سوريا الروسيّة وروسيا السوريّة!
ثريا عاصي
من البديهي أنّ انخراط الروس مباشرة في الحرب الدائرة في سورية هو مؤشّر على أنّ القيادة الروسية تشعر بخطورة الأوضاع في هذه البلاد، على مصالح وأمن بلادها. أظن أنّ القيادة الصينية توصّلت بدورها هي أيضاً إلى نفس الاستنتاج. هذا ما يفسّر، من وجهة نظري، إرسال الصين قِطَعاً من أسطولها البحري إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لتتّخذ مواقع لها قبالة الشاطئ السوري.
لمَحت في مقال سابق إلى أنّ الحكومة التركية تخوض الحرب ضدَّ سوريا في الشمال، بواسطة فرق عسكرية تضم مجندين من الشعوب التركية في بلاد كالشيشان وتركمنستان والصين (الإيغور) ومن جنوب روسيا. تحسن الإشارة في هذا الصدد إلى ما جاء في بعض وسائل الإعلام من أخبار تفيد بأنّ تركيا جنّدت عناصر من القوقاز (إسلاميين) وأرسلتهم لقتال الروس في أوكرانيا. تركيا في حرب ضدّ روسيا في أوكرانيا!
بناءً عليه من الطبيعي أن ينظر الروس والصينيون إلى الحرب على سوريا، ليس بما هي «ثورة» من أجل الحرية والديمقراطية كما تُصوِّرها خداعاً وتضليلاً، أجهزة دعاية الإمبريالية الأميركية والأوروبية وجوقاتها في لبنان وسوريا، ولكن من خلال طبيعتها العدوانية كمحطة يمكن الانطلاق منها إلى مناطق القوقاز تمهيداً للدخول إلى الصين وإلى روسيا، فما يهمّ هذه الإمبريالية هو إضعاف هذين البلدين الأخيرين وإسقاط اعتراضهما على تمدّد هيمنتها لتشمل العالم كله!
هذه فرضية أردت أن أذكّـِر بها في معرض هذا البحث الذي أبتغي فيه إحصاء القوى «العسكرية»، إذا جاز القول، والسياسية، والهيئات «الروحية» التي تشترك في الحرب على الدولة السورية؛ علماً أنّ القوى التي تدعم هذه الأخيرة معروفة منذ أن خرجت الشرارة الأولى في درعا. لعلّ من إيجابيات التدخل الروسي مباشرة في سوريا أنه أجبر جميع الأطراف على الظهور علانيةً، بل أكاد أقول دون أقنعة.
أشرتُ أعلاه إلى دور الحكومة التركية الذي تجلّى من خلال مواقف الناطقين باسمها من العمليات العسكرية الروسية في سوريا، فضلاً عن انكشاف حقيقة مفادها أنّ جبهات القتال ضدّ الجيش السوري في الشمال الغربي السوري، كانت تحت القيادة العسكرية الفعلية التركية. بتعبيرٍ آخر، تُشير الدلائل التي يمكن للمراقب المجرّد أن يستقيها من وسائل الإعلام، إلى أنّ الحكومة التركية هي عملياً في حالة حرب ضدّ سوريا، وأنّ قواتها أو قوات رديفة تملك أسلحة ثقيلة، دبابات ومدافع وصواريخ، توغّلت في الأراضي السورية واحتلت مدناً كمثل إدلب وجسر الشغور. لم تُخفِ الحكومة التركية رغبتها بإسقاط السلطة في سوريا، وأمل استبدالها بسلطة يُـتوِّجها السيد اردوغان وملك آل سعود وأمير قطر، والقرضاوي، بعد أن يؤدّوا «الصلاة» في الجامع الأموي!
هذا عن جبهة الشمال، أما عن جبهة الجنوب، فإنّ المستعمرين الإسرائيليين لا يخفون الدعم الذي يقدّمونه للمتمردين على اختلاف أسماء جبهاتهم وجيوشهم. يستطلعون لحسابهم مواقع الجيش السوري، يوفّرون لهم التغطية النارية، بالمدفعية الأرضية وبالغارات الجوية إلخ… المستعمرون الإسرائيليون يحاربون الدولة السورية إلى جانب «الثوار»!
هناك أيضاً، الجبهة الشرقية التي يأتي منها خطر «داعش». يبدو أنّ طيران التحالف ضدَّ الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لم يقيّد حركاتها، فلقد حصّنت «داعش» طيلة العام الماضي إنشاءاتها الدفاعية، وبادرت إلى شنِّ هجمات ناجحة ضدّ الجيش السوري، رغم أنّ طائرات التحالف، التي التحق بها مؤخراً الفرنسيون والبريطانيون، كانت تصول وتجول في سماء سوريا، ترسم الحدود التي يتوجب على كل طرف ألا يتجاوزها بحسب الخطة الأميركية. استمر تدفق السلاح على «داعش» من تركيا، وكلنا يعرف الآن، أنّ «المعارضين المعتدلين» الذين يتدرّبون في المعسكرات الأميركية في تركيا وفي الأردن، يتحوّلون إلى «متطرفين» عندما تطأ أقدامهم الأرض السورية، فينضمّون إلى «جيش الفتح» الإسم الجديد «لجبهة النصرة»، القاعدة سابقاً. في سوريا، بعد أفغانستان، يطبّقون خطة بن لادن 2!
لن أُفرد في هذا الفصل فقرة لشيوخ النفط الخليجيين، فأنا أصنّفهم في خانة وكلاء الإمبريالية الأميركية – الأوروبية في المنطقة، هذه الإمبريالية التي دبّرت «الثورات» والحروب في بعض البلاد العربية بقصد استعمارها من جديد.
خلاصة القول وقصاراه إنّ الحكومة السورية كانت قبل التدخّل الروسي في مأزق خانق، إذ كان مفروضاً عليها أن تتبع خطة دفاعية، والمحافظة على قواتها، حيث كان من المستحيل أن تبادر هذه الأخيرة إلى الهجوم، ما يعني الحرب في أنّ واحد ضدّ عدو أكثر عدداً وأفضل تسليحاً، يحظى من جهة، بدعم غير محدود من جانب التحالف الأميركي – الأوروبي ـ السعودي، ويستفيد من جهة ثانية من قاعدتين خلفيّتين قويتين تتمثّلان بتركيا في الشمال وباسرائيل في الجنوب!
يحقُّ لنا أن نقول أنه كان من المأمول ألا تصل الأمور إلى الفاجعة التي حلّت بنا جميعاً، وأنه كان من المنتظر أن تتمكن الحكومة السورية والأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها الجيش العربي السوري من تجنيبنا هذه المخاطر التي تتهدّد وجودنا. ولكن عندما نلاحظ أنّ جبهات الأعداء تضم تركيا وإسرائيل وآل سعود، بالإضافة إلى الإمبريالية الأميركية – الأوروبية، يتوجّب علينا كوطنيّين، كسوريّين وعروبيين تقدميّين، وكمناضلين ضدّ الإستعمار أن ننحني أمام شجاعة الذين صمدوا وقاتلوا ببسالة طيلة خمس سنوات، حتى افتضح جميع الأعداء! أعداء الداخل والخارج. ما يدعو للأسف أننا ما كنا لنتعلم هذا الدرس في الوطنية والسياسة، لولا هذه التجربة القاسية. أنا على يقين الآن من أننا إذا طبّقنا ما تعلمناه بذكاء وأمانة للدماء الطاهرة التي خضبت أرض سوريا، انتصرنا على أعدائنا.. وأي انتصار!
(للحديث بقية)
“الديار”، بيروت