الشيء القليل كي نحاول إعطاءهم بعضاً من حقوقهم علينا .
فطيلة العقود السياسية المتعاقبة من تاريخنا القديم و الحديث على الأقل والشهداء يمثلوننا ، و يأخذون عن كاهلنا العبء الأكبر و الدور الأبرز في مقاومة العدوان و الاحتلال ، فهم بشهادة التاريخ منبع الثورة و الثوار و المقاومة ، ذلك ما يدفعنا لنعترف كشعب وأمة أنهمٍ يقودوننا دائما في أدق المنعطفات ، و أكثرها تاريخية وأهمية نحو النصر المحتوم القادم من سواعدهم ، ومن فوهات بنادقهم ، ومن خفقان راياتهم المشرعة دوما لتعانق ذروة المجد على الدوام ، لأنهم هم الخالدين في مسيرتنا التحررية ، وهم وسام البطولة و الإرادة الحرة و الإبداع الثوري بعينه .
هكذا كان الموكب وما زال طويلأً جداً وقافلة الشهداء تسير دون توقف . . وينضم إليها يوميا كوكبة جديدة على طريق ذات الشوكة . . يمضون أطفالا ورجالا ونساء . . يرفعون الرايات المعطرة بدمائهم الزكية الطاهرة ، ويرسمون معالم الطريق . . طريق انتصار الدم على السيف والحديد . . و يعبرون إلى جوار ربهم وقد أدّوا الأمانة دفاعاً عن أمة تستباح أرضها . . و مقدساتها . . ومساجدها . . أعراضها . . أرواح أبنائها . . كرامتها .!
يتجرؤون على إسلامها . . على نبيها . . على قرآنها . .!
مضوا كل منهم مشروع شهادة ينتظر إحدى الحسنيين وليستشهد كل على الطريقة الذي اختار . . الطفل الرضيع في حضن أمه . . والطفلة التلميذة على مقعدها المدرسي ، والعجوز عند زيتونتها ، والمقاتل المجاهد في ميدان المعركة .
ليس من السهل أن يكتب المرء عن القائد و المجاهد الرمز سعيد محمد شعبان صيام ” أبا مصعب ” القيادي في حركة المقاومة الإسلامية ” حماس” ، ووزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية والنائب في المجلس التشريعي الفلسطينيي ، الذي استشهد في غارة إسرائيلية مساء يوم الخميس 15 / 1 / 2009 م ، حينما قصفت طائرات العدو الصهيوني “إف 16” منزل شقيقه الكائن في حي اليرموك بمدينة غزة ، فالرجل ليس أحد أهم رموز الشعب الفلسطيني في مسيرته الجهادية وحسب ، بل كان نبراساً و ثائراً ومجاهداً و مفكراً صاحب كلمة شجاعة و هادئة و عاقلة و ثورية في نفس الوقت ، وهو فوق ذلك يتدفق شفافية ويفيض أحاسيس .
رحل “أبا مصعب” برفقة نجله وأخيه وزوجه وابنه وعدد من جيرانه، ولا غرو ففي غزة يتساوى الراعي والرعية في المصير .!
عندما تفتقد غزة رجلاً من رجالها الأفذاذ الذين ما استكانوا يوماً في الدفاع عن كرامة أمة ضللها حكامها ، وشوهها ظلامها ، يحق لها أن تحزن وأن تبكي لفراق حبيب ظلّ على العهد فحفظت له الأرض الجميل الذي لم يُطلب منها .
خمسون عاما هي سنوات حياته التي مزج فيها بين الجانب السياسي والعسكري . يصفه الكثيرون بالهدوء والثقة بالنفس ، ويجمعون على أن هدوءه هو سر قوته . خطب في كثير من مساجد قطاع غزة أشهرها مسجد اليرموك بمدينة غزة .
آخر خطبه كانت تلك التي دافع فيها عن حركة “حماس” ، و كان العدو الأسرائيلي يضع اسمه على رأس قائمة الاغتيالات .
وفي يوم استشهاده كتب :
” إياكم و التنازل . . لن يسجل التاريخ علينا أننا بعنا حقوق شعبنا أو تهاونا في الحفاظ عليها .. ستنتهي الحرب و سننتصر بإذن الله . . فإذا استشهدت فهذا أمر الله فسامحوني و أكملوا الطريق ” .!!
عرفه العالم عربياً أصيلاً ومسلماً مؤمناً مناضلاً شجاعاً صلباً ومجاهداً مقاوماً قوياً عزيزاً لا تأخذه في الحق لومة لائم . . مدافعاً عن أمته العربية والإسلامية وشعبه في فلسطين .
قارع الصهاينة والمتخاذلين من أبناء جلدته . . دخل السجون والمعتقلات . . تحمل التعذيب بكل صنوفه وتحمل الأذى المعنوي بكل أشكاله .
أنتخب القائد المجاهد سعيد صيام عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة ” التغيير والإصلاح ” ممثلة حركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” في 25 / 1 / 2006 م ، و كلف بمنصب وزير الداخلية والشئون المدنية في الحكومة الفلسطينية العاشرة .
ضرب ” أبو مصعب ” للعالمين مثلاً بوزير داخلية يتولى منصبه بعد انتخابه في المجلس التشريعي لبلده في انتخابات حرة يحصل فيها على أكثر من 75 ألف صوت في دائرته ليحصد أعلى الأصوات في فلسطين على الإطلاق ، كدليل على سيرته الطيبة العطرة بين أبناء شعبه .
وكيف لا يحصد تلك الأصوات وهو ابن فلسطين ، وابن المقاومة ، وأيضاً هو الشيخ الداعية خطيب مسجد اليرموك ، وهو المصلح الإجتماعي الذي عرفته العائلات الفلسطينية بإصلاحه ذات البين بين الفلسطينيين ؟!.
فكان اختياره وزيراً للداخلية في الحكومة التي شكلتها حركة حماس نقطة ملفتة وبارزة جداً في عالم وزراء الداخلية العرب ، فلأول مرة يرشح لمنصب وزير الداخلية رجل جاء بإرادة الشعب !!!، رجل مصلح اجتماعي وداعية إسلامي ، رجل تربوي تعّلم وتربّى على يديه الآلاف من شباب غزة .!!!
لقد شكل تولي القائد المجاهد سعيد صيام ” أبا مصعب ” لوزارة الداخلية الفلسطينية نقطة تغيير في التاريخ الفلسطيني عامة وقطاع غزة خاصة .
فمنذ استلامه مهام منصبه أحبه الصغير والكبير ، ومضى يحارب الجريمة وتجارة المخدرات في غزة فازداد حب الشعب له فكان خير الرجال في زمن عز فيه الرجال ، ولكن على الطرف الآخر العملاء والخونة والمجرمين حاولوا النيل منه ومن وزارته ففشلوا .
وكان ملفتاً أن سعيد صيام وزير الداخلية الفلسطينية هو الذي يرعى المقاومة ..! ويؤمن المظاهرات والمسيرات . . لا يقمعها . . !
ويؤمن عمل فصائل المقاومة . . لا يقبض عليها ويعتقلها . . !!!
قاد أجهزة الأمن الوطني في الحكومة الفلسطينية المنتخبة رغم ظروفها الصعبة وتعقيداتها المهنية المريرة في خضم الصراع الفلسطيني الفلسطيني ، وتحت ضغط بعض الحكام العرب وأجهزتهم المخابراتية ناهيك عن الحرب المكشوفة التي خاضها هو وجهازه الفتي المجاهد ضده أعتى أجهزة المخابرات والاستخبارات الصهيونية الإسرائيلية المخضرمة التي كانت تجري ضدهم خلف الكواليس .
كان ” أبو مصعب ” نموذج للبطل العربي الوفي للمهنية والضبط والالتزام الأخلاقي ، فقد كان بين رجاله في ساحات الوغى ، وكان يتنقل في الميدان . . وأي ميدان . . إنه ميدان المعركة . . إنه ميدان الحرب الغير متكافئة التي تابعها العالم أجمع في غزة العزة , وقد جاء استشهاده دليلاً لا لبس فيه حيث استشهد مع رفاقه في العقيدة والسلاح فكان لا يخشى الموت لأنه عاشق للشهادة والاستشهاد لكي يلاقي ربه شهيداً .
غادرنا سعيد صيام وهو رمزاً من رموز المقاومة الإسلامية الفلسطينية ، وعقلاً استراتيجياً لإدارة المهمات الصعبة ، فكان امتداداً للقادة العرب المسلمين شأنه شأن سعد بن أبي وقاص وعبيدة بن الجراح وطارق بن زياد والقعقاع .
ارتقى القائد المجاهد “أبا مصعب” الصوام القوام البكاء في الصلوات والخلوات الذي يخالف غيره من نظرائه من وزراء الداخلية في بعض البلدان العربية الذين يتنمرون على مواطنيهم وبأسهم على الأجهزة الخارجية برداً وسلاما ً.
فهنيئاً له هذا الاستشهاد وهو اليوم عند مليك مقتدر بإذن الله .
هنيئاً لك “أبا مصعب” في هذه المكانة بين رفاقك من كل فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية .
وهنيئاً لك وأنت تعيش الآن حياً في ضمائر كل العرب الأوفياء الشرفاء الصامدين في مواقع النضال والجهاد في الأرض العربية و الأسلامية .
وهنيئاً لك وأنت تعيش الآن حياً في عقول وضمائر كل رفاقك في أجهزة الأمن الوطنية والقومية الرافضة للذل والعبودية والمهادنة مع أعداء الله والإنسانية على امتداد أرض العرب من المحيط إلى الخليج .
هنيئاً لك وأنت تمثل أعلى قيم الشرف والرجولة .
فهنيئاً لك حب الناس واختيار الله لك بالشهادة ، وأسعدك الله في الجنة برضوانه .
استرحت يا أبا مصعب ، أنت وفلذة كبدك عند رحمن رحيم .
كم تعبت ، وكم تلقيت من طعنات ، سجنك العدو وسجنك الشقيق ، وأبعدت إلى مرج الزهور ، وقضيت في نيران الإف 16..!
يكفي .. !
آن لك أيها الفارس أن تترجل أيها الشهيد السعيد .
سلام عليك .