سليمان خاطر ذادَ عن مصر وقَتَلَتَهُ ذادوا عن الكيان الصهيوني
نضال حمد
“أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه، إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن تكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم، إن هذا الحكم هو حكم ضد مصر، لأنني جندي مصري أدى واجبه، روحوا واحرسوا سيناء، سليمان مش عايز حراسة”.
كانت هذه آخر كلمات نطق بها الشهيد سليمان خاطر، الجندي الذي ذادَ عن أرض مصر وأبى أن تدنسها أقدام الصهاينة. بينما الآن وعندما غاب عن الحراسة أمثال الشهيد سليمان خاطر أصبح حراس سيناء من خطر مخترع، سموه خطر “الارهابيين” من مواطنيها ومن “الفلسطينيين” المحاصرين في غزة، أصبح موكلاً للجبناء واللاشرفاء من جنود جيش السيسي. فهؤلاء الجنود مشطوبي الذاكرة ومغيبي الانتماء العربي ومعدومي الحس والأخلاق والقيّم، هم الذين أطلقوا الرصاص الاسبوع الماضي على الصيادين الفلسطينيين الأشقاء الثلاثة على الحدود البحرية بين فلسطين المحتلة – قطاع غزة- ومصر، فأردوهم شهداء وجرحى. الى هنا لم تنته الحكاية فهناك صورة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر جندي مصري وهو يقف بنعليه على جثة أحد الأخوة الثلاثة الفلسطينيين. يا للعار يا مصر، يا جيش مصر الشهداء والتضحيات من المحيط الى الخليج…
بعدما رفضت المجموعة الصهيونية الانصياع والامتثال لأوامره التي كررها أكثر من مرة طالباً منهم عدم الدخول الى منطقة عسكرية يحظر دخولها. لكنهم وبعنجهيتهم المعتادة لم يلتفتوا لطلباته المتكررة، مما أجبره على استخدام صلاحياته العسكرية والوطنية، حين قام سليمان خاطر بواجبه الوطني وتعامل معهم بما يتوجب على أي جندي وعسكري يحرس وطنه أن يقوم به في مثل هذه الظروف.
في تلك اللحظات الصعبة تذكر سليمان الفلاح والجندي الذي أحب مصر ولأجلها التحق بالجيش المصري، جيش عبد الناصر، وعاش طفولته ككل مصري وهو يسمع ويرى ويشاهد ويقرأ أخبار المذابح الصهيونية وقصف الصهاينة لمدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة في 8 أبريل سنة 1970 حين قاموا بنسف المدرسة مما أدى لاستشهاد عشرات التلاميذ من الأطفال المصريين. كما كان قرأ وسمع عن اعدامات صهيونية جماعية للأسرى من الجنود المصريين في سيناء. كذلك شاهد مجازر صبرا وشاتيلا. وتذكر خطابات الزعيم جماإل عبد الناصر وقارنها بخطابات المستسلمين من بعده الذين لم يروا “الدم في كل كف” حين صافحوا الجزارين الصهاينة وسلموهم مصر كاملة. كل تلك اللحظات والمحطات كانت حاضرة أمامه وكان أمامه أيضا القتلة المغرورين. ما هي إلا لحظات حتى أطلق سليمان خاطر، الجندي الفلاح، ابن الأرض والنيل وسيناء وكل مصر، النار على المجموعة الصهيونية فأرداهم بين قتيل وجريح. رافضاً أن يدنسوا أرض مصر في سيناء حيث تم دفن الأسرى من الجنود المصريين وهم أحياء، في سيناء حيث قام الضباط والقادة والجنود الصهاينة بحفلات قنص واعدام وقتل جماعي للأسرى. ربما أنك يا سليمان شفوت غليل وغيظ أمة كاملة يوم قررت أن تلتزم بشرفك العسكري وحسك الوطني. لكن من لا شرف عسكري ولا حس وطني وقومي لديهم، قاموا باعتقالك ومحاكمتك ومن ثم شنقك في السجن وأدعوا فيما بعد أنك انتحرت. سبق ذلك أن اعتذروا من الكيان الصهيوني وأسفوا على قتلاه وقدموا لهم التعويضات من أموال الشعب المصري.
كان سليمان خاطر جندياً مصرياً يؤدي خدمته العسكرية على الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة. اثناء نوبة الحراسة التي كان يقوم بها في رأس برقة – برجة في منطقة تقع جنوب سيناء، حين فوجئ بمجموعة من السياح الصهاينة الذين جاءوا لتدنيس أرض الشهداء المصريين. حاولت المجموعة الصهيونية تسلق هضبة في المكان تقع عليها نقطة حراسته. سليمان الجندي الفلاح حاول منعهم وأخبرهم باللغة الإنجليزية أن هذه المنطقة عسكرية ويحظر عليهم دخولها: لكنهم لم يعيروه اهتماما ولم يكترثوا لتحذيراته المتكررة، وواصلوا سيرهم بجوار النقطة . عندها أطلق عليهم الرصاص، فقتل سبعة وجرح الباقين، وكانت المجموعة تضم 12 صهيونياً.
بدلاً من تكريمه وحمايته لأنه أدى واجبه العسكري والوطني حين قام بالدفاع عن بلده وطبق تعليمات مسؤوليه وقيادته العسكرية، تم تحويله الى محكمة الجنايات ثم المحكمة العسكرية حيث حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 25 عاما، ووضع في السجن بمدنية نصر. فيما بعد تم تحويله إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا، وهناك قالوا كذباً لاخفاء جريمتهم أنه شنق نفسه. لكن في حقية الأمر تمت تصفيته ارضاءا للصهاينة، أغتيل البطل في زنزاته يوم السابع من يناير 1986 ومعه اغتيلت كرامة مصر وجيشها العربي الأبيّ.
من السجن كتب سليمان رسالة لعائلته جاؤ فيها:” أنه عندما سأله أحد السجناء “بتفكر في إيه”؟ قال “أفكر في مصر أمي، أتصور أنها امرأة طيبة مثل أمي تتعب وتعمل مثلها، وأقولها يا أمي أنا واحد من أبنائك المخلصين.. من ترابك.. ودمي من نيلك. وحين أبكي أتصورها تجلس بجانبي مثل أمي في البيت في كل إجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون، وتقول: لا تبكي يا سليمان، أنت فعلت كل ما كنت أنتظره منك يا بني”. حين علمت الجماهير المصرية باستشهاد سليمان خاطر مشنوقاً في زنزانته خرجت لتندد بعملية الاغتيال. خرج طلاب الجامعات من القاهرة وعين شمس وجامعة الأزهر وجامعة المنصورة طلاب المدارس الثانوية.
السلطات المصرية الكمبديفيدية اغتالته بينما كل جماهير الأمة العربية كرمته وأعلته ووضعته في مكانة تليق به مع الشهداء الكبار والعظام ومع البواسل والأبطال. وايران أصدرت طابعاً بريدياً يحمل اسمه وصورته تكريما له ولتضحيته. السلطات المصرية دفعت تعويضات لعائلات القتلى الصهاينة واعتذرت رسمياً عن ذلك. أما أم الشهيد سليمان خاطر قالت تعليقا على جريمتي النظام المصري، اغتيال ابنها وتعويض عائلات القتلى الصهاينة ” ابني أتقتل عشان ترضى عنهم أمريكا و(إسرائيل)”.
الشاعر العربي العراقي الكبير مظفر النواب كتب قصيدة ” أيها القبطان” راثياً وممجداً سليمان خاطر ولاعناً نظام الاستسلام الكمبديفدي:
وسليمانُ بنُ خاطرَ.. كان صدِّيقا نبِيّا .. وإماما قَبِّلِ القبرَ بِأكياد..
فهذا الهرمُ الطفلُ احتوى أسرار مصرِ كُلّها
أما كانِ كليمَ اللهِ في رابيةِ الطودِ
ياااا سُليمانُ بن خاطرْ….
طهّرَ البيت منَ الأرجاسِ والأوثانِ
أّذّنْ….ليس بين الحقِّ والظُّلمِ سلاما
يكرهُ اللهُ كما هذا سلاما ..
رأسُ مِصرٍ يانبيَّ الله مطلوبٌ …وقاها اللهُ
سالومي تؤدي رقصةَ الموتِ
ولم يبقَ من السِّترِ عليها إلا أوراقاً من التلمودِ
لاتسترَ شيئاً..
انهضي يامصرُ……انهضي يامصرُ….انهضي يامصرُ
انهضْ ياسُليمانُ بن خاطرْ….
نضال حمد في السادس من أكتوبر – تشرين أول 2020