صفقة المصالحة بين حماس وفتح..لماذا؟!- رشاد أبوشاور
عشرة أعوام مُرّة ثقيلة مرّت على هيمنة حماس على قطاع غزة في العام 2007 منتصف حزيران،تكرّس خلالها الانقسام بين الفصيلين اللذين قادا سلطتي رام الله وقطاع غزة، واللتين أدارتا الظهر لكل مناشدات الشعب الفلسطيني، وكل أنصار القضية الفلسطينية المهمومين بفلسطين وشعبها، وبالصراع العربي – الصهيوني.
لا بد من التذكير بأن حماس التي أبدت معارضتها لاتفاق أوسلو، قد شاركت في انتخابات( التشريعي)، وتبوأ أحد أبرز قادتها، إسماعيل هنية، رئاسة وزراء السلطة، وأنها مهما حاولت الادعاء بأنه لن تتنازل عن شبر من فلسطين، بحجة أن فلسطين هي أرض وقف إسلامي، فقد أبدى في وقت مبكر زعيمها ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين الاستعداد لإبرام اتفاق على ( هدنة) تستمر 15 عاما مع الاحتلال، انطلاقا من مبرر استند إليه، وهو صلح ( الحديبية)، تماما كما بشّرت الجبهة الديمقراطية في وقت مبكر بالحل السلمي مع الكيان الصهيوني بمرجعية لينينية هي ( صلح برست).
يسار ويمين فلسطينيان تقاطعا في جاهزيتهما لعقد صفقة مع العدو الصهيوني لقاء جزء من أرض فلسطين،وهو ما سعت له قيادة حركة فتح في أوسلو، ووقعت عليه في حديقة البيت الأبيض بتاريخ 13 أيلول1993 .
كل لقاءات الحوارات في القاهرة، الدوحة، صنعاء، الرياض، لم تفلح في رأب الصدع بين السلطتين المتنابذتين المتصارعتين اللتين مزقتا وحدة الشعب الفلسطيني، وأضعفتا حضور القضية الفلسطينية عربيا وعالميا، ومنحتا بصراعهما العدو الصهيوني فرصة التوسع الاستيطاني، وأنظمة عربية متآمرة أن تواصل لقاءاتها مع قادة الكيان الصهيوني، وتمضي في سياسة التطبيع انطلاقا من تبعيتها وضعفها وعدم إيمانها بالقضية الفلسطينية.
منذ سنوات وأنا أكتب حول موضوع الانشقاق بين السلطتين، منبها إلى أن ما تحتاجه القضية الفلسطينية، وما يأمله الشعب الفلسطيني، ليست المصالحة، ولكن الوحدة الوطنية، وفقا لبرنامج وطني واضح جامع، على أساسه تتحقق وحدة الصف الفلسطيني، ويحدد الطريق والأهداف التي جوهرها تحرير فلسطين، وإلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني.
فجأة دعي وفد حمساوي إلى مصر، ثم عاد إلى قطاع غزّة، وبدأت تصريحات قادة حماس، وفي مقدمتهم (الجنرال) يحي السنوار الذي انتخب قبل فترة قائدا لحماس في قطاع غزة، وإسماعيل هنية رئيس حماس المنتخب خلفا لخالد مشعل.
ما سّر هذا التحوّل الحمساوي؟!
أولاً: المأزق الذي تعانيه حماس بعد فشل مشروع الإخوان المسلمين في مصر، وانهيار أوهامهم في سورية الصامدة منذ قرابة سبعة أعوام، والذي انعكس على حياة الفلسطينيين في القطاع بعد تدمير الأنفاق، وخسارة كل ما كانت تدره على سلطة حماس، وخسارتها للتمويل الإيراني بعد إدارتها الظهر، وافتضاح تآمرها على سورية بعد مغادرتها للحضن السوري الذي منحها ما لم يمنحه أي طرف لها في كل بلاد العرب والمسلمين!
ثانيا: لم تسيقظ قيادة حماس صدفة وإذا بروح المصالحة قد هبطت عليها، ولكنها للخروج من مأزقها الخانق تلقت توجيهات من مصر، وتحديدا من أجهزتها الأمنية التي تشرف على ( الحوار) بين السلطتين، وتقرّب بينهما، وتأخذهما إلى وجهة تريدها لهما باتجاه ( تسوية) تريدها إدارة ترامب صفقة العصر!
حماس حلّت الهيئة الإدارية في قطاع غزة، والتي كانت أداة لها وحدها، ورحبت بالوزارة الفلسطينية للحضور إلى القطاع، وأفرغت لها المكاتب والمؤسسات، وأبدت لهفة على تسليمها كل شيء بأقصى سرعة.
ستحصل حماس على رواتب لكل موظفيها،وعلى حل لمشكلة الكهرباء، وربما يفتح معبر رفح وهو ما سيخفف الضغط على أهالي قطاع غزة، وستتخفف حماس من ثقل مسئولياتها تجاه قرابة مليوني فلسطيني لم تعد قادرة على تقديم شيء لهم، بل إنها تخنقهم بأجهزتها، وبالجوع، والحصار..وهو ما يجعل قطاع غزة مرجلاً يغلي ويقترب من ساعة الانفجار، وسيكون الانفجار في وجه حماس، ثم سيمتد…
سلطة رام الله مأزومة ولا آفاق أمامها، وسلطة حماس في القطاع مأزومة ولا أمل لهما في الخروج من المأزق الخانق.
تبددت أوهام الربيع العربي وأنهت بمآلاتها أوهام الإخوان المسلمين في الهيمنة على مصر، وها هي تهزم مخططات المتآمرين على سورية، ولا تترك لهم بصيص أمل في تحقيق هدفهم ب( دولة الخلافة) التي عاصمتها إسطنبول.
الشعب الفلسطيني لم يفرح بأحاديث المصالحة، لأنه يعرف أن هذه المصالحة لا تعدو أن تكون ( زواج مصلحة) بين سلطتين فاشلتين مأزومتين، بل إنه يرد عليها بالسخرية، وبالشك فيما تخفيه وراءها من مخططات هدفها إنهاء القضية الفلسطينية بدفع من دول تسير حثيثا في سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتريد أن تتفرّغ لمواجهة ( إيران)، وهذا يتم برعاية أمريكية ، وبترحيب صهيوني.
من جديد يروّج لأوهام (دولة فلسطينية) برعاية إدارة ترامب، بتغيير اسم ( السلطة الفلسطينية)، لإرضاء أوهام من أبرموا أوسلو، ومن شاركوا في مؤسسات أوسلو، ومن يريدون أن لا يفوتهم القطار حتى لا ينتهوا ( خنقا) في قطاع غزة…
أصوات كثيرة ترتفع محذّرة من ( لغم) هذه المصالحة التي قد تأخذ القضية الفلسطينية إلى مسار التصفية، والركض وراء الأوهام من جديد، ووضع القضية الفلسطينية بين أيدي لاعبين إقليميين كل همهم تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وسحبها من يد كل القوى المقاومة!
طرفان يريدان مخادعة الشعب الفلسطيني بإيهامه بأن ( المصالحة) بينهما ستنتقل بالقضية الفلسطينية لآفاق جديدة، وبأنهما يتجاوزان خلافاتهما من أجل القضية، وحقيقة الأمر أنهما يتكاذبان، ويخدعان شعبنا من جديد، لأن من يريد أن ينقذ القضية الفلسطينية عليه أن يضع برنامجا وطنيا وحدويا يحدد الأهداف والوسائل، ويجمّع كل فصائل الشعب الفلسطيني، وكل شخصياته الوطنية، وقواه الثورية، وهو ما يعني تجاوز أوسلو الذي جرّ الخراب على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وعزل القضية الفلسطينية عن فضائها العربي، وعن أصدقائها في العالم، وقزّمها.
من غريب الأمور أن السيد السنوار، وبعد عودة وفد حماس من القاهرة أطلق تصريحات تبّز تصريحات حماس أثناء انقلابها عام 2007 فهو يتوعد كل من سيعترض طريق المصالحة بتكسير رأسه ويديه!
في أيام الانقلاب الحمساوي تم تكسير ركب فتحاويين كثيرين بالرصاص..والآن يتم الوعيد والتهديد بتكسير الرؤوس، لأنه غير مسموح أن تطرح الرؤوس الأسئلة المحرجة التي لا تستطيع قيادة حماس الإجابة عليها، ومعها قيادة سلطة رام الله المتخندقة في خيار المفاوضات..ولا شيء سوى المفاوضات.
قبل أن تبدأ سياسة تكسير الرؤوس أطرح السؤال التالي: ما هو خيار قيادة حماس الذي يبرر هذه المصالحة، وهل يختلف عن خيار سلطة رام الله الثابت بالمفاوضات، والذي لن تتخلّى عنه؟