على مشجب الإنتخابات الصهيونية! – عبد اللطيف مهنا
تقترب إنتخابات الكنيست في الكيان الصهيوني. لايفصلنا عن موعدها إلا شهر واحد وبضعة من أيام قليلة. من الآن وحتى اقفال صناديقها واعلان نتائجها، كل حركة أو سكنة في الكيان، وعلى كافة الصعد، التي تبدأ بالسياسية والأمنية…وصولاً الى تكثيف وتسريع التهويد، وتسعير مختلف اساليب قمع الفلسطينيين، يمكن عطفها دون عناء وربطها بلا تردد بأجواء تحضيراتها المحمومة، أو مستلزمات قطف نتاجها. هذا داخلياً، أو ما يتعلق بالكيان، أما خارجياً، أو مايتعلق بالأطراف الخارجية المعنية بهذه النتائج، فمن الآن، من مواقفها ما هو المؤجل بانتظار ما تسفر عنه صناديقها، أوالمعلَّق على مشجبها، أو المبني على حساباتها…هذا على الرغم من أن هذه الأطراف جميعاً، وهنا المفارقة، تدرك ما لا يخفى إدراكه على أحد، وهو أن هذا الكيان ليس بمستطاعه الخروج من جلده ولا بمقدوره مجافاة طبيعته، وبالتالى، فهو إن لم يُعد انتاج مالديه، فلسوف يأتي بنسخة مطوَّرة عنه، بمعنى إن لم يكرر نتنياهو، فسيستبدله بما هو الأكثر تطرُّفاً منه، ذلك لأن من هم على يمينه هم أكثر غلواً منه، ومن هم على يساره لايقلون في الجوهر سوءاً عنه…لدينا هنا من النماذج المعنية ثلاثة:
نبدأها بالأوسلويين الفلسطينيين، اللذين يضبطون تحرُّكهم المتردد باتجاه الأمم المتحدة، أو الإنضمام لهيئاتها، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، على رتم الانتخابات الصهيونية والمراهنة على توقعاتها، أولاً، تقيُّداً منهم بإملاءات وانذارات تأتيهم مباشرة من قبل الوسيط الأميركي، وثانياً لتشبثهم المزمن بلعل وعسى الصهيونيتين، أو انتظاراً منهم، كما اشرنا في مقال سابق، لمعجزة ما قد تسفر عنها هذه الإنتخابات فتأتيهم بمن هو الأقل صهيونيةً من نتنياهو، أو من هو على استعداد لأن يعطيهم بالمفاوضات شيئاً يبررون به، لأنفسهم قبل سواهم، ذهابهم كل هذا الشوط التنازلي المدمِّر في مشروعهم التفريطي، والذي ليس في نيتهم ولا في مقدور من هم مثلهم التراجع عنه.
يليهم الأوروبيون، هؤلاء اللذين لطالما حاولوا اظهار بعض من تمايز زائف ومنافق عن تليد المواقف الأميركية، لكنهم في الجوهر لم يبتعدوا يوماً عنها، ويظل دورهم هو التكامل معها. نستحضر هنا سلسلة الاعترافات المعلقة، أو المؤجلة، أوالمشروطة بالتفاوض، بالدولة الفلسطينية الافتراضية، لكنما ما كان منهم مؤخراً هو الأكثر طرافةً. إنه المتمثل في تسريباتهم القائلة بتدارس احدى لجانهم في الاتحاد امر قائمة من العقوبات قد تتخذ ضد التهويد ومنتجات المستعمرات الصهيونية في الضفة، لكنما هذا لن يكون منهم إلا بعد انتخابات الكنيست وليس قبلها، وذلك حتى لا يعد اتخاذها تدخُّلاً منهم في هذه الانتخابات! وعندما هبت عليهم رياح الشجب والإدانة الصهيونية، سارعوا الى التقليل من الأمر بوصفه مجرَّد “تدارس”، بل لا يعدو “تجربة من قبل مجموعة ديبلوماسية على مستوى متدنٍ” لا أكثر!
ثالثهما، الأميركان…في هذه الأيام ما من ما يشغل الكل في الكيان الصهيوني بعد الانتخابات، إلا حديث اصرار نتنياهو على القيام بدور الإسفين الذي سوف يدق نفسه عنوة وشاء من شاء وأبى من أبى بين الإدارة الأميركية الحليفة والهيئة التشريعية الأميركية الأكثر صهينةً منها، أو الكونغرس، هذا الذي دعاه غلاة متصهينيه لإلقاء خطابه المعترض على احتمال توقيع الإدارة على اتفاق مع الجانب الإيراني حول اللف النووي الإيراني من على منبره في الثالت من الشهر القادم، أي قبل اسبوعين فقط من موعد انتخابات الكنيست …هنا يكثر الحديث عن انعدام الكيمياء بين شخصي نتنياهو واوباما، ويتم التذكير بدعم الأول لمنافس الثاني، رومني، في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، ثم أن خطابه في الكونغرس هو تحريضي بطبيعة الحال لجهة استنفار اغلبيته المتصهينة لرفض ما يفترض أن الإدارة سوف تقدم عليه، وبالتالي ما ما قد يتسببه من حرج ليهود الولايات المتحدة، أو يتسبب في اتهامهم بالولاء المزدوج، أو ما من شأنه أن يؤدي على المدى الأبعد فقداناً لحدب ولى النعمة الأميركي الموفِّر للكيان الصهيوني كافة اسباب الوجود وضمانة الاستمرارية. هنا يذكِّرون نتنياهو، وفي المقدمة منهم داهيتهم بيرز، أن أوباما ما غيره كان الأكثر كرماً مع الكيان من كافة سابقيه الى المكتب البيضاوي.
هنا لابد من وقفة…نعم، لعل الكيمياء بين اوباما ونتنياهو منعدمة أو هى ليست كما يجب، كما أن تحدي الأخير للأول على مثل هذا الوجه قد ازعج فعلاً سيد البيت الأبيض فالمتسبب بعدم استقباله للزائر المتطاول، ولحرد نائبه بايدن، المسيحي المفاخر بصهيونيته عملاً بنصيحة ابيه، فامتناعه عن حضور خطابه المزمع في الكونغرس…لكنما تظل هناك الثابتة المتمثلة في تاريخية وعضوية العلاقة المافوق الإدارات والأشخاص بين كل من الثكنة الصهيونية المتقدمة ومركزها الأميركي، والتي لا تخضع لمسألة الكيمياء من عدمها بين المتربع في البيت الأبيض والمتسنِّم لسدة القرار في تل ابيب، وإنما لحمتها وسداتها المصالح المشتركة، والمستندة إلى جدوى ومردود ما توفره الثكنة للمركز المستثمر لها في سياق استراتيجياته في المنطقة، لذا، يصمم نتنياهو على القاء خطابه المتحدي في الكونغرس، شاء من شاء وابى من أبى، مطمئناً صهاينته في الكيان والولايات المتحدة حين يذكِّرهم: منذ قيام الكيان “حصلت خلافات جوهرية بين اسرائيل والولايات المتحدة، لكن علاقاتنا بقيت متينة وستبقى كذلك هذه المرة أيضاً”…أما اوباما الذي لا يخفي انزعاجه من تطاول نتنياهو، فقد أكد: “إن علاقتنا بإسرائيل فريدة بطرق مختلفة. وهى الحليف الأقوى لنا في المنطقة، ولا شبيه للعلاقة بين شعبينا”…مبرراً عدم استقباله لزائره الغير المرغوب فيه بقوله : إن “لدينا تقليد متبع يتمثل في عدم الاجتماع مع زعماء قبل انتخابهم مباشرة”!!!