صحة إردوغان تثير مسألة البديل – هدى رزق
يبدو أنه لا مفر من أن يتلاشى نجم حزب “العدالة والتنمية” إذا غادر إردوغان، بغض النظر عمن سيقود من بعده.
اعتبر حزب “العدالة والتنمية” أنَّ لقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن إبان قمة العشرين في روما، والذي حصل بعد يوم واحد من تهديد إردوغان سفراء الدول العشر بالطرد من البلاد، بعد مطالبتهم بضرورة الإفراج عن الناشط المدني عثمان كفالا، انتصار، إلا أنَّ العارفين يقولون إنَّ لقاء إردوغان وبايدن في روما كان متّفقاً عليه بين كالين مستشار الأمن والسياسة الخارجية التركية، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي لبايدن منذ أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، ولم يكن هناك متّسع من الوقت لإعادة النظر فيه.
كان إردوغان منزعجاً بعد انتشار أخبار بثَّها صحافي في مجلة “فورين بوليسي” منذ أسابيع حول صحّته، ولاقت صدى كبيراً داخل تركيا من قبل المعارضة، وحتى الموالاة، إذ طرحت مسألة وراثته في ظلِّ طرح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة.
بايدن العارف بطباع إردوغان ردَّ على التهديد بطرد السفراء بحركة رمزية، وألقى عليه تحية عسكرية في قمة روما أثارت الحاضرين والصحافة الغربية، وفيها إشارة واضحة إلى أنه أصبح حاكماً عسكرياً ديكتاتورياً، وليس سياسياً ديمقراطياً، وهذا يؤشر إلى استمرار الإدارة الأميركية بملاحقة موضوع حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين بطريقة أو بأخرى، ولا تغيير في المبادئ الأساسية لإدارة الديمقراطيين في هذا الجزء من سياستهم حيال تركيا إردوغان.
تركيا خارج برنامج “F-35” نهائياً
كان إبراهيم كالين، مستشار الأمن والسياسة الخارجية لإردوغان، قد صرّح مؤخراً أن أولوية تركيا لا تزال أزمة برنامج “F-35″، بدلاً من المطالبة باسترداد 1.4 مليار دولار دفعتها تركيا بالفعل، لكن المسؤولين الأميركيين أوضحوا وقائع المحادثات في روما، وأكدوا أن مسألة “F-35” لا تدخل ضمن النقاشات السياسية، بل تخضع لمفاوضات تسوية المنازعات القانونية والمحاسبية القائمة على العقود، وأن تركيا أصبحت رسمياً خارج برنامج “F-35″، وانسحبت رسمياً من المشروع اعتباراً من 23 أيلول/سبتمبر، وأن الشركات التركية ستستمر في إنتاج أجزاء “F-35” لعدة أشهر أو أكثر بحسب العقد، لكن تم بالفعل التعاقد على إنتاج هذه الأجزاء مع دول أخرى، وعودة تركيا إلى برنامج “F-35” لم تعد موضوعاً للمفاوضات.
لقد تم إخراج تركيا من الإنتاج المشترك وشراء برنامج “F-35” من الجيل الخامس من قبل إدارة دونالد ترامب في العام 2020. وكان ذلك رداً على شراء تركيا صواريخ “S-400” الروسية التي اعتُبرت انتهاكاً للعقوبات الأميركية على روسيا.
صفقة “F-16” لا تشبه العقود السابقة
أوضحت تركيا للأميركيين أن استبعادها من برنامج “F-35” خلق فجوة في الدفاع الجوي، أي في الجانب الجنوبي من الناتو. لذلك، هي بحاجة إلى طائرات، وإلى أن تنتج طائراتها المقاتلة بنفسها. ورغم أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد قدم عرضاً لتركيا لشراء طائرات “Su-57″، فإنَّ تركيا ركزت في المحادثات على طلب شراء 40 طائرة مقاتلة جديدة من طراز “F-16” من حليفها في الناتو، ولكن الولايات المتحدة وجدت الطلب المقدم كبيراً ومعقداً، لأنه من طراز “F-16 LOR”، وهو مختلف عن طراز “F-16” السابق وعن التراخيص السابقة، وأكثر تطور تكنولوجياً، وستحتاج تركيا إلى تقديم العديد من التراخيص للكونغرس لمراجعتها على مراحل، لأن برنامج إنتاج “F-16” الذي كان ينتج في تركيا لا ينطبق على الطلب الحالي، وسيحتاج إلى أشهر من النقاشات مع الإدارة.
يرجع الجو السلبي في الكونغرس بشأن تركيا وإردوغان تحديداً إلى صفقة “S-400”. وكان إردوغان قد طلب من الرئيس الأميركي جو بايدن في روما في مقر قمة مجموعة العشرين فرض إرادته، لأن الديمقراطيين لديهم الأغلبية في كلا المجلسين، وترى المؤسسات الأميركية أن تركيا الحليف في الناتو، خرجت عن اتفاقها، واشترت “S 400″، وهناك لغة قانونية محددة حول متطلبات التنازل عن عقوبات قانون مكافحة الإرهاب (CAATSA).
يطرح الباحثون الأتراك تساؤلات حول معنى الشراكة الاستراتيجية المفترضة بين البلدين، فأين يكمن التعاون مع الحليف الاستراتيجي ما لم يكن في هذا المجال؟ وماذا يعني التعاون في القضايا الإقليمية؟
ترى الولايات المتحدة أنَّ التعاون والتركيز سيتم في القضايا التي تحمل مصلحة مشتركة لها ولتركيا، أي في القضايا الإقليمية. طرح إردوغان مسألة دعم الولايات المتحدة لـ”قسد”، لكن لن يكون هناك تغيير في سياسة البنتاغون وتعاونه مع “قوات سوريا الديمقراطية” ضد “داعش” في سوريا، ولن تكون هناك أي محادثات بشأن أوضاع “قسد”.
هذا ما أكده اللقاء، لكن سيستمر السماح لتركيا بالهجمات في شمال العراق على حزب العمال الكردستاني والمنتسبين إليه. وتعتبر تركيا الوحدات جزءاً لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني، فهل ستطالها عمليات القصف؟ لا يبدو الأمر ميسراً في شرق سوريا. أما في غربها، أي حول إدلب، حيث أقامت تركيا مناطق عازلة، فقد طرحت الولايات المتحدة دعمها في وجه روسيا وسوريا.
الشائعات حول صحة الرئيس تعمّ تركيا
لا شكّ في أن المشكلات بين الولايات المتحدة وتركيا معقَّدة. ولا يبدو أنَّ واشنطن بصدد إعطاء أنقرة أية وعود، ربما تأكد أن الولايات المتحدة لا تمانع وجوده في إدلب، فهو بذلك يقف في وجه سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها، ويشرع في الوقت عينه وجود قسد تحت حماية البنتاغون.
يبقى أن الداخل يرى بوضوح نتائج الاجتماع، ويصدق الشائعات والتكهنات الأخيرة حول صحة الرئيس، فهل هناك بديل لإردوغان في حزب “العدالة والتنمية”؟ ومن سيتولى الأمر؟ وماذا سيحدث للحزب من بعده؟
إضافةً إلى ذلك، تشعر المصادر الغربية بالفضول، لكنَّه ليس الموضوع الوحيد الّذي يثير الاهتمام، بل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فهل ستُجرى في حزيران/يونيو 2023، كما هو مقرر؟ وهل هناك جناح معارضة في حزب “العدالة والتنمية” يستطيع أن يغير المسار؟
هناك أسماء مثل وزير الدفاع الوطني خلوصي أكار ووزير الداخلية سليمان صويلو آخذة في الارتفاع، بعد استبعاد عبد الله غول وبولنت أرينش واختفائهما من الحياة السياسية، وهناك من ذهبوا واختاروا مساراً سياسياً آخر لأنفسهم، ويمكن إعطاء عبد اللطيف شينر وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان أمثلة لهم.
لا بديل لإردوغان إذا ترك القيادة. حزب “العدالة والتنمية” هو حركة سياسية غير مُمأسسة، من المرجح أن تبدأ بالانحدار بعد مغادرة الزعيم. يبدو أنه لا مفر من أن يتلاشى نجم حزب “العدالة والتنمية” إذا غادر إردوغان، بغض النظر عمن سيقود من بعده.