عاصمة الشهداء وأم النجباء – مي أحمد شهابي
رغم الصدمات المتوالية التي تتلقاها حكومة الاحتلال الصهيوني كل يوم تقريباً. ورغم تحذيرات المقاومة الشريفة ، وبكل أطيافها للاحتلال الصهيوني، والتي كان آخرها تصريحات السيد حسن نصرالله بأنه لن تكون هناك مناطق آمنة في (إسرائيل) إن فكرت أن تبدأ حرباً. والهزيمة الإعلامية والمعنوية الشديدة الأثر، والذي تلقاها الجيش الاحتلال الصهيوني الجبان، حين فر جنوده أمام طفلين فلسطينيين هاجما ثلة من الجنود المدججين بالسلاح.
لم يدرك الكيان الصهيوني بعد أن العالم الحر قد سئم من احتلالها وممارساتها وعنصريتها لأرض وشعب فلسطين، أرض قدستها كل الأديان، واحترمتها شعوب الأرض، وشعب أقسم، ومنذ بزوغ فجر التاريخ الحديث، على حمايتها، والذود عن مقدساتها.
أو لعلّ الكيان الصهيوني المحتل، وصنيعة الاستعمار وآل روتشيلد ، يدرك ولا يأبه، وقد عزمت على أن تواصل السير في طريق لم يجلب لمن سار عليه (كنظام الابرتهايد في جنوب إفريقيا) إلاّ الفشل والهزيمة والعار. وقصص التاريخ كثيرة على ذلك، رغم عته الصهاينة، وغطرستهم العمياء، والتي لن تقودهم إلا إلى حتفهم، في نهاية المطاف.
ومن أجل تلك التربة الطهور، والتي أريقت فوقها أزكى الدماء، توارثت أجيال الشعب الفلسطيني راية الكفاح، وبشتى أنواعه، من أجل استعادة الحرية، ولذلك كانت، ولا زالت تتوالى سلسلة عمليات فدائية، تنطلق من كل مناطق ومدن وبلدات فلسطين، مستهدفة تجمعات جيش الاحتلال الصهيوني، وعلى الرغم من أنها كانت ــ في معظمها ــ عمليات استشهادية، يعلم أبطالها بأنهم سيرتقون شهداء فدوى لفلسطين.
وبما أن الشعب الفدائي لم يعجز الوسيلة، فقد تباينت العمليات الاستشهادية بين الخطف والطعن والدهس، وعمليات الاقتحام والاشتباك المباشر مع جيش الاحتلال على حدود المدن الفلسطينية، في حين جاءت هذه العمليات بسبب حالة الاحباط الكبيرة التي أصابت الشباب الفلسطيني سواء في الضفة أو القدس أو حتى في غزة.
ولذلك، فقد كان المشهد هو ذاته في كل العمليات، ولكن مع قليل من الاختلاف في الأسلوب والتكتيك. ومن جهة أخرى، فإن السياسة الصهيونية تجاه الفلسطينيين لا تزال تسير في الاتجاه المعاكس، وبأنه لا حل سياسي مع الفلسطينيين، رغم تفاهمات هنا أو تسهيلات هناك، أو حتى اللجوء إلى سياسة مراوغة في كل مكان، كاستهداف المسجد الأقصى يومياً من قبل المستوطنين الصهاينة، وتحت حماية الشرطة الصهيونية ضمن مخطط تقوده حكومة اليمين المتطرف لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، وتعويد الفلسطينيين على هذا المشهد بالقدس، وذلك في غياب خطة سلام حقيقية، يطرحها الكيان الصهيوني، والتي لن تكون سوى الخطة الأمريكية التي يرفضها الفلسطينيين على اختلاف ألوانهم السياسية ودون استثناء، وحيث ولا حلول قريبة في الأفق لحالة الحصار المالي والسياسي الخانقة.
وبالتالي، فإن المشهد الآن يُدخل الفلسطينيين في حالة من الغليان والانتفاض الذاتي، ومعهم الفصائل المتأهبة لاستهداف الكيان الصهيوني الغاصب.
وقبل أيام فقط ، أقدم طفلين من مدينة القدس في الهجوم على جنود الاحتلال المدججين بالسلاح والعتاد، وبغض النظر عن النتيجة لهذا العمل المقاوم، وحيث لم يتمكنوا من قتل جنود الاحتلال، إلا أن الأهم هو أن هؤلاء الأطفال والذين لم تتجاوز أعمارهم أربعة عشرة عاماً، استطاعوا تحقيق الانتصار المعنوي والنفسي، ودب الذعر في جنود الاحتلال، وإلحاق الهزيمة المذلة النفسية والأخلاقية، وعلى الأخص حين قام جنود لاحتلال بإطلاق الرصاص على هؤلاء الاطفال، وأمام كاميرات وسائل الإعلام.
الأمر الذي جعل راية فلسطين تتمخض من جديد بتلك الدماء الطاهرة الفتية، والزكية. وهنا يبرز السؤال: من علم هؤلاء الفتية اليافعين معنى حب فلسطين، ومعنى التضحية بالغالي من أجلها؟. من علمهم قوة القلوب، وجبروت تحدي الموت، وشجاعة الرجال؟ .
ولا جواب سوى بعبارة موجزة: إن فلسطين تسري بالدم الذي أصبح منها، وإليها. والأيام سجال…