صباح الخير غزة ! – خالد عيسى
خاصرة البلاد ، وربطة زنار خصرها .. بين الرمل والبحر أرملتنا الفلسطينية غزة ، لا البحر ابتلعها ، ولا هي شربت البحر !
غزة القطاع الذي يقطع به الجميع ، ويختلف الجميع حولها ، ولا تختلف مع أحد ، تأخذ بيدها أولادها وتقدمهم لعمليات الفصائل ” الاستشهادية ” ، وتزغرد في جنازات التشييع ، وتعود الى رمل ترملها وحيدة ، وتتقاتل الرايات الخضراء والصفراء والحمراء حولها ، وهي لا راية لها !
وبين لحية ومسبحة .. تمشي غزة جائعة حافية ، ولا أحد يهتم الا بحجابها ، وتحلف بلحية خالد مشعل التي يشع منها نور الايمان وهي بلا كهرباء ، وتُحفر الأنفاق من تحتها ، ولا أحد يمسح دموع انتظارها على معبر رفح !
غزة الصامت الرسمي في تصريحات أكثر من ناطق رسمي باسمها .. والفقيرة في عصر ” أبو مرزوق ” ، والتعيسة في عصر هنية ، والشائكة في عصر الزهار ، تُجمع الاموال باسمها ، وتُعلق صور امير قطر واردوغان في شوارعها ، وتنام على لحم بطنها !
غزة صراف الشهداء الآلي ، الذي لا يغلقه أحد ، وبنك الدم الذي يزيد رصيد المتاجرين باسمها ، والمغامرين الذين يأخذونها الى الحرب ويتركونها تحت الأنقاض !
غزة .. أسيرة فلسطينية منسيّة في سجنها بين معبرين ، معبر العدو ومعبر الشقيق ، حلم رابين ان يصحو وقد ابتلعها البحر ، وخيبة جرافة شارون وهي تجرف المستوطنات عن ارضها وترحل !
لا شيء يشبه غزة الا غزة ، تملك من المفارقات ما يجعلها دوما منفردة في تفردها ، أسيرة تطلق أسرى ،
ومحاصرة تحتجز تل ابيب في ملجأ ، تُدمر أنفاقها الى مصر .. فتحفر أنفاقها الى عسقلان ، تعجز عن ادخال علبة بسكويت من مصر ، وتفلح بإدخال صاروخ فجر من ايران ، تخوض حروبها وتُدمر ابراجها ، وتخرج من تحت الانقاض ترفع شارة النصر ، ولأنها غزة فهي لا تُهزم ولا تنتصر ، وتتقن فن البقاء في الخبر العاجل ، وتقرير المراسل بالخوذة الحديدية ، وتمارس عزلتها اليومية بين رمل ترملها ، وبين بحر لا يبحر بها الا بيافطة كتبت عليها حلم يقظتها بميناء ، تشوي عرانيس الذرة على رصيف ميناء لا ميناء فيه ، وتعود الى بيت الطاعة لولاة امرها ولا يدفعون لها النفقة ، وبين الصراف الآلي والصراف الالهي ، تحاول غزة المنسيّة تدبير لقمة خبز عيشها بين لحية ومسبحة تسبّح بحمد رايتها الخضراء ، التي تأخذها الى الحرب كل سنتين وتتركها تحت الركام ، لتحتفل بنصرها ، ولأنها غزة التي لا تُهزم ولا تنتصر ولا هي تشرب البحر ، ولا البحر يبتلعها .. ولأنها ” القطاع ” الذي يقطع به الجميع تخترع حياتها بطريقتها بنكهة غزية بطعم الفلفل الحار الذي يلتهمه ابنها محبوب العرب محمد عساف تضامنا معها على شاشات التلفزيون ، وتدلق سطل رمل على رأس ايمن علول !
على غزة ان تتوجع بصمت ولا تقول آخ وهي تبتر يدها في مستشفى الشفاء ، وتبتسم طفلة بأطرافها الصناعية أمام عدسة المراسل الاجنبي لكي لا يستفيد ضابط مخابرات في تل ابيب من نقطة ضعفها ، وعلى غزة ان لا تتذمر من انقطاع التيار الكهربائي .. وهي تملك نور ايمان التيار الاسلامي ، وتسبح بحمد خالد مشعل وهي ” مطفية “
وعلى غزة ان تقضم فلفلها الحار مثل الخيار الذي لا يجعلها قادرة على الاختيار بين شعب الجبارين وشعب المشحّرين في فصائل قررت ان تأخذ شعبها الى القدس ” شهداء بالملايين ” !