سورية وفلسطين: وحدة الهدف والمصير
د. غازي حسين
أقام اتحاد الكتّاب العرب فرع دمشق ندوة بعنوان:
“سورية وفلسطين وحدة الهدف والمصير” شارك فيها الدكتور غازي حسين، عضو القيادة العامة لطلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة، وسفير فلسطين الأسبق لدى الحكومة النمساوية ولدى الأمم المتحدة في فيينا والدكتور تركي صقر سفير سورية الأسبق في طهران، ورئيس تحرير جريدة البعث الأسبق، ورئيس تحرير جريدة البلد الالكترونية.
وفيما يلي نص مداخلة الدكتور غازي حسين:
عُرِفَتْ فلسطين عبر التاريخ بالجزء الجنوبي من سورية، أي سورية الجنوبية إلى أن جاءت اتفاقية (سايكس- بيكو) عام1916، ووعد بلفور عام 1917، ومؤتمر الصلح في فرساي عام 1919، ونظام الانتداب البريطاني الذي أقرَّته عصبة الأمم عام 1922، وتقرر فصل فلسطين عن سورية الأم مقدمةً لإقامة “إسرائيل” فيها.
وكانت المؤتمرات السورية التي انعقدت في تلك الفترة وبالتحديد في عامي 1918 و1919 تصرّ على أنّ فلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية.
وأصدر المؤرّخ الفلسطيني الكبير عارف العارف مجلة أطلق عليها اسم “سورية الجنوبية”.
وكان القائد العربي الراحل حافظ الأسد يقول:”إنَّ الجولان وسط سورية، وإنَّ فلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية”.
بدأت محاولات دول أوروبا الاستعمارية لتفتيت سورية في تقرير كامبل عام ١٩٠٧ بإقامة “إسرائيل” في فلسطين لفصل البلدان العربية في آسيا عن البلدان العربية في أفريقيا ولمنع تحقيق الوحدة العربية.
قرر مؤتمر الحلفاء في سان ريمو وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وفلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني.
وقام الجنرال غورو بتقسيم سورية إلى ست دول على أسس طائفية.. ولكن شعبنا العربي السوري أحبط مساعي فرنسا التفتيتية بإيمانه بوحدة سورية وسيادتها واستقلالها وتلاحمها الوطني.
اهتم البعثيون بقضية فلسطين منذ ظهور حركة البعث في سورية في أربعينيات القرن الماضي، وتصدّت الحركة لوعد بلفور الاستعماري وغير الشرعي، والهجرة اليهودية، وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين العربية كأول حركة سياسية في الوطن العربي..واحتلت القضية الفلسطينية المكان الأول في نضال الحزب منذ تأسيسه في السابع من نيسان عام ١٩٤٧، وأعلن الحزب موقفه منها كقضية قومية، وأصرَّ على عروبتها وعلى الحقوق التاريخية للعرب فيها، وبيَّن الحزب المخاطر القادمة على الأمة جرَّاء إقامة الكيان الصهيوني فيها كقاعدة للإمبريالية الأمريكية، وكمركز للصهيونية العالمية..ورفض الحزب تقسيم فلسطين، ودعا الأمة إلى مواجهة الخطر الصهيوني والتواطؤ الإمبريالي والرجعي.
واعتبر أن الخطر الصهيوني خطر يهدد الأمة وتطلعاتها الوحدوية، وشخصيتها القومية، ووجودها الحضاري وثرواتها الطبيعية، وهو خطر سياسي واقتصادي وثقافي وقومي وديني، مما يعني أن الأمة بأسرها معنية ومطالبة بمواجهة هذا الخطر الذي يجسّده العدو الصهيوني.. وركز الحزب على الطابع القومي لنضاله، وعلى أهمية دور الجماهير في التصدي للإمبريالية والصهيونية والرجعية.. وخاض البعثيون معارك البطولة والفداء عام ١٩٤٨في فلسطين، تنفيذاً لقرار الحزب لإنقاذ عروبتها من براثن أخطر استعمار استيطاني عنصري وإرهابي.
وجاءت ثورة الثامن من آذار عام ١٩٦٣ في سورية ودعمت تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الفلسطينية والتي انطلقت في بداية عام ١٩٦٥ من العاصمة السورية دمشق.. ودعمت دمشق جميع حركات التحرر الوطني العربية والمقاومة اللبنانية، وأدى دعمها للمقاومة الوطنية في لبنان إلى انتصارها في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠ وتحرير جنوب لبنان، وانتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز ٢٠٠٦، ودحر الهولوكوست الإسرائيلي عن غزة في نهاية عام ٢٠٠٨ وبداية عام ٢٠٠٩، ووصول صواريخ المقاومة المصنّعة في سورية وإيران في الحرب السادسة على قطاع غزة في صيف ٢٠١٤ من غزة إلى تل أبيب، ونتانيا وحيفا.
جاء العدو الصهيوني في الخمسينيات من القرن العشرين ووضع خطة استراتيجية، ونشرت تحت عنوان “خنجر إسرائيل لتفتيت سورية ولبنان وبقية الدول العربية”.
وعادت إسرائيل ووضعت خطتها الاستراتيجية في الثمانينيات لتفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال اعتراف الجامعة العربية بها وتطبيع العلاقات معها، حيث تعمل الجامعة العربية من خلال مشروع الأميرفهد الذي وافقت عليه قمة فاس الثانية، ومن خلال مشروع سمو ولي العهد السعودي الأميرعبد الله (الملك السعودي الحالي) الذي وضعه الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان،ووافقت عليه القمة العربية في بيروت عام 2002، وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي على تصفية قضية فلسطين ويتضمَّن: إسقاط حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والتنازل عن فلسطين المحتلة عام1948، والصلح والاعتراف بإسرائيل، والهرولة في تطبيع العلاقات معها.. خطط يهود الإدارات الأمريكية بعد تفجيرات أيلول 2001 إلى التخلص من سبع دول خلال خمس سنوات وهي: (العراق وأفغانستان ثم سورية ولبنان وليبيا والسودان وإيران) ووضعوا مخططاً ورد فيه “اسقطوا النظام في العراق وأضعفوا سورية وإيران فيركع الفلسطينيون”.
يرى الداعمون للتدخل الخارجي في سورية وعلى رأسهم أمريكا والسعودية وقطر وإسرائيل أنَّ المرحلة ملائمة لتصفية قضية فلسطين، وإضعاف محور الممانعة والمقاومة من خلال التدخل العسكري في سورية على غرار مافعلت الجامعة العربية وحلف الناتو في ليبيا.. ووافقت أمريكا وبريطانيا وفرنسا على مشروع قرار يتيح التدخل العسكري في سورية، إلا أن الفيتو المزدوج الروسي والصيني بتاريخ 19تموز2012 أحبط المؤامرة داخل مجلس الأمن.
وأعلنت إدارة أوباما بعد فشلها في مجلس الأمن بأنها ستعمل مع حلفائها خارج نطاق مجلس الأمن، مما دفع بروسيا إلى تحذير أمريكا من عواقب التدخل العسكري في سورية.. وربط الرئيس الروسي بين الحل السياسي في سورية والنظام العالمي الجديد، وأكد عدم جواز استخدام القوة، والالتفاف على ميثاق الأمم المتحدة، ووجوب احترام مبادئ القانون الدولي.
واحتضنت دمشق حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية مما أدَّى إلى إعلان الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية الحرب المستمرة على الدولة السورية والوطن السوري والجيش العربي السوري والقيادة الحكيمة فيها.
ورفض الرئيس بشار الأسد تلبية مطالب الرئيس بوش الأب والابن بإخراج قادة فصائل المقاومة الفلسطينية من سورية، وزوّد المقاومة الإسلامية في لبنان بالصواريخ السورية التي لعبت دوراً أساسياً في انتصار حزب الله على العدو الصهيوني.
وأكد سيادته بأنّ الانتصار الأكبر الذي حققته المقاومات العربية خلال سنوات وعقود هو انتصار فكري بالدرجة الأولى، وقال: إننا بحاجة اليوم لهذا الفكر (المقاوم) ولهذا الصمود وللأعمال التي يقوم بها المقاومون في هذه المرحلة أكثر من أية مرحلة أخرى.
إنَّ سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي انطلقت منها المقاومة الفلسطينية المعاصرة، وتدعم الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا العربي الفلسطيني وعلى رأسها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، حيث أكد السيد الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب أنَّ حق العودة ملك للاجئ نفسه وليس لنا كحكومات.. وسورية هي الدولة العربية الوحيدة المتمسكة بخيار المقاومة لتحرير القدس وبقية الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة.
وكانت صواريخ المقاومة الفلسطينية التي انطلقت من قطاع غزة، ووصلت إلى بئر السبع وعسقلان وتل أبيب صناعة سورية وإيرانية.
وينظر الفلسطينيون في كل مكان باحترام وتقدير كبيرين لما وفّرته سورية للفلسطينيين فيها من فرص العمل والعيش الكريم والمساواة بالمواطنين السوريين بخلاف وضع الفلسطينيين في بعض الدول العربية، حيث تمارس التفرقة والتمييز العنصري والاضطهاد وعدم المساواة تجاههم وبشكل خاص في لبنان ومصر والأردن.
إن الوضع الفلسطيني بحاجة إلى مراجعة نقدية شاملة لكل السياسات والممارسات التي انتهجتها قيادة منظمة التحرير والسلطتان في رام الله وغزة خلال المرحلة الماضية لتحقيق وحدة وطنية حقيقية على أساس التمسك بخيار المقاومة وبالحقوق الوطنية الفلسطينية، والعمل لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها على أسس ديمقراطية، وعلى قاعدة الميثاق الوطني واستنهاض الحالة الفلسطينية وتسليح الضفة وإشعال الانتفاضة الثالثة حتى تحرير كل فلسطين التاريخية.
واليوم تكتب فلسطين بدماء شعبها وأمتها أعظم ملاحم البطولة والفداء في تاريخ الشعوب والأمم، ملحمة بطولية في الشهادة والاستشهاد، والتمسك بترابها المقدس ودفاعاً عن مدينة الإسراء والمعراج، والمسجد الأقصى المبارك.
وتأتي بواكير الانتفاضة الثالثة التي يشعلها شباب القدس، بأجسادهم الطاهرة ودمائهم الزكية في سياق النضال البطولي لشعبنا العربي الفلسطيني.
فالقدس تعيش في هذه الأيام حالة من الغليان والمواجهات اليومية منذ اختطاف الفتى المقدسي محمود أبو خضير وحرقه حيَّاًّ وأولاده الثلاثة على يد أحد الحاخامات، ونار الغضب المقدسي تشتعل ولن تهدأ ويجب ألا تهدأ.. ولجأ الشباب المقدسي المجرّد من السلاح بفعل العدو والشقيق إلى ابتكار أساليب جديدة في المقاومة والاستشهاد واستشهد فيها الشهداء: معتز حجازي ويوسف الرموني وابراهيم عكاري وعبد الشلودي.
لقد أخطأت حماس بتدخّلها في الشأنين الداخليين في سورية ومصر.. وأثبتت بموقفها هذا التزامها بالتنظيم الدولي للإخوان وحركات الإخوان المسلمين عندما كانت حركة مقاومة مسلحة حازت على الدعم والتأييد الكاملين من شعبنا الفلسطيني، ومن منظمات المقاومة، ومن القيادة السورية والشعب السوري.. ولكن اختلف الوضع عندما تحوّلت إلى حركة الإخوان المسلمين وغيرت تحالفاتها وتقيم أفضل العلاقات مع أمير قطر وأردوغان.
إن الحرب التي تخوضها سورية في مواجهة المؤامرة الخارجية التي تلعب فيها الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل أدواراً أساسية خطيرة على مستقبل الوطن العربي وبشكل خاص على سورية وقضية فلسطين وحركات المقاومة خطيرة على مصير سورية وفلسطين وبقية الوطن العربي والمنطقة والعالم بأسره.
فالحرب الجارية فيها مع المجموعات المسلحة التي جاءت من أكثر من ٨٣ بلداً، وبدعم من آل سعود وأردوغان وجماعة الإخوان المسلمين تهدف إلى تغيير موقع سورية، وكسر إرادتها، وتمرير المشروع الصهيو- أمريكي لتصفية قضية فلسطين وحركات المقاومة المسلحة، وإضعاف إيران، وتولي آل سعود قيادة المنطقة للمحافظة على عرشهم وعلى المصالح الأمريكية والصهيونية.
فالتهديد الإسرائيلي والتكفيري تهديدان وجوديان لسورية وفلسطين وحركات المقاومة والتحرر الوطني في المنطقة.
إن الإرهاب وتمويل وتدريب وإرسال المجموعات الإرهابية والتكفيرية إلى سورية هو جوهر الاستراتيجيتين الأمريكية والصهيونية وعملائهما في المنطقة لتغيير وكسر إرادات الدول الوطنية وتنصيب كرزايات فيها على غرار ما فعلوا في أفغانستان والعراق بعد الاحتلال مباشرة وفي ليبيا.
إن التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق والصومال واليمن وليبيا تسبب بانتشار ظاهرة الإرهاب في المنطقة، ودخلت إسرائيل على خط التدخل العسكري في سورية بالتعاون مع المخابرات السعودية، وتقديم الدعم والمساعدات العسكرية والطبية للمسلحين في المنطقة الجنوبية.. ودعا أبو مفاعل ديمونا النووي وسفاح قانا شمعون بيريس المجتمع الدولي إلى تدخل عسكري فوري في سورية على غرار ما حدث في ليبيا.
لقد استطاع أعداء الأمة استثمار الدين لمصالحهم وإثارة النعرات والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت الدول العربية، والقضاء على منجزاتها ونهب ثرواتها.
إن جوهر التدخل الخارجي على سورية هو استهدافها كجزء أساسي من محور الممانعة والمقاومة لتغيير توجهاتها، ومحاولة جلب سادات سوري يعقد اتفاق إذعان مع العدو الصهيوني على غرار اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة.
لذلك ليس من المستغرب أن تقود الولايات المتحدة الحرب الكونية على سورية الدولة والشعب والجيش والقيادة بدعم من أمراء وملوك الخليج.
لقد كشفت المؤامرة الخارجية والحرب الكونية عن عمق العلاقات بين السعودية وإسرائيل في المجالات السياسية والأمنية والمصالح المشتركة في الحرب الدائرة في سورية، وفي دعم الإرهاب التكفيري، ومحاربة حركات المقاومة، واستبدال العدو الصهيوني بعدو مزعوم هو إيران الصديقة والداعم الحقيقي للفلسطينيين وللعرب في مواجهة المشروع الصهيو- أمريكي في المنطقة.
وتعمل مملكة آل سعود مع أوباما وكيري لتمرير الحلّ الصهيوني لقضية فلسطين.. واعترف وزير خارجية مصر الأسبق أبو الغيط أن الولايات المتحدة قالت له في زيارته لواشنطن عام ٢٠٠٥: إنّ النظام في سورية يجب أن يسقط، وإنّ على مصر إرسال قواتها إلى العراق وأفغانستان، وإلا واجهت عواقب وخيمة.
فشلت الإدارات الأمريكية في الهيمنة على العالم من خلال النظام العالمي الجديد.. وبالتالي سقطت استراتيجية هيمنة القطب الواحد، وأنتجت الحرب الكونية على سورية “نظام عالمي متعدد الأقطاب بولادة مجموعة بريكس بقيادة روسيا والصين”.
إنَّ التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق والصومال واليمن وليبيا وسورية ولّد انتشار ظاهرة الإرهاب في العالم والإرهاب الصهيوني الذي يفتك بفلسطين هو نفس الإرهاب التكفيري الذي يفتك بسورية بقيادة الإمبريالية والصهيونية الرجعية العربية.
إنَّ النزعة التكفيرية والتطرّف دخيلة على الثقافة العربية الإسلامية الصحيحة والأصيلة، بوصفها رسالة حضارية للإنسانية جمعاء. ولكن استطاع أعداء الأمة استثمار الدين لمصالحهم وإثارة النعرات الطائفية والعرقية لضرب الإسلام الصحيح، وتشويه صورته، وتفتيت الدول العربية.
إنَّ الجهاد هو لتحرير القدس وفلسطين والأراضي السورية واللبنانية المحتلة وليس لقتل العرب من مسلمين ومسيحيين في سورية والعراق وغيرهما، وإنَّ مواجهة النزعات التكفيرية والتطرّف، واجب على التيارات الوطنية والقومية واليسارية والإسلام المقاوم.. إنّ النخب الفكرية والسياسية والثقافية مدعوّة لإعادة بناء الوعي الشعبي في مواجهة الإرهاب والتكفير والتطرّف، الذي يستهدف ضياع فلسطين، وتمزيق الأمة، وتفتيت البلدان العربية والإسلامية، وإعادة تركيبها لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.