عائلة الشهداء، عائلة كامل درويش قاسم في مخيم شاتيلا – نضال حمد
هذه العائلة الكبيرة بعطائها لقضية فلسطين هي من العائلات الصغيرة في بلدة الصفصاف الفلسطينية الجليلية. فعندما فر الفلسطينيون من بطش الصهاينة ونتيجة عدم وجود أية مقومات للصمود، بعدما نفذت ذخائرهم ونحرت بطون حواملهم، وذبحت وزجت رقاب أسراهم، وبعدما قام اليهود الصهاينة بارتكاب أبشع المجازر والأعمال الإرهابية والهمجية… من تصفية واغتصاب وقتل وسرقة وسلب ونهب وتدمير ونسف ومجازر ومذابح. إذ لم يتوانى الصهاينة عن ارتكاب جميع أنواع الارهاب النازي والفاشي الأوروبي، الذي جلبوه معهم الى فلسطين بفضل تواطؤ ومساعدات وتسهيلات بريطانيا الاستعمارية الإنتدابية، وحكومات أوروبا التي كانت تريد التخلص من أتباع الديانة اليهودية. فألتقت مصالح تلك الدول مع مصالح الحركة الصهيونية التي كانت تعمل لاحتلال وتهويد واستيطان فلسطين. وتم ذلك بفضل المساعدات الجمة التي قدمتها بريطانيا، التي بدورها كانت تحتل فلسطين. فقد جهزتها لليهود الصهاينة، عملاً على تطبيق وتحقيق وعد بلفور المشؤوم واللعين. بفضل كل ذلك فر أهل الصفصاف كما غيرهم الى لبنان تاركين خلفهم قلوبهم ودورهم وحقولهم وممتلكاتهم وقبور موتاهم.
لجأت عائلة قاسم، الجد محمود وشقيقه أحمد قاسم وعمهم نايف قاسم الى الحدود الفلسطينية اللبنانية ثم الى منطقة صيدا ومن هناك الى مخيم شاتيلا، حيث كانت تقيم مجموعة صغيرة من عائلات الصفصاف، وهي عائلات: حمد، الزغموت، يونس، زيدان وقاسم. حسب ما أعرفه لم يعد أي من كبار السن الذين لجأوا الى شاتيلا على قيد الحياة. وربما أن العم أبو اسماعيل حمد كان آخرهم حتى وفاته قبل عام من الآن في الحادي والعشرين من نيسان 2020.
عند قيام الانروا بتسجيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تم تسجيل محمود وأحمد قاسم من الصفصاف فيما تم تسجيل نايف قاسم من بلدة علما. لذا فإن زوجة العم كامل درويش قاسم هي ابنة عمه نايف. أما شقيقها محمود نايف قاسم فهو واحد من أوائل الفدائيين الفلسطينيين الذين استشهدوا في الأردن في صفوف الثورة الفلسطينية. استشهد في بلدة الكرامة الأردنية على حدود فلسطين بعد مرور أكثر من سنة على معركة الكرامة المجيدة يوم 21-3-1968. الشهيد محمود نايف قاسم استشهد بتاريخ 26-8-1969 وشيع الى مثواه الأخير في أحد مخميات لبنان.
عائلة قاسم عاشت في مخيم شاتيلا وانضم الوالد كامل درويش قاسم الى حركة فتح ايماناً منه بضرورة الكفاح لأجل تحرير فلسطين والعودة الى الصفصاف. بحسب ابنته كفى فقد أصيب والدها بجراح ومنها الخطيرة عدة مرات خلال الحروب والمعارك. أما أنا فأذكره هو وزوجته رحمهما الله، من خلال زياراتي العديدة وإقامتي القصيرة في مخيم شاتيلا قبل وبعد الغزو الصهيوني للبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا في منتصف شهر أيلول – سبتمبر 1982.
يوم تشييع الأديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني في بيروت في تموز- يوليو 1972 الى مقبرة الشهداء قرب مخيم شاتيلا، وخلال اطلاق النار أصابت رصاصة طائشة الفتاة ليلى كامل درويش قاسم مما أدى الى وفاتها على الفور. لكن الأمر لم يقتصر على ليلى ولم يتوقف عندها حزن العائلة ووداعها للأولاد، إذ أن العائلة قدمت فيما بعد كوكبة من أولادها شهداء على درب العودة والتحرير والدفاع عن المخيمات الفلسطينية في لبنان.
أول شهداء العائلة بعد الشهيدة ليلى كان الشاب الاستشهادي أحمد كامل قاسم الذي كان يبلغ من العمر 17 عاماً سنة 1974 وكان أول الأبناء الشهداء من عائلة العم كامل محمود درويش قاسم. بحسب الروايات المتناقلة بين أهله وجيرانه وأقاربه وأهل بلدته الصفصاف وسكان مخيم شاتيلا، فقد نفذ عملية “انتحارية” في احدى الطائرات بحزام ناسف. لم يعلن عن تلك العملية أو يتم تبنيها من جهة فلسطينية رسمية. لا أعرف السبب لغاية الآن، ولا التنظيم المسؤول عن العملية لكنه كان عضواً في حركة فتح. على كل حال فقد تحول الشهيد أحمد كامل درويش قاسم الى فدائي وجندي فلسطيني مجهول.
في سنة 1982 استشهد الشقيق الآخر للشهيد أحمد وهو ابن ال 16 عاماً محمود كامل قاسم الذي قضى في مخيم شاتيلا. كان الشهيد محمود عضواً في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني برفقة شقيقه محمد كامل قاسم الذي استشهد أيضاً بداية اندلاع حرب المخيمات سنة 1985. وشقيقه خالد كامل قاسم الذي عثر عليه ميتاً في شقته بالسويد في ظروف غامضة، بعدما نجا من حادث سير أودى بحياة شقيقه قاسم كامل قاسم الذي كان عضواً في حركة فتح وشارك في معارك كثيرة قبل الهجرة الى السويد.
لم يتوقف عطاء عائلة العم كامل درويش قاسم عند هذا الحد ففي حرب المخيمات أيضا وبعد سنة على استشهاد ابنها محمد في شاتيلا، استشهد أيضاً شقيقه ناصر كامل قاسم وكان يبلغ من العمر 26 عاماً. استشهد وهو يدافع عن المخيم وعن الوجود الفلسطيني. لينضم الى كوكبة شهداء عائلته المناضلة وبلدة الصفصاف وثورة شعب فلسطين وشهداء مخيم شاتيلا.
المجد والخلود لكل شهداء وأموات هذه العائلة المناضلة التي عبدت درب الكفاح والصمود والصبر والعودة والتحرير بدماء أبناءها.
نضال حمد
23-4-2021
عائلة الشهداء، عائلة كامل درويش قاسم في مخيم شاتيلا – نضال حمد