علينا دائما تذكر صبرا وشاتيلا
كي لا ننسى…
شهر أيلول أراه كل يوم شظايا تسكن جسدي وأعيشه طوال السنة آلاما تذكرني بالضحايا
تحيي جماهير المخيمات الفلسطينية في لبنان ومعها لجان “كي لا ننسى”العالمية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي استمرت من 16 وحتى ومع نهاية يوم 18 أيلول سبتمبر 1982 . تجيء وفود الحملة العالمية كل عام من عشرات دول العالمين الغربي والشرقي ، وذلك لإحياء هذه الذكرى في مكان مقبرة شهداء المجزرة بالمخيم، حيث النصب التذكاري، وحيث آلام أهالي الضحايا الذين قتلوا من قبل رفاق سمير جعجع ، مرتزقة بشير الجميل والي حبيقة وابو ارز وسعد حداد وفادي افرام وكل الخونة وعملاء الاحتلال من الجبهة الانعزالية اللبنانية بقيادة الإرهابي الفاشي و العنصري بشير الجميل.
في شاتيلا تتواجد هذه الايام د. تسو شاي انغ البريطانية من أصول ماليزية ، وكذلك الممرضة الأمريكية اليهودية الين سيغل، والممرضة النرويجية آن سيندى.. وكذلك وفود من الطليان والفرنسيين والألمان والفنلنديين والسويديين والدنمركيين وأصدقاء فلسطين من جنسيات مختلفة ومنوعة.
إن أجمل ما في هؤلاء أنهم في غالبيتهم كانوا من الذين عاشوا المجزرة في المخيمين وفي مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني في صبرا وشاتيلا وبيروت ، فالدكتورة انغ والممرضتان سيغل وساندي، كن يعملن في مستشفيين بالمخيمين هما مستشفى غزة ومستشفى عكا ، حيث ارتكبت أيضا مجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين.وكن يؤلفن الفرق الطبية بالمشفيين. فيما أن القتلة اقتادوا الأطباء والممرضين والممرضات الى الموت والى مصير مجهول. فهناك منهم-ن من اعدموا ميدانيا في نفس المكان.
ضحايا وجرحى كانوا يتوافدون الى مستشفيين يعانيان من انقطاع الكهرباء والماء وقلة الأدوية ونقص في الأطباء والفرق والمعدات الطبية اللازمة. الممرضات المتطوعات كن يجرين عمليات إنقاذ حياة لمن يصل الى المشافي. وأنا شخصيا كنت يوم 17 أيلول – سبتمبر 1982 واحدا من هؤلاء الجرحى.سبق وكتبت عن ذلك في مناسبات عديدة ، وذكرت بأن د. انغ والممرضة سيغل أنقذتا حياتي في مستشفى غزة أولا وثم في مستشفى اللاهوت العسكري قبل أن أصل الى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت.
في شهادتها على المجزرة التي وردت ونشرت في الكتاب الموسوعي “صبرا وشاتيلا 1982 ” للدكتورة بيان نويهض الحوت تحدثت الممرضة النرويجية آنا ساندي عن المجزرة وعن اضطرارها مع ممرضة فرنسية الى إجراء عملية لأب جريح وصل مع ابنه الجريح أيضا الى مستشفى عكا حيث لم يكن هناك أطباء.وتضيف ان الكهرباء انقطعت أثناء العملية وأنهن اضطررن لمواصلتها على أضواء الشموع.، بغية إنقاذ حياة الأب الجريح الذي كان مصابا بصدره.
شاءت الصدفة ان التقي بآنا ساندي بعد 25 سنة من المجزرة في أوسلو ، في مؤتمر لجنة فلسطين النرويجية التي تناصر الشعب الفلسطيني والتي تعتبر ساندي من أعضاءها الأساسيين. كان لقاءا حميما أعدنا الى تفاصيل الزمن المر والمجزرة الفظيعة. في ذلك اليوم سألتني إحدى المتضامنات مع الشعب الفلسطيني عن مشاعري في أيلول وبعد مرور حوالي 25 سنة على المجزرة في صبرا وشاتيلا . أجبتها باختصار : شهر أيلول أراه كل يوم شظايا تسكن جسدي وأعيشه طوال السنة آلاما تذكرني بالضحايا. .
يتحدث البعض عن المجزرة دون وعي ودون معرفة، فمنهم من يلقي الاتهامات حسب مزاجه ونكاية بمن يختلف معهم سياسيا أو طائفيا أو مذهبيا. ويذهب عن بال هؤلاء او لا يذهب عن بالهم أنهم بذلك يخدمون فقط الذين ارتكبوا جريمة العصر في المخيمين. فتجيير المجزرة في الصراع الطائفي والمذهبي الذي أرادته الفتنة لبلادنا العربية لهو بعمري اخطر من المجزرة نفسها. وهو خدمة مجانية للصهاينة وعملاءهم في بلادنا العربية ولمخططاتهم المعادية لكل العرب والمسلمين والمشرقيين. مثل هذا التجيير نجده في تعليقات بعض الأغبياء والجهلة ، وكذلك لدى بعض العملاء والخونة في مواقع التواصل الاجتماعي. نقول لهؤلاء الجهلة ولأولئك الخونة أن منكم من يقومون بتشويه الحقيقة عن سابق إصرار وترصد. و منكم من يتهم (الشيعة) في لبنان بمجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها الصهاينة ، ونفذتها عصابات الفاشيين اللبنانيين التابعة لعصابات آل الجميل وشمعون. وكذلك من كانوا ضمن الجبهة الانعزالية الفاشية اللبنانية المتحالفة مع الصهيونية والاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة. ونعلمكم بأن هذه الطائفة في لبنان هي أكثر طائفة تحملت من اجل فلسطين ، بالرغم من المحطة السوداء التي عرفت بحرب المخيمات ( حركة أمل) ضد الوجود الفلسطيني في مخيمات لبنان. لذا لا يريد الخونة أو بعض الجهلة ان يقروا بسقوط عشرات فقراء الشيعة من اللبنانيين في مجزرة صبرا وشاتيلا حيث كانت تسكن أعداد كبيرة منهم مثل عائلة المقداد. فهذه العائلة فقدت العشرات من أفرادها في المجزرة وكانت أول عائلة في المخيم تتعرض للإبادة من قبل مرتكبي المجزرة ، ليل الخميس و فجر الجمعة 16 و17 أيلول سبتمبر 1982 .
الصهاينة هم الذين يتحملون المسؤولية عن مجزرة صبرا وشاتيلا ، فقد شاركوا في الإعداد والتخطيط لها وفي تقديم كل انواع الدعم والمساعدة والمساندة للقوات الفاشية : كي تتمكن من دخول المخيمين. هم من أناروا السماء بالقنابل المضيئة بشكل متواصل وبلا توقف على مدار ليالي المجزرة. وهم من قصفوا المخيمات ومحيطها وأماكن تواجد المقاومين مع العلم أنهم كانوا قلة قليلة.استمر القصف بشكل متواصل لإجبار السكان للنزول الى الملاجئ حيث تم اعتقالهم ثم إعدامهم ، او حرقهم أو دفنهم أحياء فيها. الصهاينة مسئولون عن المجزرة تماما كما جماعة ومرتزقة الجميل وحبيقة وجعجع وحداد وابو ارز. شارون بنفسه ومعه قادة أركانه كانوا يشرفون على المذبحة من قلب المدنية الرياضية . الصهاينة لغاية اليوم يرفضون كشف أرشيف المجزرة بالرغم من مرور ثلاثون سنة على المجزرة. وفي هذا اليوم بالذات 16-9-2012 رفضت سلطات الاحتلال الصهيوني طلبات صحفية تقدم بها صحفيون صهاينة للاطلاع على الوثائق الهامة التي تخص المجزرة والتي لاتزال تخضع للسرية. وبحسب المسئولين الصهاينة أنفسهم هناك في أرشيف دولة الاحتلال، وثائق تنقسم إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تشمل وثائق أمنية ما زالت سرية وموجودة في أرشيف الجيش الصهيوني، والثانية تشمل وثائق “لجنة كاهن” التي تم تشكيلها للتحقيق في المجزرة. وبخصوص لجنة كاهن يجب تعريف الجيل الجديد بأن د. تسو شاي انغ والممرضة الين سيغل قدمتا شهادتين عن المجزرة لهذه اللجنة سنة 1983 . ورغم تورط الصهاينة بالمجزرة إلا أن لجنة كاهن الصهيونية نشرت تقريرا حول تحقيقها عام 1983، واعتبرت فيه أنها لم تجد إثباتات على أن الجيش “الإسرائيلي” كان ضالعا بصورة مباشرة في المجزرة، لكن اللجنة أكدت أن ضباط الجيش علموا في مرحلة معينة بالمجزرة التي كانت لا تزال جارية ولم يفعلوا شيئا من أجل وقفها. وأوصت اللجنة بإقالة وزير الدفاع في حينه، أريئيل شارون، وهو ما تم فعلا، وعدم تعيينه في مثل هذا المنصب مستقبلا، لكن بعد عشرين عاما تم انتخاب شارون رئيسا للوزراء وارتكب عددا من المجازر الأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الصهاينة الذين كانوا علموا بأمر المجزرة عن طريق مراسلهم الحربي في بيروت زئيف شيف الذي ابلغ بدوره وزير الإعلام مردخاي تسيبوري بالمجزرة، والأخير ابلغ وزير الخارجية الإرهابي اسحق شمير بالأمر لم يفعلوا شيئا لوقفها, وهذا ما يؤكد أنهم كانوا على علم مسبق بالتخطيط للمذبحة.
الصهاينة حققوا في الأمر وشكلوا محكمة واتخذوا قرارات ولو كما نقول في لغة الشارع العربي فقط لرفع العتب. لكن الجامعة العربية لم تفعل شيئا من أجل ذلك. والحكومات اللبنانية المتعاقبة التي لم ولا تحترم شعبها وضحاياها الذين سقطوا في صبرا وشاتيلا لم تفعل أي شيء يذكر. ولم تفتح تحقيقا بالأمر لغاية يومنا هذا. أما منظمة التحرير الفلسطينية فلم تكن وليست أفضل حالا من الحكومة اللبنانية. والعالم الذي يحقق بجرائم الحرب الدولية تحايل على الدعوات التي أطلقت للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا وأفشلها عن سابق إصرار. وقامت بعض الدول الأوروبية مثل بلجيكا وفرنسا وبريطانيا بتعديل القوانين المحلية من اجل عدم تمكين الضحايا الفلسطينيين من رفع دعوات قضائية وجلب القادة الصهاينة لمحاكمتهم في محاكم مجرمي الحرب الدوليين. على كل حال الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لهؤلاء لأنهم جزء من معاناته وممارساته وهم من صنع وأقام ” إسرائيل” في فلسطين المحتلة ، ومازالوا مواظبين على تفوقها وديمومتها و استمرارها.
في ذكرى المجزرة يجب أن لا ننسى وكي لا ننسى علينا أن نتذكر دائما أن هناك في صبرا وشاتيلا ضحايا مازالوا في عداد المفقودين وممكن أن سمير جعجع كقائد من القادة الفاشيين اللبنانيين وقوات آل الجميل ، وكسياسي لبناني ونائب بالبرلمان اللبناني يعرف ما هو مصير هؤلاء وأين دفنوا في حال اعدموا بعد اختطافهم من المخيمين.
* مدير موقع الصفصاف
مقتطف من شهادة نضال حمد عن المجزرة
16-09-2012