سمير جعجع إلى الحرية والمخيمات الفلسطينية سجينة
نضال حمد
يمكننا أن نتخيل السجون وما فيها من عذابات لكن لا يمكننا أن نتخيل المذابح وما فيها من إجرام ولا إنسانية ووحشية وعداء لكل ما هو طبيعي وأخلاقي وإنساني والهي على هذه الأرض. وسمير جعجع مجرم الحرب الشهير، أحد المسئولين عن مجازر صبرا وشاتيلا برفقة ايلي حبيقة وغيرهم من قوات الجبهة الانعزالية اللبنانية وحلفائهم في قوات الغزو الصهيوني للبنان بقيادة ارييل شارون سنة 1982. مثله لا يجوز ان يمنح عفوا ولا أن يبقى في الحرية لأنه رجس من صنع الشيطان، ولا يمكن تركه يسرح ويمرح كما يفعل الآن ارييل شارون وكما يفعل غيره من مجرمي الحرب في العالم.
إطلاق سراح سمير جعجع دكتور الأجرام والاغتيالات والمذابح، ليس جديدا، ولا هو من غرائب وعجائب بلد مثل لبنان.. فكل شيء وارد وممكن وضروري في بلد الأرز الذي لم يعد يعرف أين تسير به رياح العاصفة الأمريكية على المنطقة العربية.
لو حدث هذا في أي بلد آخر لكان فعلا من عجائب وغرائب الدنيا الحالية. لكن أن يتم إطلاق سراح قاتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رشيد كرامي، وهذا الأخير كان واحدا من الأعمدة الوطنية التي قام عليها لبنان الحديث، يعتبر ضربا من الخيال.
في لبنان تموت الاتهامات واقفة، ويحيا المتهم حرا بل أكثر من ذلك يصبح من صناع القرار في البلد، ويجد حوله من يحشد له ويؤيده ويرفع من مقامه على أساس أعماله. وأعماله ليست سوى الجرائم والويلات والاغتيالات والسطو والسرقة، سرقة الوطن والمواطن.
سمير جعجع ليس حالة شاذة في الوحل اللبناني، فهناك عددا لا بأس به من أمراء الحرب والجريمة يحكمون ولا يهابون القانون فالقانون من صنعهم وهم أعلى منه.
الغريب والذي يحير هو قيام نفس البرلمان اللبناني الذي يمنع الفلسطينيين من العمل في عشرات المهن ويحاصر جيشه مخيماتهم، جاعلا منها شماعة يعلق عليها كل مشاكل لبنان، ولم تكن تهمة محاولة اغتيال وزير الدفاع الياس المر سوى واحدة منها. فعلى أساس تلك البدعة يقوم الجيش اللبناني وحواجزه المنتشرة على مداخل المخيمات وبالذات منها مخيم عين الحلوة بالتضييق على الناس من خلال توقيفهم والتدقيق بالأسماء وأرقام السيارات ومع المارة من جميع فئات السكان، وتقوم الحواجز التابعة له بتسجيل الخارجين والداخلين إلى عين الحلوة وبقية المخيمات الفلسطينية. هذا كله بحسب زعمهم من أجل الحفاظ على أمن لبنان وأمن الناس في المخيمات. لكن هذا كلام حق يراد به باطل، فعلى البرلمان الذي أطلق سراح جعجع أن يقوم بإصدار عفو عن كافة المطلوبين سياسيا وأن يفك الحصار عن المخيمات الفلسطينية، وأن يعامل اللاجئين الفلسطينيين معاملة كريمة، وأن يرفض دعوات توطينهم لا أن يشجعهم على التوطين والهجرة إلى غير بلدهم وذلك عبر سن وتفعيل قرارات جائرة بحقهم.
هذا البرلمان الموزع طائفيا يقوم بإصدار عفو عن جعجع معتبرا أن العفو المذكور من ضرورات بناء البيت ولملمة الشمل وترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز عملية التغيير والبناء بعد اغتيال الرئيس الحريري وموجة التفجيرات التي بدأت بعد ذلك في لبنان.
كان نفس البرلمان صادق على قانون العفو عن سمير جعجع بنسبة شبه جامعة من الحاضرين، لكن بعد أن انسحب من الجلسة أعضاء كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله وأعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي. وبهذا الانسحاب نحمد الله لأنه مازال هناك في برلمان لبنان من يفرق بين الوطنية والعمالة وبين ارتكاب الجرائم الكبيرة والجنايات العادية. بالمناسبة من المعروف أن تنظيم جعجع المعروف بإسم القوات اللبنانية والمحظور رسميا قد نجح في إيصال ستة من أعضائه من بينهم زوجة جعجع إلى مجلس النواب اللبناني في الإنتخابات الأخيرة. جاءت تلك الانتخابات لتؤكد الفرز الطائفي في لبنان وتعيد البرلمان إلى زمان الطائفية الذي على خلفيته وأساسه اندلعت الحرب الأهلية الدموية اللبنانية، التي كان سمير جعجع بدوره احد أهم رموز الإجرام فيها.
سمير جعجع كتائبي متعصب انعزالي، يلقب بالحكيم لأنه كان بدأ دراسة الطب ولم ينه دراسته، قاد القوات اللبنانية في آخر أيامها ويعد أحد أبرز رموزها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت سنة 1975 وأنتهت في 1990 بتوقيع الأطراف ومنها جعجع لاتفاق الطائف. وجعجع مثله مثل بشير الجميل وايلي حبيقة وسعد حداد وانطوان لحد من عملاء وحلفاء (إسرائيل) العلنيين في لبنان. وعرف عنه عداؤه الشديد لسوريا بسبب رفضه للنتائج التي أسفرت عنها هيمنة سوريا على لبنان. يعود ذلك لكون جعجع يعادي أي انتماء عربي للبنان مثله مثل الكثير من السياسيين الذين تحالفوا مع الأجنبي ومع الصهاينة ضد عروبة لبنان.
انقلب جعجع على زميله ايلي حبيقة وأصبح قائدا للقوات اللبنانية عام 1985 بعد أن تمكن من توجيه ضربة قوية لحبيقة وإبعاده عن القوات اللبنانية نتيجة “الاتفاق الثلاثي” الذي وقعه الأخير مع وليد جنبلاط ونبيه بري برعاية سورية. لكن جعجع نفسه فيما بعد اضطر لتوقيع اتفاق الطائف الذي يؤكد على عروبة لبنان رغما عن قناعاته. وكان جعجع أعتقل في ظل وجود القوات السورية وذلك بعد حصار لمنزله استمر أياما مساء الحادي والعشرين من نيسان – أبريل عام 1994 .عقب التفجير الذي استهدف كنيسة سيدة النجاة في شباط – فبراير عام 1994 حيث أتهم جعجع بتدبيره. وكان القضاء اللبناني بعد محاكمة علنية طويلة أصدر قرارات بإعدامه خفضت إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ومن بين التهم الموجهة الى حكيم القوات سمير جعجع، إغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي عام 1987 وإغتيال داني شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار مع زوجته وولديه سنة 1978. ورغم قيام بعض القادة اللبنانيين (الرئيس السابق الياس الهراوي ورئيس المخابرات ميشال ريحاني) بتسريب أنباء لجعجع عن نية اعتقاله إلا أنه رفض مغادرة لبنان إلى الخارج.
في الختام فإن قرار الإفراج عن سمير جعجع لا بد سيقود إلى قرار العفو عن عملاء جيش لحد المتواجدين في فلسطين المحتلة والذين مارسوا القتل والجريمة ضد شعبهم ويمارسونها الآن في فلسطين المحتلة.
28/07/2005