عجباً له! فهو الذي قال:”السكوت عن الفساد… فساد”!!! – د أيوب عثمان
لا يختلف وطني في رأسه بعض عقل مع ذلك الرجل الذي صدع رؤوسنا وهو يحرضنا ضد السكوت عن الفساد قائلاً:”السكوت عن الفساد… فساد”، وهو عنوان اختاره لمقال نشره منذ سنوات، غير أن كثيرين – وأنا منهم إن لم أكن في صدارتهم – يختلفون مع ذلك الرجل ليس في دعوته إلى عدم السكوت عن الفساد واعتبار الساكت عن الفساد فاسداً أيضاً، بل إن الساكت عن الفساد هو الأكثر فساداً. فالذي يقول:”السكوت عن الفساد… فساد” ينبغي له ألا يسكت عن الفساد – بل ينبغي له أن يحاربه – أينما ووقتما وجده ووضع يده عليه وملك الدليل على إدانته، مهما دفع لقاء ذلك من أثمان عالية الكلفة، على المستوى المادي أو المعنوي أو الاجتماعي أو الوطني.
السؤال الكبير والمحرج والخطير – كما ينبغي له دائماً أن يكون – هو:”إذا كان الفساد مؤلماً لصاحب المقال:”السكوت عن الفساد … فساد”، وإذا كان السكوت عن الفساد هو أشد إيلاماً له، فلماذا نراه اليوم يغمض عينيه ويلغي عقله ويصم أذنيه عن فساد طاغٍ وفاضح في جامعة اعتلى حديثاً صهوة مجلس أمنائها فلم يسكت عن الفساد فيها وحسب، بل فتح الطريق للفساد ومارسه فكان رأس الحربة في توجيهه وفي قيادته، وسأشير هنا إلى مثالين اثنين فقط:
الأول:مخالفة القانون
إذا كانت أنظمة الجامعة وقوانينها (المعمول بها قبل صدور قانون التعليم العالي الجديد لعام 2018 والذي حدد ولاية رئيس الجامعة لثلاث سنوات فقط يجوز تمديدها مرة واحدة) تقضي بأن ولاية رئيس الجامعة لأربع سنوات فقط يجوز تمديدها مرة واحدة فقط، فكيف لرئيس مجلس الأمناء الجديد – الذي يؤمن بأن “السكوت عن الفساد… فساد” – أن يقوم بتعيين رئيس للجامعة ذات الشخص الذي استمرت رئاسته للجامعة ثمان سنوات متواصلة وزاد عليها أكثر من شهرين، وهو ذات الشخص الذي انتهت رئاسته للجامعة قبل نحو أربعة أشهر حيث تسلم رئاسة الجامعة شخص آخر!!! فإذا كان رئيس مجلس الأمناء الجديد – وقد كان أستاذاً في هذه الجامعة – يعلم أن ولاية رئيس الجامعة أربع سنوات فقط يجوز تمديدها مرة واحدة فقط لأربع سنوات أخرى، فكيف يتجرأ رئيس مجلس الأمناء الجديد على أنظمة الجامعة وقوانينها فيقوم بتعيين ذات الشخص الذي ترأس الجامعة دورتين كاملتين لثمان سنوات وشهرين؟! أليس هذا فساد يمارسه من قال وما زال يقول:”السكوت عن الفساد… فساد”؟!
وفي سياق مخالفة القانون أيضاً، نسأل رئيس مجلس الأمناء الجديد الذي اكتظت مقالاته بالدعوة إلى – بل والتحريض على – محاربة الفساد:
1. ما الذي أجبر رئيس مجلس الأمناء الجديد على إعادة تعيين من أمضى دورتين رئاسيتين لثمان سنوات بزيادة شهرين رئيساً للجامعة في ذات الوقت الذي يعلم فيه أن هذا التعيين ليس إلا انتهاكاً للقانون، فيما انتهاك القانون ليس إلا الفساد بعينه؟!
2. ما الذي أجبره على إعادة تعيين من انتهت ولايته الرئاسية قبل نحو أربعة أشهر في ذات الوقت الذي يعلم فيه أن الجامعة فيها ما يزيد على ستين أكاديمياً ممن يتمتعون بمرتبة الأستاذية في تخصصات مختلفة، الأمر الذي يعد مخالفة أخرى لأنظمة الجامعة وقوانينها، فضلاً عن مخالفة ذلك للأصول الأخلاقية وللطبائع البشرية السليمة؟!
3. أما كان في مكنته تعيين رئيس للجامعة من بين ستين أكاديمياً يتمتعون بمرتبة الأستاذية في علوم مختلفة في هذه الجامعة؟! أم أن اختياره رئيساً لمجلس الأمناء قد تم قصداً كي يتجاوز القوانين والأنظمة فيأتي بهذا الذي أتى به رئيساً للجامعة دون غيره؟! ألا يعد فعله هذا هو فعل الفساد بعينه وهو الذي صدع رؤوسنا بالحديث عن الفساد وبتحريضنا على عدم السكوت عن الفساد، بل ومحاربته؟!
4. ألا يعرف رئيس مجلس الأمناء الجديد – وهو أكاديمي يتمتع بمرتبة الأستاذية في العلوم السياسية – ما للتغيير من أهمية في تقدم المجتمعات والدول والمؤسسات؟! ألا يعرف أن من أمضى في رئاسة مؤسسة لثمان سنوات أو أكثر لن يكون – البتة – في مكنته أن يأتي بأكثر مما أتى به، حتى ولو كان مبدعاً، فكيف إذا كان هو من عرفه (رئيس مجلس الأمناء الجديد) وأعرفه كما يعرفه غيري؟!
5. هل رأى أن أكاديميي الجامعة الستين المتمتعين بمرتبة الأستاذية لا يصلح أحد منهم لرئاسة الجامعة لأنه ليس مؤهلاً بالفساد، وليس مؤهلاً بجريمة التزوير؟!
الثاني: اعتبار رئيس مجلس الأمناء الجديد التزوير مؤهلاً لتعيين – بل إعادة تعيين – رئيس الجامعة
على الرغم من أن ما قام به رئيس مجلس الأمناء الجديد – وهو أستاذ في هذه الجامعة وتقاعد منها – من تعيين رئيس للجامعة ذات الشخص الذي أمضى رئيساً لها دورتين كاملتين لثمان سنوات وزيادة شهرين، هو أمر مخالف لقانون التعليم العالي ومخالف أيضاً لأنظمة الجامعة وقوانينها، إلا أن رئيس مجلس الأمناء الجديد يختار رئيساً للجامعة من مارس أعمال التزوير فيها باعتبار ممارسة التزوير مؤهلاً يوجب التعيين في وطن محتل ومنقسم ومحاصر.
أليس معيباً أن تصدر هذه الأفعال المشينة عمن أمطر الناس بمقالات وكأنه نذر نفسه لمحاربة الفساد وللتحريض على الساكتين عنه؟! أليس مشيناً أن يصدر هذا الفعل الفاسد عمن كان عنوان أحد مقالاته:”السكوت عن الفساد… فساد”، وعمن قال:”محاربة الفساد والفاسدين لا تقل أهمية وخطورة عمن يحارب الاحتلال، وعمن قال:”الفاسدون مثلهم مثل الاحتلال يحاولون تتفيه وشخصنة الأمور حتى يفرغوها من مضمونها الوطني لأنهم لا يؤمنون بشيء يسمى (وطني) وينظرون بازدراء للشعب ولقواه الوطنية”، وعمن قال:”لا يكفي أن تنفي حركة فتح وبقية القوى السياسية عن أنفسهم تهمة الفساد، بل المطلوب منهم أن يحاربوا الفساد، فالساكت عن الفساد فاسد أيضاً؟! وألا يؤمن رئيس مجلس الأمناء الجديد اليوم ما كان يؤمن به بالأمس وهو أن ممارسة الفساد أو حتى السكوت عنه خيانة؟!
أليس من العيب أو من الفساد أن يقول المرء ما لا يفعل أو أن يفعل خلافاً لما يقول، وهو ما يستجلب مقت الله سبحانه، وهو القائل في محكم التنزيل:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ”؟!، إن من يقول واعظاً ومحرضاً بصدق:”السكوت عن الفساد… فساد” لا يمكن – ولا ينبغي له – أن يكون انتقائياً، فيعتبر فعلاً ما فساداً كثيراً وخطيراً فيحرض على مقاومته وفتح كل النيران عليه، فيما يداهمنا فعل آخر هو في حقيقته أقذر الفساد وأخطره، لكنه لا يراه فساداً، فيكون ما لديه من فعل حياله هو إما أن يبرره أو أن يقلل من شأنه أو أن يدافع عنه على أنه ليس من الفساد في شيء، وإما أن يشيح بوجهه عنه وكأنه لم يره ولم يسمع عنه، وهو ما كان منه في أيام أستاذيته في هذه الجامعة التي ظل يرى فيها الفساد مختلفةً أسماؤه وألوانه وأشكاله، صباح مساء، حتى أن أعمال التزوير الكبيرة والخطيرة التي مارسها رئيس الجامعة الذي أتى به (رئيس مجلس الأمناء الجديد) بعد أن ظل لثمان سنوات رئيساً للجامعة لم تكن إلا فساداً كثيراً وخطيراً ضمن منظومة فساد متكاملة من الأعلى إلى الأسفل.
وبعد، فإنه إن صح قول رئيس مجلس الأمناء الجديد:”السكوت عن الفساد… فساد”، فكيف يصف رئيس مجلس الأمناء الجديد نفسه وقد شهد كبير وكثير فساد في جامعة كان بالأمس أستاذاً لعلم السياسة فيها، وأصبح اليوم رئيساً لمجلس أمنائها؟! هل وقف رئيس مجلس الأمناء الجديد وقت كان أستاذاً في هذه الجامعة ضد فساد أكاديمي (رئيس الجامعة) رأى السابقون في فساده وتزويره مؤهلاً لتعيينه رئيساً للجامعة فأراد اللاحقون فعل ما فعل السابقون إذ شكل الفساد والتزوير لهم عامل جذب فعينوه رئيساً للجامعة مرة أخرى؟! وبناء على قليل مما فات وكثير مما هو آت، فإننا نسأله عما إذا كانت أستاذيته (رئيس مجلس الأمناء الجديد) وأكاديميته – لو اعتبرناها للأكاديميين مثالاً – ما تزال تلقى ما تستحق من تعظيم وإجلال ومهابة، أو احتقار وقلة اعتبار ومهانة؟! أما زال رئيس مجلس الأمناء الجديد يذكر – وقت أن كان أستاذاً في الجامعة – جرائم قمع حرية الرأي والاعتداء على حرية الكلمة والتنكيل بها وبأصحابها في الجامعة التي أصبح الآن رئيساً لمجلس أمنائها؟! أما زال يذكر إغلاق الجامعة تحت مبررات لا وطنية ولا أخلاقية ولا دينية؟! وهل من فعل أتى عليه في ذلك الزمان دفاعاً عن حرية الرأي والكلمة؟! وهل من موقف كان له – صغيراً أو كبيراً – حيال إغلاق الموقع الالكتروني لنقابة العاملين المنتخبة التي لا ولاية ولا سلطان لأحد عليها إلا هيئتها العمومية؟! بل هل كان له موقف – أي موقف – من إغلاق رئيس الجامعة الذي عينه لمقر نقابة العاملين بالجنازير، تنفيذاً لأوامر رئيس مجلس الأمناء السابق؟! وهل كان له موقف من إغلاق رئيس مجلس الأمناء السابق قاعة الشيخ محمد عواد بالجنازير لمنع العاملين من عقد اجتماع هيئتهم العمومية، ما اضطر العاملين إلى عقد اجتماعهم تحت أشعة الشمس وفي العراء؟! هل انتصر رئيس مجلس الأمناء الجديد للحرية ضد قمعها ودافع عنها ضد الاعتداء عليها وقت أن كان أستاذاَ في هذه الجامعة ؟! هل من جواب؟!
وإضافة إلى ما سبق، فهل رأى أو سمع رئيس مجلس الأمناء الجديد – الذي كان في الجامعة أستاذاً يرى نفسه على غير ما انبلج من حقيقته – عن أبحاث أو كتب سطا عليها ساطون من جامعتنا يقال إنهم أكاديميون نسبوها إلى أنفسهم ونالوا أجر سطوهم عليها وسرقتها من أصحابها؟! هل رأى أو سمع أن بعض المؤلفات قد بلغت نسبة السطو عليها حد السطو على حواشيها وهوامشها مع علامات الترقيم فيها؟! هل رأى بالأمس القريب أو سمع في الجامعة التي أصبح هذه الأيام رئيساً لمجلس أمنائها، عن حالات سطو في علم التربية أو علم الجولجيا وطبقات الأرض أو حتى في علوم القانون حيث سطا من يسوقون أنفسهم زوراً وكذباً على أنهم جهابذة على مؤلفات غيرهم بكاملها إذ لم يكن لبعض الساطين من إسهام غير أنه لبس وجها قبيحاً قُد من حجر حين وضع اسمه على ما أنتجه فكر غيره؟! ولعلنا نعفي رئيس مجلس الأمناء الجديد الذي كان في الجامعة أستاذاً وعميداً من الإجابة عن أسئلة فنتخيل أنه سيجيب قائلاً: لقد علمت بشيء من ذلك لكنني لم أرَ شيئاً، فنسأله:
1. ألست أنت من لم يقبل السكوت عن الفساد، تذرعاً “بعدم توفر وثائق وأدلة مؤكدة وجود الفساد”؟! وألست أنت من وجهت رسالة للأخ رفيق النتشة (أبوشاكر) رئيس هيئة مكافحة الفساد حتى لا تتحول مؤسسته إلى (شاهد زور) على ما يجري من فساد، وطالبته بألا يجلس وينتظر من المواطنين أن يأتوا له ليقدموا له شكاواهم عن الفساد والفاسدين؟! وألست أنت من كتبت في مقالاتك:”الساكت عن الفساد فاسد أيضاً”؟!
أما آخر الكلام، فمذكراً رئيس مجلس الأمناء الجديد الذي كان أستاذاً في الجامعة بقوله تعالى في سورة الصف:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ”، وقوله تعالى في سورة البقرة:” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ”، فإنني أتساءل، “أليس من أكبر الفساد أن يعظنا رئيس مجلس الأمناء الجديد ويحرضنا ضد الفساد بقوله:”السكوت عن الفساد… فساد”، وأن “الساكت عن الفساد فاسداً أيضاً”، فيما نراه لا يسكت عن الفساد فحسب، بل إنه يمهد له ويعبد دربه ويمارسه أيضاً؟! أليس من أكبر الفساد وأخطره أن يختار المسؤول المخول (رئيس مجلس الأمناء الجديد الذي كان في الجامعة أستاذاً) رئيساً للجامعة من يعلم أنه ارتكب في الجامعة جريمة تزوير ثابتة عليه ومتكاملة أركانها وقد اعترف بها، وأدين عليها، إذ صدر بحقه الإنذار النهائي بفصله من الجامعة حيالها؟! ربما قال رئيس مجلس الأمناء الجديد أو يقول في كل ما آتينا عليه شيئاً، وربما لا يقول أي شيء فيما قلنا لأنه لا يرى أو لا يريد أن يرى فيه فساداً صغيراً كان أو كبيراً! وربما يرى فيه ما يرى لكنه – ولسبب أو أسباب ما – يريد أن يشيح بوجهه عما يرى! وربما يريد أن يكون تبريرياً أو انتقائياً طبقاً لهوى لديه! وربما ليس كما نقول أبداً، على اعتبار أننا لا نعلم عن فكر الرجل وتفكيره ما يعيننا على بلوغ فهمه! وإلى أن نعلم عما أثرناه اليوم ما لا نعلم، فإننا نسأل الله سبحانه أن يعلمنا ما لم نكن نعلم.
بقلم الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
رئيس “جمعية أساتذة الجامعات – فلسطين”