عاصفة القلمون – بقلم : أكرم عبيد
في الموازين الإستراتيجية للصراع
بين محور المقاومة والعدو الصهيوأمريكي
لاشك أن منطقة القلمون هي جزء من السلسلة الشرقية التي تتميز بأهمية جغرافية وحضارية تاريخية بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين شمال سورية وجنوبها وتعتبر المعبر المهم إلى الأراضي اللبنانية التي تشترك مع سورية بخط حدودي متعرج ووعر .
وقد لجأ إليها الإرهابيون بعد هزيمتهم من بعض البلدات والقرى القلمونية التي استعادها الجيش العربي السوري العام الماضي .
وانطلاقا من هذه الأهمية فإن لمعركة القلمون أهمية إستراتيجية على الصعيد العسكري لأنها تشكل العمق الاستراتيجي للمقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله وخاصة لأنها تربط جرود عسال الورد السورية بجرود بريتال اللبنانية لذلك قررت القيادة السورية وشركائها في المقاومة المبادرة لفصل هذه المنطقة عن الزبداني من اجل محاصرة العصابات الإرهابية الوهابية التكفيرية المسلحة في حدود هذه المنطقة نظراً لما يشكل وجودهم هناك من خطر على لبنان خاصة في بقاعه الشمالي وشماله .
كما يشكل خطراً على طريق دمشق بيروت إذا تمددوا إليه عبر الزبداني لكن الأخطر من كل ذلك هو الربط بين وجود الإرهابيين في القلمون بالخطة الأميركية الرابعة ” موك ” وفي تركيا تم تسميتها ” إنطاكية ” التي تستهدف وضع المنطقة بين فكي كماشة لإسقاطها من معادلة محور المقاومة والصمود والتي تتضمن خطة تتمثل بالتحرك المتزامن من الجنوب باتجاه دمشق انطلاقاً من الأردن ( وشكل له ما سمي الفيلق الأول) وباتجاه حمص انطلاقاً من تركيا (شكل له ما سمي جيش الفتح) وأسند لإرهابيي القلمون في الخطة دور مزدوج لدعم المحور الجنوبي لاستنزاف وتشتيت قوة الجيش على الجبهتين الجنوبية والغربية لمدينة دمشق ومن الغرب دعم المحور الشمالي على جبهة حمص ومن الجنوب الغربي .
وعلى هذا الأساس توفرت القناعات الوطنية لدى القيادة السورية وشركائها في المقاومة لتطهير القلمون من رجس العصابات الوهابية التكفيرية المتناحرة والتي أصبحت جزءاً رئيسياً من معركة إسقاط خطة العدوان الرابعة على سورية والمقاومة .
وانطلاقا من هذه القاعدة فإن هذه العملية العسكرية الكبرى الحالية مهد لها الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله ببعض العمليات العسكرية المحدودة في محيط الزبداني وتمت السيطرة على بلدة مَعْدر الواقعة في منتصف الطريق بين الزبداني وبلدة عنجر اللبنانية وعلى معظم مرتفعات وممرات الزبداني .
وقد شكلت هذه العملية العسكرية المقدمة في تطوير العمليات العسكرية التي بدأت قبل عشرة أيام وأدت في البداية إلى إحكام السيطرة على كامل جرود عْسَال الورد السورية وبريتال اللبنانية وربطها ببعضها ما حقّق عملية الفصل بين مسلحي الزبداني جنوباً ومسلحي جرود الجبّة وعرسال شمالاً .
نظراُ لأهمية هذه المنطقة في الصراع العربي الصهيوني والتي إذا ما تمت السيطرة عليها من قبل العصابات الوهابية التكفيرية فهذا يعني أن اليد ” التركية ـ الصهيونية ” ستصل إلى تلك المنطقة التي سيحولها العدو الصهيوني لمنطقة أمنية عازلة لإجهاض معادلة الردع التي نتجت في مزارع شبعا وصولاً إلى أطراف السويداء ودرعا والقنيطرة والالتفاف حول جبل الشيخ على الحدود اللبنانية السورية والتي تبعد عن المركز الحدودي في المصنع حوالي 15 كم وهذه المنطقة تعتبر بالنسبة للعدو الصهيوني ثغرة من المفروض السيطرة عليها والاقتراب عبرها إلى منطقة الزبداني وتخوم دمشق لتحقيق بعض الأهداف الصهيونية وفي مقدمتها :
قطع الاتصال بين سورية ولبنان لفك ارتباط المقاومة اللبنانية بعمقها الاستراتيجي في محور المقاومة والصمود وخاصة بسورية لان هذا المحور كلما اقترب من الحدود مع فلسطين المحتلة بحسب نظرية العدو الصهيوني كلما ارتفعت القيمة الإستراتيجية لهذا المحور على الصعيدين الجغرافي والعسكري .
لهذا السبب فقد اكتسبت معركة القلمون أهمية إستراتيجية تجاوزت في عمقها الجيوسياسي منظومة القوة عند الجيش العربي السوري وحزب الله الذي حصن ميزان الردع في هذه المعركة والسيطرة على معظم المرتفعات القلمونية في زمن قياسي بالرغم من الهجمة الإعلامية الشرسة من قبل وسائل الإعلام المتصهينة التي اعتقدت متوهمة أن حربها النفسية على محور المقاومة والصمود ستضغط لتعطيل العملية العسكرية في القلمون لكن القيادة السورية وشركائها في حزب الله تعاملوا مع الأمر كأنه لم يكن وقرروا ملاحقة فلول العصابات الإرهابية وحقق الجيش العربي السوري وشركائه في المقاومة نتائج تجاوزت حدود المتوقع بعد العمليات العسكرية الهجومية السريعة والرشيقة والسيطرة على معظم المرتفعات القلمونية مما أزعج مجرمي الحرب الصهاينة وعملائهم الصغار من الأنظمة المتصهينة في الخليج وتركيا
لذلك فإن التحولات الإستراتيجية لمعركة القلمون تعتبر رسائل للعدو قبل الشقيق والصديق ومن أهمها :
أما الرسالة الأولى والمهمة كانت موجهة للعدو الصهيوني بشكل مباشر وخاصة أن سلطات الاحتلال الصهيوني تدرك أكثر من غيرها أن وجود المقاومة عفي المرتفعات القلمونية من قمم السلسلة الشرقية ستوفر الحماية الهامة لمنظومتها وتجسد النظرية الإستراتيجية الرادعة بشكل علمي وعملي في مواجهة العدو الصهيوني بعد تأمين السيطرة على مناطق واسعة من الجبهة الجنوبية مع الجيش الصهيوني المحتل مما يعزز قدرات المقاومة بعد توحيد الجبهات مع العدو الصهيوني من الناقورة حتى نهاية جبهة الجولان مع العدو الصهيوني المحتل والتحكم بها بشكل أفضل بعد مراقبة تحركات العدو .
لهذا السبب تعمدت سلطات الاحتلال الصهيوني استنفار أجهزتها الاستخباراتية على الصعيدين التقني والبشري لمتابعة سير العمليات العسكرية في القلمون وأساليب القتال المعتمدة وطبيعة ونوعية الأسلحة المستخدمة في المعارك وخاصة بعد استخدام المقاومة في هذه المعركة الطائرات بدون طيار والمسلّحة منها على وجه التحديد حيث بدَت هذه الطائرات قادرة على التعامل مع أي هدف متحرك أو ثابت سواء كان أفراداً أو آليات خفيفة .
لذلك فإن توقف سلطات العدو الصهيوني كثيرا عند تفاصيل التفاصيل يدل على أهمية هذه العملية العسكرية المهمة في القلمون لأنه كما أشار احد الخبراء العسكريين في سورية في تعليق مهم على هذه العملية بقوله ” إن إنهاء الوجود التكفيري في تلك المناطق اسقط حلم العدو الصهيوني بالشريط الأمني العازل لأن هذه المعركة ستكون حاسمة للقنيطرة والجولان المحرر وإنهاء مبدئي للتدخل الصهيوني من تلك المنطقة ” .
ومن جانب أخر والأهم فإن اهتمام سلطات العدو الصهيوني بنتائج معركة القلمون سيفرض على وزارة الحرب الصهيونية محاكاة سيناريو مماثل في الجليل وما بعد الجليل كما وعد سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله وخاصة أن جغرافية الجليل أقل وعورة من منطقة القلمون وهذا من أهم أسباب الرعب الصهيوني من حسم معركة القلمون بسرعة قياسية أسقطت خيارات كل المراهنين على مشاريعهم ومخططاتهم التي تحطمت تحت أقدام الجيش العربي السوري وشركائه مقاتلي حزب الله الأشاوس .
أما الرسالة المهمة الثانية فكانت موجهة بشكل أساسي لشركاء العدو الصهيوني من الأنظمة المتصهينة وفي مقدمتهم النظام الوهابي التكفيري السعودي والنظام الاخونجي الاردغاني التركي والنظام القطري الذين أفقدتهم نتائج المعركة توازنهم وخاصة من خلال تعليقاتهم في وسائلهم الإعلامية المتصهينة التي تمثلت في التصريحات الهستيرية بعد تأكدهم من هزيمة عصاباتهم الإرهابية المتناحرة التي راهنوا عليها في تهديد دمشق قلب العروبة النابض حمص وسط سورية بالإضافة لتهديد لبنان الموجود بالأساس على أجندة خرائطهم العدوانية وغرف عملياتهم السوداء في عمان واستنطبول .
وهذا يعني أن كل الجهد العسكري ولاستخباراتي الذي استغرق سنوات وإمكانيات مالية وتجهيزات وإعداد وخطط لهذه العصابات قد ذهب في مهب الريح وهو أمر ستزيد نتائجه السلبية على هذه الأنظمة المتصهينة بعد تحوّل هذه العصابات الإرهابية من قوّة ضاغطة إلى قوة مهزومة وعبء عليهم وعلى شركائهم مجرمي الحرب الصهاينة مثل جيش لحد المهزوم .
أما الرسالة الأخيرة المهمة كانت موجهة للشعب العربي السوري ولكل شرفاء الأمة وأحرار العالم
والتي تؤكد على أهمية إعادة النظر في تركيب الجبهات وفعاليتها على الأراضي السورية بعد النتائج المشرفة لمعركة القلمون التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من حسمها ليؤكد الجيش العربي السوري انه كان وما زال القوة الضاربة مع شركائه في المقاومة المتحكمة بزمام المبادرة بعد السيطرة على القلمون وتثبيت قواعد الحماية والإسناد .
وفي هذا السياق سيتم رفد الجبهات الأخرى بعشرات الآلاف من الجنود لتخفيف الضغط عنها وخاصة في الشمال والجنوب السوري بالإضافة لريف دمشق وريف حمص الجنوبي والشرقي لتهشيم الخطة الرابعة الأمريكية بأهدافها العدوانية الإجرامية كمقدمة لتحطيمها وحسم الحرب العدوانية لمصلحة الشعب العربي السوري بالرغم من التعقيدات والإشكالات والإخفاقات في هذه المعركة أو تلك كما حصل في إدلب وجسر الشغور وبصرى الشام وتدمر لكن هذه الخروقات ستبقى محدودة ولم يكن لها تأثير سوى المناورة لتخفيف ضغط الجيش العربي السوري على جبهات أساسية مثل الجبهة الحلبية وجبهة الجولان ودرعا وإدلب وجسر الشغور وهذا بفضل التخطيط والإعداد السليم من قبل القيادة السورية برئاسة الدكتور بشار الأسد لفرض المزيد من الضغط على العصابات الإرهابية والإمساك بمفاتيح المعادلة الإستراتيجية لدحر العصابات الإرهابية بالكامل عن صدر الأراضي العربية السورية كمقدمة لإعلان النصر الكبير الذي سيكون انتصاراً لسورية وشركائها في محور المقاومة والصمود والى حلفائها على الصعيد العالمي وفي مقدمتهم روسيا .