شعبنا أعظم من قيادته… – رشاد أبوشاور
أمر عجيب جدا، ولا نتائج عملية له، إجماع (القيادات) الفلسطينية على أن الشعب الفلسطيني أعظم من قيادته، و..أيضا: تشبث هذه القيادات على البقاء في مواقع القيادة التي يقرون ضمنا بأنهم غير جديرين بها، لأن الشعب الذي يقودونه (أعظم) منهم.
هم لا يعترفون بلغز بقائهم في أخطر مواقع قيادة شعب فلسطين التي تقرر المصير بدون حرج، ولا مرجعية، ولا محاسبة،ولا مراجعة لمسيرة غير مظفرّة، بل وكارثية منذ أوسلو!
لم تكن تلكم القيادات تحيل المستمعين إلى مرحلة ما قبل النكبة، اي إبّان قيادة الحاج أمين الحسيني، الذي تكرسّت قيادته لعرب فلسطين بعد رحيل القائد الكبير موسى كاظم باشا الحسيني، وهو والد البطل عبد القادر الحسيني قائد قوات الجهاد المقدس، شهيد معركة القسطل يوم 8 نيسان 1948 .
ولست أظن أن من كانوا يرددون ذلك التعبير بفخر ومباهاة: الشعب الفلسطيني أعظم من قيادته، قصدوا مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، وواضع ميثاقها، وباني جيش التحرير الفلسطيني، ومركز الأبحاث الفلسطيني، الأستاذ أحمد الشقيري الذي قدّم استقالته للشعب الفلسطيني بعد هزيمة 5حزيران، وبعد ضغوط تعرّض لها، ناهيك عن حاجة مصر الناصرية للعمل الفدائي ليشاغل الاحتلال في الضفّة الفلسطينية، والقطاع الفلسطيني، وعبر الحدود العربية، بعد احتلال (كل) فلسطين، وسيناء، والجولان، عقب الهزيمة الكارثية التي أضافت نكبة جديدة لنكبة العرب في فلسطين عام 1948…
رحلت القيادات التاريخية المؤسسة، ولم يبق منها سوى عدد قليل، وهم باتوا في آخر العمر، ومنهم من انزوى، ربما حتى يتنصل بغيابه وتواريه عن دوره في ما آل إليه وضع القضية الفلسطينية بفضل مسيرة اوسلو.
من المصطلحات التي يكررها (قادة) أخذوا مواقعهم سدّا للفراغ، وبالمصادفة، فهم ليسوا مؤسسين، وهم غالبا بدأوا مسيرتهم (النضالية) في اتحاد الطلبة، في الجامعات العربية، إبّان مرحلة الصعود ما قبل الخروج من بيروت، وأغلب هؤلاء قفزوا من العمل في اتحاد طلبة فلسطين إلى (سفراء)، ومن السفارات إلى وزراء ومحافظين، وأعضاء مجلس تشريعي، في حقبة أوسلو…
القيادات المؤسسة في فصائل الثورة الفلسطينية شاخت وهي قائدة، وبعضهم غيبهم الموت شهداء، وهم وفصائلهم لم يُعنوا بالبناء التنظيمي، وإعداد القيادات لترتقي في مواقعها بجهد، وخوض تجارب، وبوعي، وثقافة، ومراكمة خبرات، وهؤلاء هم من يقودون في الفصائل، مع استثناءات نادرة تميّز قلّة قليلة منهم.
الاعتراف بأن شعب فلسطين أعظم من قيادته، لا يعدو أن يكون (رشوة)، يظن أصحابها أنها تدغدغ نفوس الفلسطينيين، وترتد عليهم استحسانا ومباركة تضمن ديمومة (قيادتهم)، وكأنهم (أفضل) الموجود!
منذ سنوات ما بعد الخروج من بيروت، وانتقال القيادة الفلسطينية إلى تونس، ولأسباب كثيرة لم تعد الفصائل جاذبة للأجيال الفلسطينية الشابة، وأدارت الظهر لكل الكفاءات الفلسطينية في الوطن والشتات، وأمسكت بكل شيء، والقادة الحاليون يعتبرون أنهم ورثاء و (خلفاء) تنظيميا، وإذا كانوا يتنافسون فيما بينهم، فإنهم معنيون بإغلاق الأبواب في وجوه الطاقات والقدرات والكفاءات الفلسطينية، بل ينفرون منها، ويرون في بروزها تهديدا لاستفرادهم، وهذا ما تجلّى في معركة (سيف القدس)!
هناك تنافس (قيادي) آخر، وهو التنافس بين قيادة رام الله، وقيادة غزّة، مع ملاحظة أن قيادة غزة الحمساوية مُقلّة في امتداح عظمة الشعب الفلسطيني المتميّز عن قيادته، فهي ترى نفسها عظمة على عظمة!
شعبنا أعظم من قياداته عطاءً، ووعيا، وخبرات متراكمة، ومعرفة بأعدائه، وقدرة على التمييز بين الأعداء والأصدقاء، وهو غير مضطّر لمجاملة قوى معادية على حساب قضيته، وتضحياته، وشهدائه، وحاضره ومستقبله.
الفرق كبير بين شعبنا وبين (قيادات) تبوّأت مواقعها بالمصادفة، وبسبب الفراغ وبألاعيب (طُلاّب) اعتادوا على ألاعيب مراحل دراستهم، ولم يكفوا عن متابعتها، ولم تصقلهم التجارب، ولا خضعوا للمحاسبة الصارمة تنظيميا، ولمنظومة قيم تحدد صفات القائد، ولا ارتقوا في مراتب صعودهم التنظيمي لجدارتهم وتميّزهم.
الخلل في البناء التنظيمي لفصائل الثورة الفلسطينية أوصل (نوعيات) غير جديرة بالقيادة، مع استثناءات نادرة…
هناك أمر يجب ان لا يغيب، وهو (خروج) ألوف (الكوادر) من الفصائل، وهذا ما أراح القيادات المؤسسة من نقدهم الدائم، ومنح فرصا لبروز (قادة) صاعدين موالين يوافقون على كل شيء، وإن انتقدوا فسرّا وغمغمة، فهم يحسبون الأمور من زاوية ارتقائهم وديمومة مكاسبهم.
هنا أتوقف وأسال: إذا كنتم تُقرّون بأن الشعب الفلسطيني أعظم من قيادته -يعني منكم- فلماذا أنتم قادة، وما مبرراتكم لمواصلة قيادة هذا الشعب العظيم؟
ويا أيها الشعب الفلسطيني العظيم المقاوم: إلى متى يقودك من هم غير جديرين بقيادتك، وهم يقرّون بهذا، غالبا وهم يضحكون برضى عن هذه العلاقة، في وقت تخسر فيه قضيتنا، ويشتد التآمر على شعبنا الذي تزداد أوضاعه سوءا؟!!.