سُلطة فلسطينية، طبخة مقلوبة – نضال حمد
لا يخلو الاعلام اليومي من خبر سريع أو قصير عن لقاء أو تنسيق امني فلسطيني اسرائيلي، تحدث مثل تلك اللقاءات في ظل احتلال وقمع ودمار وعمليات توغل واغتيال وتصفيات لم تتوقف منذ اندلاع ثورة الانتفاضة الحالية. وآخر تلك اللقاءات التي عرفت او كشفت النقاب عنها وسائل الاعلام الاسرائيلية ،كان ايام الجمعة والسبت و الأحد من الشهر الحالي، وضم الوفد الفلسطيني رجال اعمال بالاضافة لخمسة من قياديي الأذرع الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة، وبحسب موقع الصنارة نت فأنهم اجتمعوا مع الطرف الإسرائيلي في فندق كارلتون في مدينة نهاريا حيث أقام الوفد الفلسطيني المفاوض. و يقال ان الاجتماع المذكور عقد لبحث الترتيبات الأمنية بعد الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة. كما ان الجانب الإسرائيلي هو الذي فضل ان يكون اللقاء سرياً، لكي لا يكون هناك أي إحراج لشارون، خاصة ان الأخير يرفض أي لقاء مع السلطة الفلسطينية. وقيل ايضا ان الوفد الامني الفلسطيني سيقدم تقريره المفصل عن الاجتماع مباشرة وشخصياً للرئيس عرفات في رام الله.
هل هذه اللقاءات جديدة ؟
لا يمكن القول ان اللقاءات التنسيقية بين السلطة الفلسطينية و الاحتلال جديدة، فهي بعكس ذلك تماما ، حيث أنها كانت واستمرت طوال فترة الانتفاضة الحالية، كما انها لم تنقطع سوى لفترات بسيطة وقصيرة، وذلك كنوع من تحسين ظروف التفاوض الداخلية للطرفين. وتعتبر اللقاءات الأمنية بين الجانبين من الثوابت التي تحكم علاقتهما، وهي لم تأت بالخير على الشعب الفلسطيني، لكنها وفي كثير من الاحيان اثمرت إسرائيلياً عبر تمكن الاحتلال من الوصول الى رؤوس نشطاء وقيادات وكوادر الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية. فخلال سنوات السلطة الفلسطينية في الحكم الذاتي المحدود مارست أجهزة الأمن الفلسطينية ادوارا مشبوهة أدت الى اعتقال وتسليم واغتيال وتصفية وملاحقة أعضاء وكوادر وقيادات فلسطينية معارضة أو نظيفة.
كما تعتبر هذه الأجهزة التي أشرفت على تدريبها وساهمت في تأسيسها أجهزة أمن ومخابرات غربية وعربية غير نظيفة أو موالية للأعداء ، من الأجهزة التي أساءت للوحدة الوطنية الفلسطينية وللنسيج الفلسطيني النظيف والنقي، إذ أنها أنجبت حالات حاقدة و مهزومة وفاسدة ومرتبطة لا تليق بالنضال الوطني الفلسطيني، ولا ترتقي لمصافي الحالة الفلسطينية المتألقة في نضالها المقدس، هذه الحالة التي أنجبت مقاتلين وكوادر وقادة انقياء و أوفياء ، نظيفي الجيب والكف والروح والانتماء.
لم يكن الوقائي جهاز مقاومة بل جهاز قمع ، لذا سقط فورا ..
لقد ظهر عجز وارتهان أجهزة امن السلطة الفلسطينية في حملة السور الواقي ، حيث قام العقيد جبريل الرجوب ( حاليا “عميد”و مستشار الأمن القومي الفلسطيني في السلطة الفلسطينية)بتسليم مقر الأمن الوقائي في بيتونيا للقوات الإسرائيلية الغازية بدون مقاومة، وعزا ذلك لحماية المدنيين واقر بأنه لم يقم بذلك لوحده.هذا مع العلم ان المقر كان كالقلعة الحصينة، فيه من الأسلحة والعتاد والعدد ما يكفي لمقاومة ترفع الرأس وتليق بشعب فلسطين، فمخيم جنين الذي كان يفتقد للعدد والعدة والسلاح والتحصينات صمد وحصد من الاحتلال العشرات، بينما مقر الوقائي سلم بعد رفع الرايات البيضاء.
الوقائي الذي أنشئ لمحاربة المعارضة الفلسطينية والرافضين لسلام اوسلو ، والذي كانت قيادته مشبوهة الارتباطات، رامبوية المظهر والحركات، واستعراضية التحركات ونجومية الأمسيات، سقط جهاز الأمن الوقائي في اول امتحان حقيقي، وسقطت معه أسطورة عقدائه من الذين عقدوا العزم على معاداة شعبهم ومحاباة أعداؤه.
هؤلاء القادة الوقائيين المنتقين أمريكاً وصهيونياً كانوا يخدمون الاحتلال ويجبون الضرائب و “الخاوة” و “التشبيح” و “التشليح” من الناس والتجار والشاحنات التي تعبر المعابر والحواجز، هؤلاء صاروا بقدرة قادر أصحاب ملايين وفنادق وبيوت وأراضي وأملاك وشركات وبنوك، هؤلاء لصوص مع سبق الإصرار…
تجار وطن مع سبق الإصرار
بمحاذاة اللصوص والتجار والمنتفعين من الأذرع الأمنية هناك اللصوص والتجار والمقاولون من أعضاء مجلس الوزراء والمجلس التشريعي الفلسطيني، هؤلاء لا يخفى على احد من هم، إنهم تجار الاسمنت والالكترونيات، تجار الوطن والتضحيات، شركاء الاحتلال في تعزيز معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة. اجتمع مؤخرا مجلس تشريعهم لدراسة تجارتهم الإسمنتية مع الاحتلال وخدماتهم الكبيرة في بناء جدار الفصل العازل. فماذا حصل تمت لفلفة التجارة و لملمة الموضوع وإقفال باب المجلس عليها دون العودة إليها. يعني حاميها حراميها…
هل من مبرر لوجود المجلس التشريعي ما دام يشرع السرقة والتجارة مع الأعداء وتزويد الجدار العازل بالاسمنت المصري وغيره. هل من فائدة من وجود مجلس تشريعي لا هم له سوى الكسب الشخصي والفائدة المادية؟
هذا مجلس مهزوم ومثقوب ومنخور مثل المنخل، لذا لا فائدة منه ولا من وجوده فوجوده غير ذات فائدة بل انه سيئ أكثر من عدم وجوده، لذا يجب ان يرحل. فلا حاجة لشعب فلسطين بمجلس تشريعي يسيء اكثر مما يفيد، ولا بمجلس وزراء يضم تجار الاسمنت والالكترونيات والوطن والأرض والتضحيات. لا خير في المجلسين ولا فائدة من أهل اوسلو الفلسطينيين فقد أساءوا لفلسطين وللنضال الوطني الفلسطيني الذي كان والذي تطور ولازال يتطور.
على أهل اوسلو من الفلسطينيين الرحيل، فقد انتهت مرحلتهم ، وانتهى زمانهم الذي كان زمان شطب كل الإنجازات الوطنية الفلسطينية على مر النضال الوطني الفلسطيني، منذ ما قبل وعد بلفور وحتى وعد بوش الأخير. وعلى شعب فلسطين الدعوة لانتخابات فلسطينية سريعة تأتي بقيادة فلسطينية تستطيع مواجهة العدوان والمؤامرة وتحقيق الوحدة الوطنية، وتمتين الجبهة الوطنية العريضة، مع إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها بشكل ديمقراطي يخدم الجماعة لا الفرد ولا الحزب او الحركة الواحدة. فإعادة بناء م ت ف كجبهة وطنية عريضة متحدة تقود الانتفاضة والمقاومة وتتسع لكل الفصائل الوطنية والإسلامية، يجب ان يكزون شعار المرحلة الفلسطينية القادمة، مرحلة ما بعد زمن أهل اوسلو والسلطة المقلوبة. فقد احترقت طبخة السلطة المقلوبة رأسا على عقب، وأصبح واجبا على الشعب الفلسطيني تأمين حياته وحريته بأساليب جديدة وبقيادة جديرة. فالقيادة التي لا تحترم شعبها ولا تقدر تضحياته وتتجاهله لا تستحق البقاء في مقعد القيادة. والذين يقرون بيهودية كيان الاحتلال لا يستحقون الحماية من شعب يرزح تحت نير الاحتلال.