صور من حياة غسان كنفاني على خشبة مسرح الحرية
اذهب عميقاً في دمي واذهب عميقاً في الطحين
لنُصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين
بكلمات محمود درويش في احمد الزعتر والحان وغناء مارسيل خليفة، وبانحناءات شكلت خارطة فلسطين، وانبساط البساط الابيض لتطل شخصية الشهيد الأديب المقاوم، بدأ عرض مسرحية صور من حياة غسان كنفاني على خشبة مسرح الحرية في مخيم جنين يوم أمس الاحد، في 6 مشاهد من روايات واعمال وثورية حياة الشهيد غسان كنفاني.
ارض البرتقال الحزين ورجال في الشمس وام سعد والبومة في غرفة بعيدة الى جانب مطار الثورة واستشهاد غسان، صور من حياة غسان كنفاني قام بادائها طلاب مدرسة التمثيل في مسرح الحرية في محاولة محاكاة الروايات والقصص التي صاغها غسان قبل اكثر من 40 سنة والتي تعمد الى مقارنة مع الواقع اليوم في فلسطين، هذه المحاولات التي بناها المخرج احمد طوباسي مع الطلاب ايهاب تلاحمة واسامة العزة وابراهيم مقبل وامير ابو الرب ورنين عودة وسماح محمود، بعد بحث طويل حول من هو غسان كنفاني وهل نعرف من هذا الكاتب الفلسطيني الذي أرخ وسجل المحطات الاهم في تاريخ فلسطين المعاصر في اطار ادبي توثيقي.
فمن الهجرة القسرية للفلسطينيين والرعب الذي احدثه الصهاينة الى انكفاء يافا بحزنها وحزن برتقالها على رحيل اصحابها، ومحاولة بعث الذاكرة في وجدان اللاجئ الفلسطيني باحقية وجوده على ارضه، الى زرع الوجود في الشتات والتشبث بالهوية الفلسطينية رغم ما حدث من اقتلاع، ودور وكالة الغوث والدور الغربي الغير منصف لحقوق الفلسطينيين، والذي خلق اجواء باعثة على الاحباط وسبب تنازعاً بين الفلسطينيين انفسهم امام خيارات التحرر، ومحاولة الام على لملمة ابنائها في دور مباشر لام سعد، واستمرار الفلسطيني في البحث عن ذاته، وفي البحث عن الحياة عن طريق الموت كما حدث في صحراء الخليج اللاهبة، واختناقنا في عدم نقد الثورة واستمرار الهزيمة بعدم طرق جدران الخزان لاشعال نبض وعي في اهمية استمرار النضال للحرية، والنهوض من حالة السبات فخيار الثورة يستلزم التضحية والتضحية ثمنها النصر، وعدم الرضوخ، فالحق لا يسقط بالتقادم، واصل الاشياء في ارجاعها لمصدرها الاصل كما حدث مع خلدون في عائد الى حيفا، ففلسطين هي المستقبل كما رآها مروان في رجال في الشمس، وهذا يعني التفاؤل لا التشاؤم كما صاغه ابو سمير في القميص المسروق، كل هذه المشاهد كانت صور من المسرحية.
رنين عودة طالبة في السنة الثالثة في مدرسة التمثيل في مسرح الحرية، قامت باداء دور حامد الذي زرع العبوة، وهي تمثل حالة مطار الثورة والتي اعتبرت مغامرة اقدمت عليها الجبهة الشعبية ولكنها كانت بداية لمغامرات ثورية وضعت فلسطين على خارطة العالم، ترى ان هذا تعبير عما كان يجول في خاطر غسان كنفاني في مشاركته بالمؤتمر الصحفي الشهير الى جانب بسام ابو شريف ابان عملية مطار الثورة الشهيرة، فالادب المقاوم كان سنداً قوياً لمسار الثورة التي وضعت بوصلتها اتجاه فلسطين.
في منتصف الليل فاجأتني الصورة، كان ضوء الغرفة خفيفاً بعض الشيء، وقد يكون هذا هو السبب الذي من اجله بدت لي الصورة في غاية البشاعة كان رأس البومة اكبر من المعتاد وكان يشبه شكلاً رمزياً لقلب مفلطح بعض الشيء، مشهد للبومة من قصة البومة في الغرفة البعيدة قام بادائه الطالب ابراهيم مقبل بتسلقه على التشيو، والذي قام باداء رقصة معلقة على الحبل، والذي يرى ان هذا الدور في حوار داخلي اداره غسان مع نفسه حول البومة، والتي مثلت الغضب الوحشي والتحفز البطولي والدعوة الى الحفاظ على الذاكرة وعدم النسيان والاختيار بين الموت او الهروب.
لا تمت قبل ان تكون ندا … لك شيء في هذا العالم فقم … ان الانسان في نهايه الامر قضية … انا احكي عن الحرية التي ليس لها مقابل، الحرية التي هي نفسها المقابل، كلمات خالدة للشهيد غسان كنفاني قدمها مسرح الحرية في مشهد الاحتفال بعيد ميلاد غسان الاخير الـ36، قبل انفجار سيارته واستشهاده، يقول ايهاب تلاحمة والذي قام باداء ادوار متنوعة في المسرحية ابرزها غسان كنفاني: إن كتب وروايات وقصص غسان كنفاني لها خصائص معينة ولها رائحه معينة، فهي ليست مجرد حروف او حبر مجرد على ورق ابيض، فما كتبه غسان عن الثورة والقضية والحب والمستقبل والحرية، بل ان كنفاني كتب عن كل فلسطيني.
احمد طوباسي مخرج مسرحية صور من حياة غسان كنفاني يقول ان هذا العمل يهدف الى التعريف بمن هو غسان كنفاني وتكثيف الاطلاع على كتاباته لاهميتها بالنسبة لكل فلسطيني، في سياق بناء الهوية الفكرية وكذلك في اطار تعريف بماهية الوطن، وهذا العمل الهام حسب طوباسي يدفع الى ضرورة قراءة غسان كنفاني على المستوى المحلي والمستوى الدولي، ويختم طوباسي حديثه بعبارة للاديب المصري يوسف أدريس “أيها الناس اقرأوا قصص غسان كنفاني مرتين، مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور، ومرة أخرى لتعرفوا بأنكم تجهزونها وأنتم لا تدرون”.
يشار الى ان مسرح الحرية سيقوم بتنظيم جولة في شهر أيلول القادم لطلاب مدرسة التمثيل في السنة الثالثة بالبرتغال لعرض مسرحية صور من حياة غسان كنفاني، الى جانب مسرحية مروح عَ فلسطين، وهذه المسرحية من مسرح الشارع، اخراج ميكائيلا ميراندا، حيث تتحدث المسرحية حياة فلسطيني قادم من الاغتراب لينظر الى الحالة الفلسطينية خارج الإطار، والتي تشهد تحديات متمثلة بالاحتلال والانقسام، ورغم كل التحديات والصعاب يؤكد الفلسطيني على خيار بقائه في فلسطين.