صياح الديك وشروق الشمس! – مهند النابلسي
هناك المثال المشهور “لديفد هيوم” حول العلاقة بين صياح الديك وشروق الشمس,حيث أظهرت الأبحاث أنه يمكن تحديد الايقاعات الداخليه لصياح الديك من خلال شروق ألشمس,وهكذا يمكن الاستنتاج بان صياحه يمكن أن يسبق الشروق مستدلا بالايقاعات الحسية.وقد ثبت أن العديد من الخلايا البصرية للقشره الدماغية كانت متطابقه نوعيا مع اتجاهات معينة,فقد لوحظ أن بعض القردة والقطط قد استجابت بطريقة تجاوبيه عندما عرض أمامها خط له اتجاه معين!ولكن الكائن البشري يتميز عن باقي المخلوقات بأنه الوحيد الذي يستطيع أن يقرر ما هو دال وما هو ليس كذلك.ولقد اقترح يونغ عام 1929 وتبعه بولي عام 1961″ان التطور هو من صنع عوامل تزامنيه”,حيث تتجلى الظواهر التزامنيه في اللحظات النادرة,ويحدث عندئذ انسجام بين النفسية والمادة مولدا طاقه روحية خلاقة تصعد بقوة الحياة الى مستويات رفيعة من ألوعي الذاتي,حيث تتداخل الطاقة الحيويه مع المادة (كوحدتي وجود) ,وذلك بهدف تجاوز العقبات وتحقيق انجازات عبقريه للجنس البشري.
ان الكثير من الغموض المحيط بوجودنا مرتبط أساسا بعجزنا عن فهم “الزمان”,فللأن لا نعرف على وجه ألتحديدكيف يتعامل الدماغ مع ألزمن ,وكيف يدركه؟وألذي نعرفه علميا هو أن استشعارنا للزمن أضعف من تحسسنا للمكان بحوالي 300 مليون مرة (لا أعرف كيفية حساب هذا الرقم المذهل!).ونحن لا نفهم ماألذي يجعلنا أسرى الاتجاه الواحد للمسار ألزمني؟ولماذا لا نستطيع التجول في الزمان مثلما نفعل بحرية في ألمكان؟والطريف في موضوع الابحار عبر ألزمن أنه اذا ما قدر لك (بمعجزة ما) أن تسافر للمستقبل فانك (طبقا لقوانين الفيزياء)لن تستطيع عندئذ العودة للماضي الا اذا استطعت تجاوز سرعة الضوء وهذا مستحيل,وستبقى معلقا هناك وحيدا ومحبطا وغير قادر على نقل انطباعاتك المدهشة عن عالم ألمستقبل!
يقودنا هذا ألأمر لكشف النقاب عما يحدث داخل الثقوب السوداء,حيث يتباطأ الزمن هناك لحد التوقف,وقد بين العالم الفيزيائي الفذ ستيفن هاوكنغ في كتابه الشهير “قصة موجزه للزمن” عام 1989,أن الثقب الاسود هو نقطة شاذه من ناحية قوانين الفيزياء الكونية.حيث تسقط هناك قوانين عالمنا المعروفة ولا تصلح للتطبيق .وقد تبين أنه يمكن باستخدام فيزياء الكم بث الضوء من الثقب الاسود! حيث يظهر في برهة زمنية متناهية الصغر زوج من الجسيمات الفائقة الصغر:جسيم مادي وجسيم ضوئي,ومن ثم يندثران معا بفعل الاندماج سريعا في الفراغ!ويستطرد هاوكنغ قائلا أنه يمكن تصور قوانين الطبيعة نتاجا لما يسمى بالتنظيم الذاتي للمادة.
في الفيلم الملحمي الاخير للمخرج الصيني العالمي جون وو (البيرق الاحمر) يؤدي كأس شاي لذيذ قدمته امرأة حسناء لقائد دكتاتورلأن يخسر المعركة الفاصلة بفعل تأخره ساعات معدودة عن البدء بالمعركة نظرا لتغير مسار الرياح لمصلحة اعداءه الجنوبيين!(لنتذكر هنا بمرارة القصص الغرامية للمشير عبد الحكيم عامر والتي ساهمت بشكل غير مباشر لنكسة حزيران عام 1967).هكذا يعتبر الزمن عنصرا حاسما خفيا في مجريات الحرب والحياة والموت,وبالحق فقداهملنا كعرب ألزمن كعامل استراتيجي في معظم معاركنا الحربية والحضارية ولجأنا للقدرية واللامبالاة والاساطير فيما أستغل أعداءنا بمكر هذا العنصر تحديدا في كل صراعاتهم ومواجهاتهم وشوؤن حياتهم!
يبدو الزمن كعامل حاسم غامض وغير مرئي وقادر بهدؤ على احداث رعب ميتافيزيقي في كينونتنا الوجودية ,انه يتسلل بصمت ليسرق أعمارنا ويقلب دورة الزمن بعزم وبدون أن تستطيع كل القدرات التقنية التقدمة أن تضع حدا لتأثيره وايقاعه الثابت.
ان المفارقه المدهشه في فهم الزمان تكمن في محدودية عمر الانسان (كفرد) على كوكب الارض ,لنقل قرنا على أبعد تقدير,فيما سيذهب للموت ويقضي دهورا وأزمانا سحيقة وقد تحلل وأصبح هيكلا عظمي وجمجمة,وربما لا يتعرف الى قبره انسان قادم في مقبل الأيام بعد ان تختفي ذريته,ومع ذلك تجد هذا الانسان يقضي جزءا كبيرا من هذا”الحيزالزماني” المحدود في النكد والادعاء وجمع المال وسفاسف الامور ومقارعة الحياة وكأنه سيعيش للأبد!
مهند النابلسي
عضو رابطة الكتاب
Mmman98@hotmail.com