عدوان أمريكي على سوريا – منير شفيق
العدوان العسكري الذي شنته طائرات جو بايدن على سوريا انطلاقاً من العراق، يعطي مؤشراً، لا يكذب، على ما يجب توقعه من سياسات أمريكية في عهد جو بايدن.
صحيح أن إدارة جو بايدن، كما هو شخصياً، أكدا على أن الأولوية في السياسة الأمريكية ستكون للديبلوماسية في معالجة الإشكالات التي تواجهها أمريكا. وهو ما طمأن الكثيرين، وجعلهم يتوقعون أن تلجأ أمريكا في ظل إدارة بايدن إلى سياسات بعيدة عن سياسات القوة (وهي أساساً عماد السياسات الأمريكية الدولية تاريخياً)، وإذا به يفتتحها عملياً، بهذا العدوان العسكري الصارخ والمُدان، والذي لم يمتلك مبرراً ملموساً، أو مقنعاً.
قد يستغرب البعض لو سمع من يقول منذ تسلم جو بايدن الإدارة الأمريكية أن الحرب في عهده أصبحت أشد احتمالاً مما كانت عليه بالنسبة إلى عهد ترامب وإدارته. وذلك بالرغم من أن الظاهر يقول العكس.
تاريخياً إن الحزب الديمقراطي الأمريكي هو صاحب السجل الأوسع في استخدام القوة العسكرية والحرب من الحزب الجمهوري. بل علينا أن نتذكر أن الحزب الديمقراطي الأمريكي هو من استخدم القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي، ومن دون سبب عسكري مباشر (كانت اليابان تفاوض على الاستسلام). ولم يكن هنالك من دافع سوى دافع الانتقام، والتأديب، وإرسال رسالة “سياسية” للعالم، بأن أمريكا تمتلك القنبلة النووية، ومصممة على استخدامها. فكانت رسالة تركيع للعالم، وترهيب للاتحاد السوفييتي، ولعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ثم إن الحزب الديمقراطي هو الذي كان وراء الحرب الكورية، وهي الحرب الأشرس بالنسبة إلى ضحاياها من كل الحروب التالية. وهنالك بالتأكيد عدة حروب أخرى في سجل الحزب الديمقراطي، بما في ذلك الحرب على فييتنام.
المهم بعد مرحلة دونالد ترامب إزالة كل وهم حول السياسة الأمريكية في عهد بايدن من حيث عدم استخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية، وهي رسالة كانت الصين أول من تلقاها، وقد ردت عليها، وكذلك روسيا. فالعالم سيدخل في عهد بايدن في مرحلة شديدة الخطورة من حيث استخدام سياسات القوة والحرب. وهذا عكس الظاهر الذي اتسّمت به سياسات دونالد ترامب التي اعتمدت على الجعجعة والضجيج من جهة وعلى العقوبات والحصار والاغتيالات، وفرض صفقات الغبن الشديد على الغير من جهة ثانية.
وقديماً حذر الشاعر العربي عندما قال:
“إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ”
لا شك في أن مشكلة الكورونا تستحوذ على اهتمام أمريكي وعالمي، وتفترض أن تحظى على أولوية. وهو ما ستقوم به اللقاحات الجارية على “قدم وساق”. ولهذا ما أن تطمئن إدارة جو بايدن قليلاً بأنها حققت نجاحات في تلافي استفحال هذه الجائحة في أمريكا والغرب عموماً، حتى تتفرغ أكثر إلى التصعيد الذي يصل إلى القعقعة بالسلاح، وإلى استخدامه أولاً حيث كان ثمة من استضعاف. فالسنة المقبلة والتي تليها سيكون صفيحهما الأسخن في السياسات الدولية.
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه أمريكا يتمثل في ما راحت الصين تحرزه من تقدم هائل في المجالين الاقتصادي والتقني. وصحيح أن نَفَس إدارة جو بايدن نحو روسيا أشد عدائية وخشونة، خصوصاً بسبب التفوق الروسي في مجال الصواريخ البالستية ما فوق الصوت بدرجات، وفي المجال السياسي الممتد من أوروبا إلى سوريا إلى أغلب بلدان العالم الثالث.
على أن إدارة جو بايدن تتعرض وستتعرض، كما حدث مع الإدارات الأربع السابقة، إلى ضغوط صهيونية من أجل إعطاء الأولوية في الصراع لكل ما يُشكل تهديداً، أو مصلحة للكيان الصهيوني. وهذا ما جعل كل من إدارتيّ بيل كلينتون وجورج بوش الإبن يركزان على ما أسمياه، إعادة بناء شرق أوسط جديد، وقد تركا روسيا تستعيد مكانتها كدولة كبرى خصوصاً، في عهد فلاديمير بوتين. وتركا الصين تتطور اقتصادياً وتقنياً داخلياً وعالمياً بخطوات، أخذت تهيء للتفوق على أمريكا. وهو ما تكرر بشكل أو آخر مع أوباما وترامب.
ولكن بعد أن دخل العالم في العشر سنوات الأخيرة مرحلة تعدد القطبية العالمية، ولا سيما مرحلة العداء الأمريكي ـ الصهيوني ضد إيران، وخصوصاً إدارة دونالد ترامب.
كادت إدارة جو بايدن تعيد رجحان إعطاء الأولوية الاستراتيجية لكل من روسيا والصين. وتحاول شق طريق (سياسة ـ تكتيك) مختلف عن نهج دونالد ترامب بالنسبة إلى إيران. ولكن مع مواجهتها بتحالف أمريكي ـ أوروبي. وما زال في أول الدرب والمؤشرات.
من هنا فإن استخدام إدارة جو بايدن للطائرات بهذا العنف على سوريا، يعطي مؤشراً مهماً يناقض السياسة مع إيران، بل هو عدوان موجّه إلى إيران، بصورة غير مباشرة. طبعاً هنالك الرسالة التي تلقتها روسيا منه فوراً، وردت عليها فوراً. وذلك باعتباره عدواناً على دولة مستقلة، ومخالفاً للقانون الدولي.
ولأن إدارة جو بايدن لم تبلور، بعد، كل أبعاد استراتيجيتها في المنطقة عندنا، فإن العدوان الأمريكي الأخير على سوريا يعطي مؤشراً جديداً، مغايراً، لمؤشرات سابقة في كل من المجالات المتعلقة بالاتفاق النووي (خمسة زائد واحد) واليمن والعلاقة بنتنياهو، وقضية الخاشقجي. فهل ستتبعه سياسات من هذا النهج، أم ستتراوح السياسات الأمريكية في ما أعطته من مؤشرات متناقضة حتى الآن. لكن يجب أن نتذكر، دائماً، ما قالة أبو تمام الشاعر العربي: “السَيفُ أَصدَقُ إنباءً مِنَ الكُتُبِ”.