مقالة عن عبد الستار قاسم كتبتها سنة 2005 – نضال حمد
تم إحراق سيارة المحاضر الفلسطيني في جامعة النجاح الوطنية في نابلس (الدكتور عبد الستار قاسم). وصلتني معلومة عن الحادثة المدانة والمستنكرة من زميل في بيت لحم يعمل في الإعلام الفلسطيني. وكان الزميل المذكور سأل الدكتور قاسم عن الذين يقفون وراء الاعتداء على سيارته وإحراقها مع سبق الإصرار، فكان جوابه ان الذين أطلقوا النار عليه عندما وقّع على بيان العشرين قبل عدة سنوات هم أنفسهم الذين أحرقوا سيارته.
يعتبر البروفيسور قاسم أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية هي التي تقف وراء الاعتداء على سيارته خاصة أنها كانت هددته قبل فترة. ومن الواضح أن الاعتداء عليه جاء بعد البيان الصحافي الذي صدر عنه، وكشف فيه عن وجود أعداد من المعتقلين الفلسطينيين لدى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية وأن تلك الأعداد في ازدياد مستمر، كما كان بيّن في بيانه بالتفصيل الممارسات القمعية التي ارتكبتها تلك الأجهزة بحق المعتقلين الفلسطينيين لديها.
يقول البروفيسور قاسم أن الهدف من وراء الاعتداءات هو “تخريبنا من الداخل”. شخصيا أتفق مع هذا الكلام، لأن مدرسة الخراب في الساحة الفلسطينية تواصل مشوارها غير آبهة بشعب فلسطين وبمفكريه ومبدعيه ومناضليه… وهذه المدرسة تواصل استئصال الأهداف الوطنية واختزالها في تجاربها السلمية، فتستبدل من تريد وترفع من تريد، وتأتي بالأسوأ مكان السيئ. تُبدل وتَستبدل الوجوه تماشياً مع مرحلة الرئيس الجديد.
المدرسة نفسها كانت ساهمت في تغييب صانعها ومؤسسها أبو عمار. كما أنها لم تعد تلتزم بقراراته، وقامت بإلغائها كلها، كما قامت بوقف المساعدات عن عائلات وأسر الشهداء والجرحى والأسرى… تلك المدرسة لن تخدم فلسطين، لأنها مدرسة الأجهزة المعدة لغير خدمة فلسطين. هي مدرسة معروفة بفسادها وسجلها المليء بالنقاط السوداء.
إن تلك الثورة (ثورتنا) التي صارت بقدرة أمريكا وبموافقة (إسرائيل) سلطة -ولا أقول سلطتنا- بعدما عملت على قبر وتغييب منظمتنا، كانت ثورة في عصر القرود وصارت سلطة في عصر الجمود؛ سلطة تريدنا أن نوافق معها على القبول بمصير يريدونه مثل مصير الهنود الحُمر في أمريكا ومثل الأبورجينيز السكان الأصليين في أستراليا. وفي أحسن أحواله مثل مصير مستعمرات الدول الاستعمارية في المحيط. لكن وبما أن شعب فلسطين تمرس في النضال والتجارب الثورية والكفاح الصعب على مر ستين سنة من عمر ولادة كيان الاغتصاب والاستيطان في بلادنا المنكوبة فلسطين؛ فإنه لا يمكن أن يكون لقمة سائغة للاحتلال أو بضاعة للتفاوض يتفاوض بها وعليها أساطين السلطة في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. ومهمة الشرفاء في هذا الشعب أن يقفوا على خط التماس ويشهروا سلاحهم الجماهيري الفعال بوجه الذين يحرقون الوطن ويذبحون القضية.
حادثة حرق سيارة لمعارض فلسطيني في نابلس ليس عملا بريئا بل من الأعمال التي لها دلالات ومعانٍ تؤكد بدورها أن هناك من يريد فعلا كم أفواه الشرفاء وكسر إرادتهم وصمودهم وتغيير مواقفهم وتبديلها بالإرهاب وبقوة السلطة المحمية حسب قيامها بواجباتها السلمية من رأس الإرهاب العالمي، والمدعومة من كل من لا يريد الخير لشعبنا. لكن على هؤلاء أن يتذكروا دوما أن هذا الشعب الفلسطيني الذي لا يخشى المجابهات مع الأعداء ولا ينكسر بسبب الجوع والحصار والعدوان سوف لن يرحمهم، وسوف يكون محاسبهم وقت تحين ساعة الحساب.
علينا أن ندافع عن حقنا كأبناء لهذا الشعب في حقنا بالدفاع عن قضيتنا الوطنية وصيانتها والتمسك بثوابتها الوطنية وإدانة واستنكار أعمال الذين يحاولون طمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، واختزال القضية بمبادرة جنيف وخارطة الطريق ومشتقات أوسلو السيئة. وعلينا لجم الأصوات القليلة التي تخرج لتدافع عن مصالحها ومنافعها وتهاجم كل من يكشف عورة أوسلو، ومن تلك الأصوات بالذات بعضها الذي يتبجح بوجوده في الوطن، ويعيّر الآخرين بوجودهم في الشتات أو في دول أوروبا، وكأن اللاجئين الفلسطينيين هم من اختار اللجوء والشتات والهجرة وليس الاحتلال الصهيوني الذي تسبب في كل ذلك.
نقول لهؤلاء أن النضال الفلسطيني الطويل لا يمكن أن يختزل بالموجودين في فلسطين وعلى أرضها المباركة. تلك الأصوات يجب أن تخجل من كلامها المشكك لأنها مثل الذين يحرقون سيارات المعارضين، ومثل الذين يطلقون الرصاص عليهم. كما على هؤلاء الناس أن يتذكروا دور المخيمات الفلسطينية في الشتات وما قدمته من تضحيات هائلة للقضية، فهناك آلاف مؤلفة من الشهداء والجرحى والمهجرين والملاحقين والمعتقلين هنا وهناك، وهنالك عشرات المخيمات التي دمرت عدة مرات وهي تدافع عن القرار الفلسطيني المستقل، وعن الثوابت الوطنية الفلسطينية، وأولها حق الكفاح المسلح وحق العودة…
هذه المخيمات ضحت كثيرا في سبيل القضية الوطنية ولولا تلك التضحيات مع تضحيات أهلنا داخل الوطن لما عاد عباس وقبله عرفات ومن معهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية. هذا بالرغم من سوداوية مسرحية أوسلو وأخواتها والعودة الهزيلة وإشارات نصرها المصطنعة، وما نتج عن تلك العودة من هزائم وانتكاسات ونكبات كان شعبنا بغنى عنها، وكان البروفسور المناضل عبد الستار قاسم كشف عوراتها في مناسبات عديدة.
28-4-2005
نضال حمد