عبد الستار قاسم “ضمير الشعب الفلسطيني” الذي ترجل – عادل أبو هاشم
فقد الشعب الفلسطيني و الحركة الوطنية الفلسطينية بوفاة الاديب الجسور والمعلم الشجاع والضمير الحي رجل المواقف والمبادئ الدكتور عبد الستار توفيق قاسم يوم الاثنين 1 /2 /2021م فارس من فرسان الاعلام والمقاومة ، و أحد أهم رموزه الوطنية في مسيرته النضالية .
وفقد الشعب الفلسطيني نبراساً و ثائراً ومناضلاً و مفكراً صاحب كلمة شجاعة و هادئة و عاقلة و ثورية في نفس الوقت .
كان الدكتور عبد الستار قاسم يوصف بـ ” ضمير الشعب الفلسطيني ” لتواضعه وعفته وزهده ودماثة خلقه .
كانت أرض فلسطين و مقدسات فلسطين وشعب فلسطين و حجارة فلسطين هي هاجسه الأول و الأخير ، فهي الهدف و هي الغاية ، وهي الحلم الوردي للفلسطيني ، وهي الأمل في الحياة الكريمة لشعبها الأبي .
كان ــ رحمه الله ــ في حركة دائمة وفي نشاط متواصل .. يحلم بفلسطين .. يفكر بفلسطين .. يعيش لفلسطين .. ومات شهيدا – باذن اللهً – من أجل فلسطين .
كانت كل كتاباته تمثل الكتابة الملتزمة بقضايا شعبه ، والمعبرة عن تطلعاته في الحرية والكرامة .
كانت الحقيقة بارزة في كلمته ، و الفكرة واضحة في حديثه، فلا مكان للمجاملات على حساب الشعب و المبادئ، وكم من الناس من غضب لصراحته أو كلمة حق يقولها ، فقد كان لا يخشى لومة لائم ، ويقيم الدنيا ويقعدها بحجة ثاقبة ورأي حصيف إذا دافع عن قضية أو مسألة .
قضى حياته مدافعا صلبا عن حرية وكرامة وطنه وشعبه وقضيته العادلة ، ولم يترك طريقة ولا اسلوبا نضاليا وجهاديا الا تصدى به للعدو الصهيوني ، ولرموز الفساد والافساد في اروقة السلطة الفلسطينية التي اودعته السجن اكثر من مرة ، والتهديد باغتياله ، واطلاق الرصاص المباشر عليه وحرق مركبته .. !!
لقد كان في ” عبد الستار قاسم ” من صدق الثائر وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله ، فيثير فيه بكلماته و أعماله موجات متلاحقة من التأزم فيجعل هذا الواقع قلقا مستنفرا يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة ، وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات .
لقد عظم الكلمة في فكرة وعقيدته و نضاله وكفاحه اليومي ، فكان فارسا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين العمل والمعرفة الوطنية .
كان صاحب حجة قوية وعقل منظم وذهن وقاد ، تتدافع الأفكار في رأسه كأمواج البحر .. تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الأعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تنقطع أبداً .
آمن بأن الكتابة الملتزمة ( وهي هوايته وقناعته ومعاناته في آن واحد ) لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي ، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط ، ولا المهادنة ، ولا التأجيل ، ولا الاستراحة ، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة ، ولا الدبلوماسية ، ولا التلفيق ، ولا الاصطناع .
تبنى بقلمه الثائر قضايا الشعب ، وكان صوتا يدافع عن المظلومين ، وسوطا يسلخ جلود الفاسدين والمفسدين والطغاة .
كان قلما ثوريا متحركا يسير على الارض ، وضميرا حيا لا يقبل الضيم ولا الظلم .
لم يأمن من مكر ازلام السلطة ، فكان كثير التحذير من مؤامراتهم ودسائسهم سواء عبر كتاباته ، او عندما تجمعه جلسات مع طلابه وزملائه ، لذلك تعرض لاكثر من محاولة اغتيال واعتقال من ابناء جلدته .. !!
لقد علمنا الدكتور عبد الستار قاسم دروساً كثيرة في الانسجام والصدق والاحتراق من أجل القضية ، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينياً ، و ” الفلسطينية ” ليست انتماء الوراثة و الهوية والحنين إلى أشياء ضائعة وانتظار الزحف العربي لتحرير فلسطين ، إنما ” الفلسطينية ” معناها ثورة ، تغيير ، وتفجير ، وإبداع .
كان عبد الستار قاسم درس سياسي وأدبي أخلاقي معاً ، لم تذهب لحظة من حياته سدى ، فقد كان ملحمتين : ملحمة شعب ، وملحمة إبداع .!!
لم يكن في حياته وفي التـزامه مجرد شخص اختار طريق المقاومة والكتابة الثورية الملتزمة بقضايا شعبه ، بل كان إلى جانب ذلك نموذجـًا بارزًا لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل ، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل ومن خلال تعبيره عنه بالكتابة الثورية والكلمة الحرة الأبية اكتسب قيمته كمعلم وكرمز من رموز هذا الجيل .
كل كتابة عن ” عبد الستار قاسم” ستكون ناقصة ، لأن قضيته هي قضية مسيرة المقاومة ضد المحتل ، هي قضية الجيل الذي يكسر قيد المحتل و يصنع الأنتصار ، وهي قضية لم تكتمل بعد .
حق فلسطين علينا ألا نبكيه ، وحقه علينا أن نغبطه شرف الاستشهاد على الأرض التي أحبها و أحبته .
.ترجل ” ضمير الشعب الفلسطيني ” عبد الستار قاسم .
ترجل وترك خلفه مدرسة ” الضمير الحي ” لينهل منها كل صاحب ضمير حي .
ترجل وترك جيلا تخرجوا من مدرسته التي ستبقى شاهدا على ظلم ذوي القربى .
ترجل كما يترجل الفرسان … أغلى الفرسان …أصدق الفرسان … وأندر الفرسان .
مناضلاً عاش … ومناضلاً مات .
إنما الحقيقة القاسية والبشعة تبقى : لقد خسرنا هذا الرجل بإخلاصه وقدرته وجرأته وتضحياته .
خسرنا هذا الرمز بصوته المشجع ونبرته المحذرة وقلمه الجبار وقلبه الواسع .
وداعا ايها الرمز الفلسطيني …
وداعا يا من اصبحت سيرته درسا لاجيال واجيال ، ومسيرته مصدر الهام لكل الاحرار ، وتاريخه طريقا يقتدى به .
ولسوف نفتقدك كثيراً.. ولسوف نفتقدك طويلاً .
عبد الستار قاسم “ضمير الشعب الفلسطيني” الذي ترجل – عادل أبو هاشم