سهى بشارة عن العميل الفاخوري: المفروض مقاربة ملفه “كإسرائيلي”
كيف تقرأين الوضع السياسي في لبنان اليوم؟
الوضع مأساوي (تضحك). هناك العديد من الملفات، اقتصادية، سياسية، قانونية نسأل من خلالها عن الهوية: أي لبنان بدنا؟ “يعني متل واحد خلق ليعمل شي وما عارف شو اللي بده اياه. لازم نعرف وين هي معركتنا كلبنان، سواء بالداخلي أو بالخارجي.” علينا أيضاً أن نفهم ما هي المسَلّمات، ومن ضمنها “من هو العدو؟” هذا يحدث ضمن الألف باء لأي دولة. وإن عدنا إلى الدستور، والحديث عن الحدود التي يجب أن نحميها، فهي غير واضحة عند معظم الناس. “عشان هيك، لمجرد ما الواحد يحكي كلمة، العالم بتحسّ حالها مستفزّة.”
بالنسبة للأزمة الاقتصادية، وبالرغم من أنّني لست خبيرة اقتصادية، وبالرغم من أن هناك العديد من الخبراء القادرين على قراءة الوضع وتحليله بشكل علمي، فأنا كمواطنة أعتبر بأن لدينا قطاعات إنتاجية على مستوى الدولة تستطيع أن تعكس هويتنا، على مستوى الزراعة أو المياه مثلاً، وهي في أزمة. “بلد مش قادر يستثمر الثروات المائية، ومش قادر يدعم سياسته الزراعية ليتحوّل المزارع لعامل منتج. وين مراكز الأبحاث لحتى ننتج فكر؟ نحن بس منقدّم خدمات ومنعبّي الأوتيلات؟”
لقد باعوا الأملاك العامة، “يعني ملك الشعب انباع” وهم يستغلونه دون حتى دفع ضرائب. “باعوا البلد كلها، مابقا فيه قطاعات للدولة.” لذا، لم يجد “سيدر” شيئاً للبيع، فلجأ إلى سرقة آخر ما تبقّى، وإلى استهداف الطبقات الأكثر فقراً، عبر سرقة حقوق المتقاعدين. هذا ما يقومون به بدلاً من دعم المواد الغذائية الأساسية مثلاً.
للأسف، البلد اليوم قائم على عدد قلي من الأفراد، يستولون على مشاع الدولة، “بيعمّروا وبيأجرونا إياه للدولة بأسعار عالية. أحيانا بيولد عندي إحساس إنه هيدا مش بلد، إنه هاي شركة.”
ذكرى جمول: بعد 19 سنة من التحرير و37 سنة من تحرير بيروت، كيف تتبلور المقاومة اليوم؟
“الفلسطينيين والسوريين مش طالبين مننا نحرّرلن شي. (تضحك) بس مطلوب مننا ما ننسى. نحن معركتنا ما انتهت. القضية الفلسطينية، هي أبعد من الحدود.” فعندما فتحنا معركة المقاومة ضد الاحتلال، كان ذلك خياراً، خيارنا بأن نعتبر “إسرائيل” عدو. واليوم، من البديهيات في هذا البلد أن يكون هكذا خيار واضحاً. لو كان واضحاً لما وجدنا أنفسنا واقفات وواقفين أمام ملف كملف عامر الياس فاخوري. وهو واحد من كل، على فكرة.
كيف يمكن أن نقول بأن التعامل يمرّ عليه الزمن لأنه العدو انسحب سنة 2000؟ ألم يحصل أي شيء بعد ال2000؟ هل يعتقدون بأن حرب 2006 كانت حصلت لو لم يكن هناك عملاء في لبنان؟
المهم إذاً هو تحديد العدو، أي بلورة موقف الدولة من العدو، على المستوى السياسي بالحد الأدنى. المقاومة ليست فقط مقاومة مسلحة، فالمقاومة المسلحة لها ظروفها وأوقاتها وزمانها. “الواحد ما بيزتّ حاله ليزتّ حاله.” أنا شخصياً أفضّل ألّا تدخل الدولة اللبنانية في المعركة بشكل مباشر أي أن تضع الجيش اللبناني بمواجهة عسكرية مع العدو. يمكن أن تحصل المواجهة عبر آليات أخرى كالأحزاب ومن ضمنها حزب الله، بمواجهة الاحتلال.
اليوم، وعلى المستويين السياسي والوطني، ليس هناك من حماية لهذه المقاومة. يجب أن نبدأ من تربية وطنية من خلال مناهج تعلّم المواطنين عن العدو. “ما عنا شي بمناهجنا عن الموضوع، كل شي إله علاقة ب”اسرائيل” قايمينه من المنهاج. ما منعرف عدوّنا، فلمّا وحدة متل سهى بشارة تحكي، أكيد بدهم يقوموا عليها لأنهم مش عارفين بقا مين العدو.”
بالنسبة للعميل عامر الياس فاخوري، ماهي برأيك ظروف دخوله وأسباب تسهيل الدخول؟
أوّلاً، أن يتمّ إزالة إسم متّهم بحجّة مرور الوقت، يعني أن هناك قرار قضائي لإسقاط الدعوى. القضاء إذاً هو أوّل جهاز يجب مساءلته. ثانياُ تمّ سحب اسمه من السجل الأمني عبر وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية. ممّا يعني بأن هناك أجهزة أمنية استطاعت إزالة اسمه، إلّا إن لم يكن الإسم موضوعاً على لائحة المطلوبين من الأساس. وأسامي العملاء منشورة في معتقل الخيام، فكيف يمحى اسمه؟
حتى بعد الانسحاب “الاسرائيلي”، يبقى العميل عميلاٌ، وحين عودته إلى البلاد، يجب توقيفه والتحقيق معه ليبتّ بملفه.
ثالثاً، هناك مغالطة من خلال استخدام تعبير “المبعدين”. المبعد هو من تمّ إبعاده. من أخذ قراراً بإبعادهم؟ أنا أفهم تماماً ظروف الحرب والعيش تحت الإحتلال، بحيث يمكن أن تأخذ مجموعة قراراً بالتماهي مع الصهاينة، خوفاً على حياتها أو رفضاً لترك أرضها. كما أن الماكينة الإعلامية للعدو عملت جاهدةً لترهيب الناس وتخويفهم، خاصّة ممّا سيحصل عند فرار الصهاينة، بحيث أنهم كانوا يقولون للناس “نهار اللي نحن منفلّ، حزب الله رح يهجم عليكم بالسواطير.” ماكينة كانت تعمل كي يحمل هؤلاء بوجه السواطير سواطير. يومها، فوجئ الإسرائيلي بأنهم هربوا كلّهم، “ولا واحد منهم بقي.”
وعدد الذين فرّوا هو حوالي 7000 شخص، وهو عدد صغير جداً بالمقارنة مع عمل ماكينة لأكثر من 28 سنة: كانت ثقة الناس بأهلهم أكبر بكثير ممّا توقّعوا.
لكنّنا لا نضع الجميع في السلة ذاتها: “فيه ناس مش عملا، نحن منفرّق.” هناك عملاء، وهناك من فرّوا خوفاً وكانت لديهم ظروفهم وهناك عائلات العملاء.
هنالك شهيدان استشهدا تحت التعذيب على يد العميل عامر الياس فاخوري أثناء انتفاضة معتقل الخيام، إبراهيم أبو العز وبلال السلمان. نريد محاسبة فاخوري، لكن زوجته مثلا لا ذنب لها.
أي شخص من الذين فرّوا يستطيع العودة إلى لبنان ضمن شروط: يتمّ توقيفه، ويتمّ النظر إلى ملفّه، إن كان من جيش لحد أو من الأجهزة الأمنية فيتمّ التحقيق معه ومحاكمته. وإن لم يمتلك ملفّاً وهرب نتيجة لحاقه بالموجة، يتمّ الإعفاء عنه. وهذا ما تمّ توضيحه عند التحرير، والأحزاب المقاومة كانت على قدر المسؤولية ولم تطلق حملات ثأرية، “فالقصة مش قصّة ثارات.” هناك قضية وطنية، تتعلّق بالعمالة والإحتلال، وهو موضوع أعي تماماً بأنه شائك اجتماعياً. لذا فهي ليست مسؤولية أحزاب، بل مسؤولية دولة. وهنا مشكلتي مع الدولة منذ سنة 2000. فهي لم تبنِ ملفاً عن مجرمي الحرب ورموز العملاء والقيادات “الإسرائيلية”. لم يحصل كل ذلك، بل توكّل عدد من الجمعيات بذلك، وهذا ليس عمل الجمعيات. لا أفهم كيف لا تحوّل الدولة اللبنانية عبر سياستها الخارجية، هذا الملف إلى ملف رئيسي ورسمي تهتمّ الجهات الرسمية بمعالجته.
أهناك حدث معيّن تذكرين خلاله العميل فاخوري خلال فترة اسرك في معتقل الخيام؟
حدث لقاء عابر قبل عملية انطوان لحد، بحكم لقائي بالمسؤولين. لكن الحدث الوحيد الذي أذكره من خلاله هو حين استشهد هيثم دباجة من بنت جبيل سنة 1995 (على ما أعتقد). فقد عشت تجربة سماعه يلفظ أنفاسه الأخيرة عبر الجدران.
كنت يومها في السجن انفرادي في القسم النسائي وهو كان في سجن رقم 4، وبدأ يصرخ نتيجة الألم بسبب مرضه. فراح السجن بكامل معتقليه يصرخ طلباً لممرّض. وما كان حينها من الشرطي إلّا ان يردّ عليه قائلاً: سدّ بوزك يا كلب.
تمّ إخراج هيثم بعد ساعات طويلة وما لبث أن استشهد في سيارة الاسعاف.
“أيّا إنسان بده يطلع من زنزانة لازمه قرار، والقرار كان بيد عامر الياس فاخوري. بوقتها فكرت انه ليش ما عم يسمح يفوتوا ممرض او ياخدوه عالمستشفى؟”
“الواحد بيربط المسائل أو الذاكرة بتربطها ليش ما بعرف…لما بتذكّره فيه تلات أسماء بوقف عندها، عشت عذابها عبر الجدران والصراخ والاصوات: هيثم دباجة وهو عم يصرخ من الوجع وإبراهيم أبو العز وبلال السلمان سمعت صوتهم تحت التعذيب، وصرخات آلامهم اللي بودرت بالصمت.”
أخيراً، يكفيني أن عامر الياس فاخوري كان هو المسؤول عن معتقل الخيام، “مابعرف شو بدنا نزيد يعني”، كان تابعاً بشكل مباشر لجهاز الأمن “الإسرائيلي”. “وما بعتقد أبداً اللي بيفوتوا بهيك مخاض بيغيروا طريقن. ما بعتقد العمالة عند عامر الياس فاخوري تغيرت أو دوره مع العدو وقف مع خروج الصهاينة من لبنان.” وأنا أتمنّى أن تعمل أجهزة المخابرات اللبنانية لكشف كل المعلومات عنه.
برأيك، ما هو شكل الضغط الشعبي الذي نحتاجه اليوم في قضية فاخوري؟
اليوم للأسف لا نثق بالأجهزة الأمنية والقضائية. ملف عامر الياس فاخوري هو واحد من العديد من الملفات الموجودة، وما خفي أعظم. فإذا حصل شخص بهذه الأهمية على هذه التسهيلات، فما بالكم بمن حصل على مثلها ولم نسمع به؟ لهذا السبب، أتمنّى أن تكون الأجهزة الأمنية والقضائية ووزارة العدل بمستوى التعاطي مع هذا الملف.
وهنا أودّ أن أحيّي كل المحامين اللواتي والذين تحرّكوا سريعاً بخصوص فاخوري. ما بين أيدينا ليس ملف بإسم الحزب الشيوعي اللبناني أو حزب الله. كما لا أعتقد بضرورة تشكيل لجان محامين تحمل أسماء الأحزاب: “هالملف لازم يجمع كل المحامين، ويعتبروها قبل كل شي قضية وطنية.” أتمنّى أن يفتح هؤلاء المحامون معركة مراقبة وإشراف على عمل القضاء لمتابعة الملف من أجل أن يكون في موقعه الصحيح.
كما أودّ أن أضيف نقطة أشعر بأنه من المهم أن نتكلّم عنها في ظل هذه المعمعة، وهي قضية جورج ابراهيم عبدالله. بعد أن استنزفت كل الآليات القانونية في فرنسا، أين وزارة الخارجية من كل ما يجري؟
على وزارة الخارجية أن تتبنّى مسألة إطلاق سراح جورج ابراهيم عبدالله، هذه اليوم هي مسؤولية الدولة اللبنانية، التصريحات لا تكفي،. والملف ليس للاستهلاك الاعلامي. لا ننكر بأن هناك حركة في الدولة اللبنانية عبر جزء من سياستها الخارجية، بحيث زاره السفير والقنصل اللبناني في فرنسا داخل السجن، لكن هذا لا يكفي. على هذا الملف أن يكون ضمن ملفات الخارجية اللبنانية، فهو مواطن لبناني أنهى حكمه، وهو أقدم سجين سياسي في كل أوروبا وجرمه الوحيد أنه معادٍ للصهيونية.
وهنا نعود للنقطة الأساسية: “لازم نعرف مين هو عدونا. نحن و”إسرائيل” على عداء أو لا؟”
أنا أكيدة بأنهم سيطالبون بإطلاق سراح عامر الياس فاخوري، على الأقل أميركا ستقوم بذلك. من المفروض مقاربة ملفه ك”إسرائيلي”، “وفكرة التبادل بتمرق براسه للواحد. عندك “إسرائيلي” بين إيديكي” وبهذه الحالة، لنرَ من سيطالب به ونبادله.