طفلةٌ على قارعة الطريق – د. مصطفى يوسف اللداوي
على قارعة الطريق كانت تقف …
حافية القدمين لكنها باسمة الشفتين …
رغم أن الحزن يجللها واﻷلم يسكنها …
ثيابها رثة وأسمالها بالية … لكنها عزيزةً واقفة … ناهضةً يافعة …
صامتةً لا تتكلم … لكن عيونها تومض وتكاد تنطق …
فقد ضيعت المعارك أباها وأغرق البحر أخاها …
وقفتُ قبالتها وهي الطفلة الصغيرة …
قرأتْ السؤالَ في عيني وأجابتني .. قبل أن يتعثر به لساني …
الحمد لله فقد بقيتُ … وبقيت أمي وأخي …
سنبقى هنا نشرق مع الشمس وﻻ نغيب …
ونطلع مع القمر وﻻ نتوارى ..
وننبلج مع الصبح ضياءً ونصحو مع الفجر نوراً …
وسيكون لنا الغد فلا تبتئس …
حِرتُ وسكتُ …
نظرتُ في عينيها ومشيتُ …
استغربت يقينها وحزنت كثيرا لما أصابها …
تساءلت عن سر صمودها وأسباب ثباتها …
بحثت عن مكامن القوة عندها ومصادر العزة لديها …
لكنني لم ألتفت خلفي .. إلى الوراء .. مخافة أن تؤنبني على حزني … أو أن تعنفني على ضعفي …
خفتُ من صلابة وقفتها ومن شموخ رأسها … وسرت في أوصالي قشعريرةً لرباضة جياشها وثبات قدمها …
مضيت … وابتعدت … وقد اغرورقت عيناي بالدموع … وكاد مزيدٌ من البقاء أمامها أن يفضحني …
هربتُ …. نعم فررتُ .. وابتعدتُ عنها وعيوني ترقبها وإليها تتطلعُ ..
فقد تعلمتُ منها ووعيتُ الدرس على يديها …
وعلمتُ أن الصبر نصرٌ وأن العجزَ قهرٌ …
وأن العاجز قليل الحيلة محلول العريمة … وأن القوي شديد البأس عظيم الصبر …
لستِ طفلةً أيها الصغيرة … ولست صغيرةً أيتها العربيةُ الحرة …
نحن الصغارُ في زمانكِ … وأنت الكبيرةُ الحكيمة في زماننا …
هنيئاً لشعبٍ عنده أمثالك … وبوركت أمةٌ فيها أطفالٌ يرفعون الرأس ويتيهون كأجيالك …