شفيق الحوت: من عرفه لا ينساه..ومن يقرأ كتاباته سيفتقده
رشاد أبوشاور
نعم: من عرف الأستاذ شفيق الحوت عن قرب، ومن تابع حضوره الصحفي، وقرأ كتاباته الجادة..والساخرة على صفحات مجلة الحوادث وجريدة المحرر، ومن استمع له خطيبا استثنائيا مثقفا منتميا عربيا لفلسطين، ومن جالسه وأصغى له محدثا بارعا أخّاذ الحضور، لا يمّل كلامه الغني فكرا وثقافة ومعرفة..لا يمكن أن ينساه، ولذا لا أنساه، وهو من الذين لا يمكن نسيانهم أبدا، لروحه الرحمة والسلام.
أحد أبرز مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية – الأجيال الطالعة تجهل المؤسسين، وجهودهم، وكفاءاتهم- منذ مؤتمرها الأول في القدس بتاريخ 28 مايو 1964، وعضو اللجنة التنفيذية مرتين..والذي استقال من عضوية اللجنة التنفيذية رفضا لاتفاقيات أوسلو، وواصل الكتابة محذرا من سوء المآل..لأن العدو الصهيوني لا يريد السلام، وهو يعمل على كسب الوقت، وتفكيك منظمة التحرير، وزرع الخلافات والإنشقاق في صفوف الشعب العربي الفلسطيني، وأقلمة القضية الفلسطينية بعزلها عن بعدها وعمقها العربي الذي صانها دائما، وقدم أغلى التضحيات من أجلها، رغم مؤامرت القوى الرجعية العربية التابعة.
تعود أصول عائلة الحوت إلى لبنان، ولكن والده عاش في يافا، وعند وقوع النكبة، وبعد الهجرة القسرية إلى لبنان، رفض والده حمل الجنسية اللبنانية حفاظا على حقه في فلسطين، وفي المدينة التي أحبها، والتي ضحّى من أجلها بابنه جمال شهيدا وهو في مطلع فتوته: يافا عروس المتوسط…
تعرض الأستاذ شفيق الحوت لعدة محاولات اغتيال بسبب انتمائه القومي – فقد كان ناصريا – ولكنه لم يتراجع عن ما آمن به، وما رأى فيه خلاص الأمة،أي وحدتها، وطريقا لتحرير فلسطين واستعادتها قلبا وجسرا لوحدة مشرق الوطن العربي ومغربه…
أسس شفيق الحوت مع عدد من المثقفين الفلسطينيين منظمة جبهة التحرير الفلسطينية – طريق العودة، ومن الذين شاركوه في التأسيس الكاتبة الكبيرة سميرة عزام، والدكتور المفكر أحمد صدقي الدجاني، ولقد أسهم مؤسسو تلك الجبهة في تاسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وشاركوا في كل مؤسساتها، وبناء اتحاداتها الشعبية.
بعد 11 عاما على رحيل القائد الصحفي المناضل الكبير لنعد إلى كتاباته التي أعقبت أوسلو..لنرى بعد نظره في التشخيص، والتحذير، بعمق، منبها إلى خطورة الركون إلى وعود أميركا، وخبث نوايا قادة الكيان الصهيوني، ودور أطراف عربية حاكمة في دفع القيادة الفلسطينية على طريق إنهاء الصراع العربي مع عدو لا يمكن الركون إلى نواياه..وبهدف يجمع هذه الأطراف هو( التخلّص) من القضية الفلسطينية التي أرّقت حكاما ودولا تابعة أمريكيا، غير معنية بالصراع مع الكيان الصهيوني من منظور قومي عربي..والتي شهد دورها دائما على تواطؤها على القضية الفلسطينية.
لعل كتاب الأستاذ شفيق الحوت الأهم هو ( بين الوطن والمنفى: من يافا بدأ المشوار) والذي صدر عن منشورات رياض الريّس، وبين دفتيه يقرأ أي معني بالتعرف على فصول النكبة، وبدايات النضال الفلسطيني ..حتى تاسيس منظمة التحرير الفلسطيني بقيادة الأستاذ أحمد الشقيري، وما حاق بالتاسيس من عوائق، وما تبع ذلك من تواطؤ…الخ.
الكتاب ممتع، غني بالمعلومات والتفاصيل، وفيه نتعرف على شخصية فلسطينية – عربية مهمة مدهشة مثقفة نفتقدها هي وأمثالها ممن رحلوا، سيما في هذه الفترة من التيه، وشراسة التآمر بهدف تصفية قضيتنا الفلسطينية العربية ..ولذا أدعو لقراءته والتعلّم منه.
كرّمني الستاذ الكبير شفيق الحوت، الصديق، بكلمة كتبها على الصفحة الأولى من الكتاب، انقلها للقرّاء ، لنها شهادة أعتز بها ما حييت: مناضل صلب وفنان مبدع ، هو صديقي الذي أعتز بصداقته: إنه رشاد أبوشاور..مع كل المودة والحب.
لروح ( أبي هادر) شفيق الحوت السلام..ومنا الوفاء، نحن السائرين على طريق فلسطين، المؤمنين بأن الصراع مع عدونا الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود.
2 آب2020