عالم يبول على نفسه
نضال حمد
نعيش في عالم لا يحترم الضعفاء وقبل أي شيء لا يعير العرب والمسلمين والمشرقيين أي أهمية، حتى أنه بالكاد يعتبرهم بشراً موجودين مع الآخرين في هذه الكينونة الواسعة وفي الدنيا الشاسعة وفي عالم اليوم…
نعيش في ظل أنظمة تبول على نفسها وفي لباسها خوفا وهلعا ورعبا من عصا أمريكا الغليظة حين يتعلق الأمر بالأقوياء ولغة اليد الإلهية التي ابتدعتها الإدارة الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول الدموية.
بينما يقوم النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالبول على القانون الدولي ليل نهار وعند قضاء الحاجة اليومية يطلع رئيسه في مؤتمرات صحفية ليدافع عن إرهاب مخابراته وسجانيه في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب وغيرها، وليبرر جرائم جيشه وأحتلاله بحق الأبرياء في بلاد الغير حيث يعيث الأمريكيون والصهاينة بالأمن الدولي والاقليمي. ولا ينسى أن يدين المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لأنها أشارت نحوه بأصابع الاتهام، فبلاده هي التي ترعى إرهاب وتعذيب الأسرى وأعتقال ومحاصرة العرب والمسلمين. وتمارس خروقات منتظمة ومبرمجة لأبسط حقوق الإنسان المدنية والقانونية، ولحقوق الأسرى والمعتقلين في سجونها الداخلية والخارجية.
يأتي بعدها من يردد كبوق أو ببغاء ليقول أنها الحرب على الإرهاب.. مع أنها حرباً على العروبة والعرب والشرق والإسلام. حرب ترسيخ هيمنة كيان (إسرائيل) الغريب والدخيل، ومَدْ سيطرته من الفرات إلى النيل.
القيادة الأمريكية التي تحكم العالم ليست متزوجة من (إسرائيليات) كما حال رؤساء بعض جمهوريات الموز لكنها على علاقة تكاملية، قوية،غريبة وعجيبة مع الصهيونية العالمية. إذ جعلت نفسها الحامي والمحامي والمنفذ لمخططات الحركة الصهيونية في العالم. فخاضت حروب (إسرائيل) العدوانية كلها بشكلين مباشر وغير مباشر، وكانت أحدث تلك الحروب، الحرب على الإرهاب والديكتاتورية والأسلحة المحرمة دولياً والأنظمة (المارقة) من أفغانستان حتى العراق حسب الوصفة الأمريكية الصهيونية. وكأن الترسانة النووية (الإسرائيلية) الهائلة والمرعبة ليست سوى دُمَى للأطفال من صنع شركة باربي.
هذه القيادة الأمريكية التي يمارس سجانوها ومحققوها سياسة التعذيب والإذلال في المعتقلات الأمريكية، هي التي تحمي الرؤساء والديكتاتوريات في الشرق العربي وفي العالمين الاسلامي والأمريكي اللاتيني. وهي التي توظف رؤساء دول وملوك وأمراء ومشايخ وكاردينالات ووزراء دول كبيرة وصغيرة خدمةً وخَدَمَاً لسياستها ومآربها التوسعية. وهي التي حولت الألماني يوشكا فيشر من يساري متطفل وفوضوي إلى بوق أمريكي صهيوني. ويمكن للبعض نزع أقنعتهم والتحول حين يتعلق الأمر بقضايا الصراع العربي الصهيوني.
الإدارة الأمريكية وسياساتها جعلت جاك سيترو وزير خارجية بريطانيا يلعب دوره الأمريكي كما ينبغي لعبه. وهي التي تريد تغيير عادات وتقاليد ومفاهيم وثقافة وتربية العرب والمسلمين، لتجعلهم يتربون ويتثقفون أمريكياً وصهيونيا بغية وضعهم في الجيب.
هذه الإدارة الأمريكية هي التي تأمر باستخدام وسائل غير معتادة في التعذيب والتحقيق مع المعتقلين العرب والمسلمين في سجونها. مثل اللجوء إلى محققات إناث لإثارة المعتقل وكذلك للموسيقى الصاخبة لإبقائه متيقظا بالإضافة لإجباره على التبول في لباسه والنباح مثل الكلاب. كما أنهم يستعملون الموسيقى الصاخبة وخاصة أغنية المطربة كريستينا اغوديليرا حيث يسمعونها للمعتقلين كي لا يتمكنوا من الراحة والخلود للنوم.
هناك في الهولوكوست الغوانتانامي والغولاغ الأمريكي لا يوجد أي قوانين وحقوق إنسانية أو قانونية لأي معتقل، لان قانون الغاب الأمريكي هو الذي يتحكم بحياة 550 معتقلا إعترفت بهم الإدارة الأمريكية في سجونها، هذا عدا عن الذين لا أحد يعرف مصيرهم وعنهم أي شيء، ولا تعترف بهم أمريكا والدول (مثل العراق وأفغانستان ) التي تستضيفهم سجونها السريّة والعلانيّة.
في ” غولاغ” أبو غريب في العراق حيث يهان ويحتقر ويذل السجناء والأسرى تكشفت حقائق مصورة فظيعة، ولم تقم الدنيا أو تقعد بسببها ببساطة لأن الضحية عربي والمجرم أمريكي.
وهذا أيضا ينطبق على ما تكشف من حقائق عن ممارسات الأمريكيين في سجون الاحتلال بأفغانستان والعراق و سجن جزيرة غوانتانامو، كذلك على ممارسات السجانين ضد الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني .
إن آخر من يحق له هذه الأيام التحدث عن السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان هو الإدارة الأمريكية التي تعتبر أهم راعي لإرهاب الدولة المنظم. وليس هناك في هذا الزمن ما يمنع أمريكا من تهديد أي كائن كان لأتفه الأسباب. فقد وصل بها الأمر حد تهديد فرنسا وألمانيا لعدم رغبتهما شن الحرب على العراق.
ولم يكتف أركان إدارة بوش بذلك بل أنهم بعد هجمات 11 أيلول الدموية إعتبروا أنفسهم يداً إلهيةً وحامياً للعدالة (على طريقتهم) في عالمنا.
هذا العالم الذي لم يعد يلف ويدور بل توقف عن الدوران واللف حتى دخل تحت عباءة الإدارة الأمريكية. لكن ورغم هذا فهناك على هذا الكوكب الذي اسمه الأرض بعض من قال ويقول ويستطيع أن يقول لا للاحتلال الأمريكي ويعمل ضده منذ سقوط بغداد. ومنهم
الذين يقاتلون الاحتلال في العراق ويدافعون عن أرض وقيّم وشرف الأمة العربية.
لكن في المقابل هناك كيان مارق وحيد في العالم يستطيع ترويض الثور الأمريكي الهائج وهو كيان الاحتلال (الإسرائيلي) في فلسطين العربية. فقادته يقولون علنا أنهم يرفضون كذا وكذا من مطالب الإدارة الأمريكية ولا يلتزمون بأي قرار دولي لا يعجبهم أو لا يلبي مصالحهم، كما أنهم يرفضون لقاء أركان الإدارة الأمريكية ولا يوافقون على عقد مؤتمرات صحفية معهم بعد انتهاء المحادثات الثنائية. في الأعراف الدبلوماسية هذا يعني ويعبر عن عدم رضا وحماس طرف من الأطراف للطرف الآخر. وهذا بالضبط ما قام به شارون حين إستبق الزيارة المرتقبة لرايس وأعلن رفضه طلبا أمريكيا لعقد مؤتمر صحفي مشترك مع كونداليزا رايس وزيرة خارجية الإدارة الأمريكية والتي ستصل المنطقة يوم الغد.
يعني بإمكاننا القول أن هناك في الدنيا من لازال يستطيع قول كلمة لا ومن يمكنه رفض المطالب الأمريكية. فها هو شارون الذي يبول على الضعفاء في منطقته وعلى الأقوياء بلغته العنجهية يقولها لا مدوية. لكن في المقابل هناك أيضا اللا العربية المقاومة، القوية التي نسمعها كل يوم في بلاد الرافدين وعاصمة المقاومة بغداد، لا عربية تلتقي وتمتزج مع لا الشعب الفلسطيني ومقاومته الشامخة التي مازالت تقاوم المشروع الصهيوني الأمريكي في فلسطين المحتلة بالرغم من طوفان البول الأمريكي الذي أخذ يجتاح العالم كله بغية إغراقه.
17/06/2005