شهداء الصحافة بين نارين
نضال حمد
تستعد مدينة الخليل الفلسطينية المحتلة لاستقبال جثمان أبنها الشهيد الصحافي الشجاع والجريء، مازن دعنا، الذي أستشهد نتيجة أصابته بصاروخ دبابة أمريكية خلال عمله في العراق ،وذلك يوم أول أمس الأحد عندما كان يقوم بتصوير سجن أبو غريب غرب بغداد حيث حدثت انفجارات في السجن المذكور أدت لمصرع وجرح عشرات السجناء.
يعتبر مازن دعنا من المصورين الصحافيين المميزين ونال عدة جوائز وأوسمة دولية ومحلية نتيجة عمله وعطاءه الذي لا ينضب.
اعترف الاحتلال الأمريكي بمسئوليته عن قتل مازن دعنا مبررا إطلاق النار على المصور المذكور ومعتبرا أنه حدث عن طريق الاعتقاد الخاطئ والالتباس، لأعتقاد الجنود الأمريكان أن كاميرا المصور الشهيد مازن دعنا قاذف بى سبعة مضاد للدبابات موجه عليهم.
هذا الكلام السخيف يدل على أن الاحتلال الأمريكي لا يعير أية أهمية للصحافة ووسائل الأعلام والإعلاميين.
قتل في العراق منذ بداية الحرب الأخيرة وحتى يومنا هذا 17 صحافيا وإعلاميا تم قتل بعضهم من قبل قوات بوش. وحسب الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود السيد روبير مينار” لقد لاحظنا في حالات معزولة عداء واضحا من الجنود (الاميركيين) إزاء العاملين في وسائل الأعلام… وهي تصرفات غير مقبولة ويجب أن يعاقبوا عليها “وطالب بإصدار “تعليمات واضحة ونداءات لتوخي الحذر للعسكريين العاملين على الأرض من اجل احترام حرية الحركة والعمل للصحافيين في العراق“.
هذا وكانت نفس القوات الأمريكية قتلت مراسلا لرويتر في فندق فلسطين وآخر يعمل لوكالة أسبانية في الثامن من نيسان أبريل الماضي. ومعروف أن نفس تلك القوات قتلت الشهيد الصحافي الفلسطيني طارق أيوب مراسل قناة الجزيرة وذلك عبر استهدافه بالصواريخ كما حصل مع الشهيد مازن دعنا.
كان الشهيد مازن دعنا من الصحافيين الفلسطينيين الشجعان الذي عشقوا عملهم ومارسوا مهنتهم عن قناعة، ولم يكترثوا للمخاطر التي كانت تهددهم، وتكاد تعصف بحياتهم ورغم إصابته عدة مرات برصاص الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة، وبالرغم من تعرضه للضرب والإهانة والإذلال والإصابات العديدة ،إلا أنه واصل طريق الصحافة الملتزمة، والعمل الإنساني الحر. فكانت الشهادة في العراق حيث الاحتلال الأمريكي وبنفس الرصاص وبنفس القنابل التي كانت في السابق أسالت نفس الدماء، دماء مازن دعنا وطارق أيوب ورامي عياش وهاني جوهرية وعلي فودة ونِعَمْ الجنوبية وتراس بروتسيوك وخوسيه كوزو، وغيرهم من شهداء الصحافة الذين قتلتهم قنابل (إسرائيل) وأمريكا في فلسطين ولبنان والعراق.
ان العزاء الذي نستطيع تقديمه لشهداء الصحافة والصورة الحية، الطبيعية والكلمة الحرة هو أن نواصل العمل الصحافي والإعلامي كما كانوا هم أنفسهم يعملون في خدمة القضايا الإعلامية. ومن أجل إيصال الصورة للمشاهد وللناس أينما كانوا. وعلينا تذكرهم وعدم نسيانهم لأنهم كانوا ولازالوا الشعلة الصحافية المضيئة التي تنير الدرب وتعطي الضوء المفقود للذين طالتهم عتمة وظلامية هذا الزمان، زمان الانفراد الأمريكي بعالمنا وزمان الكذب والافتراء والإرهاب المسكوت عنه عالميا ومحليا.
أما اتحاد الصحافيين الفلسطينيين فعليه أن يرفع دعوة ضد الأمريكان بتهمة القتل المتعمد ومع سبق الإصرار. فما الذي يمنعنا من الذهاب بعيدا في القضية ورؤية الأمور بعكس ما تراها القوات الأمريكية؟… نحن لا نصدق أن الدبابة الأمريكية والأباتشي التي تحرسها في السماء، لم تستطيعا التفريق بين الصحافي والمقاتل العراقي، أو بين كاميرا مازن دعنا وقاذف البى سبعة أو غيره من القاذفات المضادة للدبابات، فهناك بالتأكيد فرق واضح وكبير بين الكاميرا والقاذف المذكور. هذا إذا ما تذكرنا أن الجنود الأمريكان يملكون أحدث المعدات وأكثرها دقة وتقنية في العالم.
طال تباهي الأمريكان بمعداتهم المتطورة وما يملك جيشهم من تقنيات لا يحلم بها أي جيش آخر في زماننا الذي صار زمان الأمريكان والحكم بالقوة والاحتلال المباشر أو عبر الدولار. لما مثلا لا يكون مازن دعنا صَوَر ما يرفض الأمريكان أن يصوره أيا كان؟
فحادثة سجن أبو غريب لازالت غير معروفة ولا يوجد رواية غير رواية الأمريكان.
الصحافيون عالقون بين نارين مصدرهما واحد، وهدفهما واحد إرهاب الرأي الحر، وإسكات الكلمة الصادقة وكتمان الأصوات التي تجرؤ على الكلام، والكاميرا التي تصور الحرب والذل والهوان في بلادنا من فلسطين حتى آخر تلك الدول المحتلة.
20 / 8 / 2003
أوسلو / النرويج