عربة الكتب والعم جميل – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
عن جميل بائع الكتب والمجلات والجرائد في كمب العتيق مخيم الطوارئ بعين الحلوة.
لدي اعتقاد سائد وقناعة راسخة أن معظم أبناء جيلي والجيل الأكبر والأصغر مني قليلا لازالوا يتذكرون العم جميل الأسمراني، قصير القامة، الذي كان يملك عربة جوالة ويبيع الكتب والمجلات والجرائد قرب مدرسة الفالوجة ومدخلها من قلب المخيم العتيق.
كُنا نتصبح به كل يوم عند المدرسة وهو يقف أمام عربته التي احتوت على مجموعة من الكتب والجرائد والمجلات بكل أنواعها. في بعض الأحيان كنا نجده جالساً ربما على كرسي قَش خلف عربته الجوالة، تلك التي عرفناها مذ عرفنا المدرسة… والتي كانت تعتبر بالنسبة للتلاميذ في مجمع المدارس من أهم النقاط عند مدرسة الفالوجة، حيث هناك كان مقرها الرئيسي والأساسي بقيادة العم جميل. أظن أنه سوف يسامحني لأنني لا أتذكر اسم عائلته ولا اسم بلدته ولا لقبه أبو ماذا…
كأنني أراه الآن أمامي وهو يجلس على كرسي “قش” خلف مبنى مدرسة الفالوجة من جهة كمب العتيق “الطوارئ”. أراه وهو يكش الذباب في الحر الشديد وينهر المتطفلين من التلاميذ والأطفال في الحارة ومن المدرستين قبية والفالوجة. كان أسمرانياً، قصير القامة، غزا الشيب مفرقه، وكان في بعض الأيام قليل الكلام لكنه محب للمرح، مزيح وبشوش ومبتسم وصاحب مزاج… أما في بعض الأيام فكان مُقلاً في حديثه، وفي أيام أخرى كان محدثاً يرفع صوته ويقرأ الشعر ويطلق الحِكَم والأمثال ويردد المأثور من الأقوال. كما ويناقش في السياسة حيث كان يملك رأياً وموقفاً وصاحب نظرة في السياسة والثقافة.
صديقي صالح العلي الذي لازال يذكر العم جميل وبسطته وعربته وكتبه ومجلاته قال لي ليلة الأمس حين تحدثنا عن تلك العربة وعن جميل وعن تلك المرحلة من عمرنا المخيمي: “لقد عرفته صاحب نكتة وكان يملك رصيداً هائلاً من المرح. كما كان عنده قدرة جيدة على النقاش بشكل هادئ ومرح. أتذكر أنه كانت لديه قدرات خطابية وارتجالية. وكان عنده قدرة على الخطابة وأرتجل وألف الهتافات بشكل زجلي. أتذكر الآن هتافاً ألفه ضد رفاهية الجيش اللبناني المادية في ذلك الوقت… أما الهتاف فهو (هذا جيش أبو الليرات شاطر بالمؤامرات)”.
نعم يا صديقي صالح فقد صدق العم جميل لأن الجيش اللبناني في ذلك الوقت كان جيشاً مرفهاً ولكنه سرعان ما أنهار وانشق طائفياً مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975. أما الآن فهو الجيش نفسه الذي يحاصر مخيم عين الحلوة بالجدار العازل وبالحواجز والسواتر وكاميرات المراقبة وربما بالبوابات الالكترونية. كل من يغادر المخيم من أبناء جيلنا ويصل على الحاجز الموجود على الشارع الفوقاني قرب المدخل عند المستشفى الحكومي، سيتوقف في طابور الانتظار على الحاجز. في تلك اللحظة إذا نظر يساراً سيتذكرعربة جميل وموقع بسطته الاستراتيجي وزماننا الذي مضى بلا رجعة.
في ذلك الوقت كان العم جميل يبيع الكتب السياسية والثقافية والقصص والروايات ودوواين الشعر القديم والحديث والجاهلي والكتب الأجنبية المترجمة. يعني كان مثل مكتبتنا التثقيفية وكُنا نشتري من عنده بعض الكتب في حال إمتلكنا ثمنها. لكن عربته لم تقتصر على الكتب بل كانت أيضاً تعجُ بالمجلات العربية واللبنانية مثل الشبكة والموعد والعربي والمستقبل العربي والصياد والمجلة والحوادث. هذا بالاضافة لمجلات رياضية وترفيهية ورسوم متحركة مع قصص طرزان وسوبرمان والرجل الوطواط والخ. كما كانت تتوفر لديه مجلات وجرائد فلسطينية كانت تصدر في ذلك الوقت. كذلك كانت العربة أو البسطة ملئية بالجرائد اليومية مثل النهار والسفير والبيرق والأنوار والشرق وربما المحرر والخ. يعني ما كان هناك شيء ينقصها فكل ما كان يشتهيه القارئ كان يجده هناك.
للأسف فلا أحد من الذين سألتهم عنه يتذكر اسم عائلته أو من أي بلدةٍ هو، لكن أخي صالح العلي قال لي أن زوجة الحاج أبو غالب الذي كان يقيم في الزاروب المواجه لباب مدرسة الفالوجة من قلب كمب العتيق، تلك المرأة تكون شقيقة جميل. لكن لا أنا ولا صالح نعرف من أي عائلة وبلد هو أبو غالب ولا زوجته أم غالب. حتى الصديق موفق الوني وهو من أبناء كمب العتيق لم يتذكر لا جميل ولا شقيقته. لذا ربما هناك من أبناء المخيم العتيق أو المخيم بشكل عام من يتذكر جميل أو أبو غالب أو من يمكنه المساعدة في هذا الشأن.
رحم الله جميل الانسان المكافح والرجل المثقف والكادح الواعي. ورحم الله عربته وكتبه وأيامه وزمانه إذا كان قد توفي… وأمد الله بعمره في حال لازال على قيد الحياة. فهو بالتأكيد جزء هام من ذاكرتنا وطفولتنا وأيام مدرستنا وزمن مخيمنا.
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
23-12-2021