عندما تبعثر السوريون الطبيعيون تبعثر العرب معهم
المحامي محمد احمد الروسان*
حال البعض منّا ليس أسوأ من معظم علماء الأركولوجيا المنوطة بهم مهمة دراسة آثار المجتمعات الإنسانية الغابرة وتراثها الحضاري والثقافي، ولكن يبقى المغفّلون والسذّج منهم أقلّ ضرراً وخطراً من الأشقياء الدهاة المأجورين أو المتحيزين الذين يصنعون متاهات التاريخ والجغرافيا.
نعم العرب كثبان بشرية على غرار الكثبان الرملية تتقيأ المال مثلما تتقيأ الدم والطعام، وأمريكا صارت ضرورة شيطانية لبعض العرب، والغرب كان يعلم أنّ ذلك الوحش الأيديولوجي القاعدة وداعش يترعرع في دورتنا الدموية، وعملوا على برمجته إلى اللحظة المناسبة التي تدق فيها ساعة الانفجار، وعندما تبعثر السوريون الطبيعيون تبعثر العرب معهم، والأمريكان تسكنهم قعقعة المصالح بينما العرب تسكنهم قعقعة الغرائز، ولا أحد يستطيع أن يغسل تلك الخطيئة التي تدعى العرب، والخلاف بين العربان حول تقاسم الجثث والموتى فقط.
واضح أنّ ما يجري في شرقنا الأوسط، هو حرب السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، حيث الغاز ومسارات خطوط أنابيبه عصبها ومحركها، والأطراف الرئيسيّة المشاركة في هذه الحرب، بجانب إيران وتركيا والسعودية وقطر “واسرائيل”، الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، والأخيرة لا تملك حقول غاز في منطقتنا وان كانت تملك محميات أمريكية، لكنها تريد امتلاك الفيتو على تحديد مساراتها إزاء شمال أوروبا وجنوبها، كون واشنطن استراتيجياً تعمل على إضعاف كل دول القارة الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وحصتها من العوائد، ومن المحتمل أن تدخل مصر إلى ساحة الصراع في المستقبل، من هنا يجب تفهم الوضع الحسّاس لإيران، حيث تقف بكل وضوح وقوّة في وجه تغيير النسق السياسي في سورية وعنوانه الرئيس الدكتور بشّار الأسد، لأنها تعتبر أنه إذا ما سقطت الحكومة السورية، فهذا يعني تعاظم في قوّة منافسيها في المنطقة، وأنّ استراتيجيات إدارات التوحش الأمريكية سوف تستهدفها ومن ورائها الفدرالية الروسية والصين وعبر تركيا ذاتها، حيث إيران نفسها الخاصرة الروسية الضعيفة.
اذاً ما يجري في المنطقة، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الاقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والإرهاب والاستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت إلى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة.
إنّ الاتفاقيات الإستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الاقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية إلى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارات موسكو الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
حيث يعتقد الكثيرون أن الجمهورية الإسلامية بدعمها حكومة الرئيس بشار الأسد اتبعت سياسة خاطئة غير منطقية ولا تتوافق مع المصالح الوطنية، وقد خدشت هذه السياسة صورة الجمهورية الإسلامية لدى الرأي العام الدولي وعلى صعيد المنطقة، كما أنها تدفع للاعتقاد بأن الحكومة الإيرانية غير متعاونة على الصعيد الدولي، وأن السياسات الغربية المتبعة تجاه طهران هي سياسات مشروعة وأن ما تراهن عليه خاسر من البداية، كما أن المراهنة عليه كان أمراً بعيداً عن الرؤية السياسية الصحيحة ويجافي العقل و التعقل.
أعتقد أنّ الموقف الإيراني الثابت والمصر على دعم النسق السياسي السوري، ينبع من أنّ سورية هي بوّابة إيران للعالمين العربي والإسلامي، بجانب ما تم بناءه من تحالف استراتيجي عميق على خطوط علاقات دمشق طهران قبل أكثر من أربعين عاماً. ولكن الأدهى من الأسباب والتي تجعل إصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سياساتها اتجاه سورية، مسألة حياة أو موت ؟ تتقولب من أنّ إيران تعتبر في المنطقة كالجزيرة الوحيدة وسط بحر من الجيران غير المتعاونين(كدول مجلس التعاون الخليجي وأذربيجان)، ولا يستسيغ المنافسين لطهران(مثل تركيا والسعودية وقطر”واسرائيل”) تفوق إيران وتمتعها بقوّة كبيرة، وكذلك التيارات المعادية للشيعة والحركات السلفية والوهابية التي لها جذور في الدول العربية و باكستان وتصل حتى آسيا الوسطى.
من هنا فإن الإيديولوجية السياسية التي تتبعها الجمهورية الإسلامية، لا تجيز لها إمكانية الاستفادة من التحالف مع القوى العظمى(كالولايات المتحدة الأمريكية)، وبعض قوى المنطقة الطارئة على كل شيء، التي تتشابه مع موقعها(الكيان الصهيوني البغيض)لكسب نقاط قوة بهدف تحصين موقعها المتفرد بين دول المنطقة. لهذا تعاظم بشكل كبير أهمية الدول المعدودة في المنطقة التي تجمعها مع إيران علاقات جيدة كالعراق وأفغانستان وسورية(والتي من حكم القضاء والقدر تعتبر ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لإيران).
حلف شمال الأطلسي(الناتو)جزء من الماضي ويجب أن ينتهي وفقاً لحركة التاريخ وإحداثياته، ومفاصل تطور الضرورات وحركة الحياة أيضاً، لكن نواة هذا الناتو حكومة الأوتوقراطية الأمريكية وبلديربيرغها وذراعه العسكرية المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي، وغلافه الشركات الاقتصادية المتعددة الجنسيات، أرادوا إحياء هذا الحلف(الماضوي)وعبر الأزمة الأوكرانية في مواجهة الروس والصينيين وجلّ دول البر يكس الأخرى.
وصحيح أنّ الحلف الأطلسي وخلال فترة زمنية محددة استطاع تحقيق بعض المستهدف من أجندته، وعبر اللعب بالمكونات الديمغرافية لتلك المجتمعات، ساعده الطبيعة العشائرية الديمغرافية لكل من العراق المراد احتلاله من جديد الآن وعبر الحرب على الدواعش كفيروسات أمريكية منتجة، كذلك في ليبيا والتي صارت أقل من دولة فاشلة، وأفغانستان وحالها ليس بأفضل من العراق، وفي شمال شرق سورية إلى حد ما.
بالمقابل تدرك نواة الناتو وبلدربيرغها الولاياتي الأمريكي، أنّه يستحيل على الحلف الدخول في صراع مباشر مع الفدرالية الروسية والصين في ظل المعطيات الحالية، فذهبت إلى إعادة هيكلة للإرهاب الدولي الذي صنعته عبر تفعيل أدواته وإعادة توجيه من جديد، من خلال ما سمّي بالتحالف الدولي لمحاربة مجتمعات الدواعش في العراق وسورية، والتي هي بالأساس من مائها المهين الصناعي في شقق الدعارة السياسية الصناعية والأستخباراتية البيولوجية لتفعيل حروب الوكالة من جديد.
أحسب، أنّ مجتمعات ما تسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام(عصابة داعش)، والتي أرادت لها العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي أن تظهر بمظهر المدافع عن السنة في المنطقة والعالم(عندما أعلن باراك أوباما إستراتيجيته في محاربة أبنائه الدواعش، ظهر بمظهر المدافع عن السنّه وبخطاب مذهبي اثني في مواجهة المكونات الأخرى في المنطقة)تم إيجادها وخلقت وصنعت لتستمر طويلاً طويلاً، ولتشكل رداءً فولاذيّاً للولايات المتحدة الأمريكية بالمعنى الإستراتيجي في مواجهة الفدرالية الروسية والصين والهند، وعبر منحنيات التلاعب بشق الديمغرافية الإسلامية السنيّة والشيعية، إن لجهة روسيّا والقوقاز والداغستان، وان لجهة الصين وشمالها اثنية الأيغور وتفاعلات المخابرات التركية في الدعم والإسناد لهذه الأثينية الصينية، وان لجهة الهند وتمفصلات المسلمين(سنة وشيعة) فيها وتحوصلاتهم لجهة الباكستان، والصراع مع قومية الهندوس والقوميات الأخرى.
نعم إنها حرب بالوكالة تهندسها نواة الناتو وعبر استعمال الديكتاتوريات الأمريكية في الخليج في التمويل والإنتاج(صارت ديكتاتوريات مستهلكة)، وتوظيفات فكر ابن تيمية في مؤسساتها الدينية لتنتج مجتمعات الدواعش الإرهابية، والتي لن تكون هذه الديكتاتوريات الخليجية بمنأ عن هذا الإرهاب الممول ذاتيّاً لاحقاً وعندما تحل لحظة الضرورة، وعبر الدواعش المنتجة خليجيّاً، ولكن بلوك جديد يزاوج بين الملتحي والأمرد في حين الجوهر واحد.
فالسعودية العربية تعتمد فكر ابن تيمية والشيخ محمد عبد الوهاب منهلاً للحكم والتدين ومنهاجاً لتطبيق الشريعة، حيث تم إنتاج و أدلجة أجيال تلو أجيال من المشايخ على مدار عقود خلت، حيث هذا الفكر تكفيري الغائي إقصائي، فجاءت مجتمعات الدواعش كمولود هجين بين بن لادينيّة الظواهري وفرق الموت الأمريكية والبريطانية والفرنسية، إنها الجيل الثالث المهجّن بعد جيل بن لادن وجيل الزرقاوي، ومرةً خرج علينا الجنرال جيميس كلابر مدير مجتمع المخابرات الأمريكي، ليحذرنا من تنظيم هو أشد خطورة من داعش، اسمه تنظيم خورسان الخليط من إرهابيين أوروبيين وأمريكيين وأفغانيين وباكستانيين وسعوديين ويمنيين وكثير من عديمي الفائدة والقيمة من السفلة وآكلي لحوم البشر، حيث لا يجيدون أي مهنة سوى مهنة القتل.
في حقيقة الأمر والمنطق إن خورسان ما هو إلاّ النسخة المتطورة من أفرع داعش المتعددة، وسنرى لاحقاً تنظيمات المشتري والمريخ والحمّة الأردنية بشقيها: المخيبة الفوقا والمخيبة التحتا وعدسية البحر الميت وعدسية الغور الشمالي، وسنرى تنظيم محمد العارف وتفرعاته في سما الروسان، ليخرج علينا الجنرال جيمس كلابر وبجانبه جون برينان مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ليتحدث عن تمددات التنظيمات السابق ذكرها في الداخل الأردني، وداخل الشمال الفلسطيني المحتل(إسرائيل) وفي قطاع غزة المحتل ورام الله المحتلة ووصولها على مشارف دابوق، إنّها الصفاقة السياسية والوقاحة الأمريكية في أبشع صورها وتجلياتها.
البلدربيرغ الأمريكي جعل مؤسسات الدولة الأمريكية، تدمن على حروب الوكالة Proxy War، وتوظف الجميع لخدمته وخدمتها والجميع ضد الجميع من الأدوات، في مناطق ونطاقات الجغرافيا المستهدفة عبر توظيفات الصراعات الدينية والأثنية، العالم شاهد ذلك وما زال في سورية وليبيا والعراق والباكستان والهند من خلال كشمير وأوكرانيا، وما يعد للبنان حالياً والأردن لاحقاً عبر اللعب في الديمغرافيا الأردنية ذات الأصول والمنابت وتحت بنود التوسع والتمدد، حتّى أنّ الأعلام الأردني في جلّه(إلاّ من رحم ربي)احتل نصف العراق، وأكثر من ثلاثة أرباع سورية خلال أسبوعين فقط، حيث الغاية تكمن من وراء كل ذلك، وحسب رؤية حزب واشنطن في عمّان لاستيعاب اللاجئين العراقيين والسوريين وقبلهم الفلسطينيين، في كيان هجين جديد يقوم على أشلاء الدولة القطرية، وعبر الزج بالجيش العربي الأردني العقائدي(آخر قلاع الأردنيين الأقحاح)بالوحل السوري لتفكيكه كونه عائق حقيقي أمام رؤى حزب واشنطن في الداخل، هكذا تفكر نواة البلدربيرغ ومستكتبيها من حزب واشنطن في الداخل الأردني برامكة الدولة الجدد.
إنّ خطّة أوباما الإستراتيجية، والتي هي بالأساس خطّة نواة الولايات المتحدة الأمريكية ونواة الناتو( البلدربيرغ جنين الحكومة الأممية التي تحكم العالم)هي نتاج رؤية مصنعي حرب الوكالة، حيث عناصر الجيوش الحربية الأمريكية يقصفون وهم جلوس في غرف نومهم مع عشيقاتهم، وباقي الأمور القذرة يقوم بها الأدوات عديموا القيمة، التي تم إنتاجها وعبر الفكر الممنهج لبعض ديكتاتوريات دول الخليج(والتي صارت مستهلكة)، فمثلاً أثاروا الكرد ضد دواعش الماما الأمريكية، ثم تبعهم الشيعة مع تفاوضات هنا وهناك مع طهران إلى أن أوضحت إيران، وبلهجة عميقة وقاسية للغاية عن شكوكها حول النوايا الأمريكية، ويعتقد أنّها ما زالت على موقفها حتّى اللحظة.
ولأنّ نواة الفدرالية الروسية ومجتمعات مخابراتها المتعددة تدرك حقيقة خطّة البطّة العرجاء(باراك أوباما)الناطق الرسمي باسم جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ الأمريكي)، حيث موسكو تتأهب لأي حرب شاملة محتملة، فانّ مسألة تحليق مقاتلات روسية إستراتيجية فوق اسكتلندا، ثم في المجال الجوي السويدي، كذلك قيام المدمّرات الجويّة الروسية من طراز Ut – 95 ، بإجراء مناورات اعتراض القنابل النووية في شمال الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل متزامن مع اجتماعات هنا وهناك للناتو، مع قيامات أخرى للمقاتلات الروسية بالتحليق على ارتفاعات منخفضة فوق سفن متعددة الجنسيات وحربية، تجري مناورات عسكرية في البحر الأسود وغيره بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مع تعطيل أنظمة إطلاق الصواريخ فيها، ثم بعد ذلك قيام طواقم من فئة الضبّاط العاملين فيها بتقديم استقالاتهم، نتيجة الذعر والانهيار النفسي والعصبي، حيث غضبت قيادات الناتو لهذا الفعل الروسي المتفاعل والمدروس، وكما حصل من فترة قصيرة وقبل تفعيل مجتمعات الدواعش في الدواخل العربية، حيث تمت مضايقة السفينة الأمريكية Uss Donland Cook أثناء سيرها في البحر الأسود، عن طريق الطائرات العسكرية الروسية من طراز Su -24، بحيث استطاعت أنظمة هذه الطائرات الروسية بإقفال أنظمة الصواريخ في السفينة الأمريكية، وكان من نتائج هذه الحادثة أن قدّم أكثر من ثلاثين ضابط وضابط صف أميركي من طاقم السفينة هذه استقالاتهم، نتيجة الذعر والانهيار النفسي والعصبي. وبجانب ذلك كان هناك التهديد الروسي بإغلاق المجال الجوي الروسي أمام أعضاء الناتو كنتاج للتوترات الحاصلة مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين واستمرار فرض العقوبات على روسيّا، مع العمل على منح إيران وباكستان والهند عضوية عاملة في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي، وهي بمثابة المعادل الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي والمخابراتي والبشري والجغرافي للناتو ووجه المدني الاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها من بعض عرب تابع. حيث يتجلّى هذا التحدي السلوكي الروسي العسكري والأستخباراتي، في صورة شاملة ومختلفة وفي أكثر من مكان وصورة وبشكل متزامن، انّه تحدي روسي عميق وعريض لحروب الوكالة الأمريكية الأطلسية.
تلاقح المصالح بين مختلف الأطراف في المنطقة، صارت أكثر وضوحاً في تنفيذ خطّة البطّة العرجاء أوباما، لضرب ما أنتجته واشنطن من دواعش في الداخل العراقي والداخل السوري، حيث المعارضة السورية المسلّحة تراها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها واستعادة المناطق الشاسعة التي قضمتها داعش وبالتالي التحرك لاحقاً ضد قوات النظام السوري، في حين ينظر إقليم كوردستان إلى داعش على أنّه الجدار الأخير الذي يعيق ضم بعض المدن قبل إعلان الاستقلال كدولة بشكل كامل، لتكون إسرائيل جديدة في الشمال العراقي بديلاً عن “إسرائيل” الحالية.
وخصوم الدولة الوطنية السورية ينتظروا أن يسرّع التحالف الدولي ضد داعش بإسقاط النسق السياسي السوري، في حين حلفاء الدولة الوطنية السورية ينتظروا أن يواجه التحالف واقعاً صعباً واقفاً أمام خيار الفشل والانكسار لواشنطن ومن يدور في فلكها في المنطقة والعالم، أو الذهاب إلى التنسيق مع دمشق لتغيير مناخات المنطقة، حيث التحالف يحمل فيروسات إنهاء نفسه بنفسه منذ الإعلان عنه أمريكيّاً من قبل البطّة العرجاء أوباما، لندن اعترضت عليه وعلى لسان وزير خارجيتها الجديد القديم فيليب هاموند حين قال: إنّ بلاده لن تشارك التحالف في ضربات لداعش في سورية، مستنداً هاموند إلى تصويت سابق للبرلمان البريطاني.
ألمانيا رفضت وفرنسا ما زالت مترددة لضرب الدواعش في سورية(ممكن أن تأخذ من الحادث الإرهابي الأخير في جنوب شرق فرنسا في ليون، سياق ما للخروج من هذا التردد بطلب سعودي مباشر؟)، بالرغم من أنّ الحدث السوري بدأ بحرب بريطانية فرنسية سريّة كما يعلم الجميع، تركيا لديها أسبابها الخاصة في عدم ضرب داعش عبر التحالف في الداخل السوري، كونه يدور في فلكها، وأفادت كثيراً من نقل النفط من داعش، وكذلك هي غير مرتاحة لدعم الأمريكان والناتو لأكراد سورية وإلحاقهم بأكراد العراق، خاصة بعد تقدم وحدات حماية الشعب التركي في تل أبيض وعين عيسى وفي ريف الرقّة الشمالي، لذا سارع الكرد إلى اتهام تركيا بتسهيل دخول سيارات داعش المفخّخة من تركيا إلى عين العرب كوباني من جديد.
وسارع الجمهوريون إلى انتقاد أوباما وخطته الإستراتيجية التي يصار لتنفيذها، إزاء داعش في العراق وسورية، إذا اقتصرت فقط عملياته على الغارات الجويّة، حتّى أنّ الجنرال الأمريكي المتقاعد ميشيل هيدن قارن بين الهجمات الجويّة التي أعلن عنها باراك وبين النزوات الجنسية، مشيراً أنّ كلاهما يحقق الإشباع دون أن يكون هناك إلزام، بعبارة أخرى بأنّ الضربات الجويّة ستحقق رغبة واشنطن في ضرب داعش دون أن تكون ملزمة بخوض حرب على الأرض، وميشيل هايدن هذا كان مديراً لوكالة الاستخبارات الأمريكية ولوكالة الأمن القومي التي يرأسها الآن جيمس كلابر.
الفدرالية الروسية ليست عاجزة بسبب الملف الأوكراني أو غيره من ملفات الخلافات مع واشنطن، عندما تحذّر فقط من ضرب داعش وبنفس الوقت ضرب قوّات النظام السوري، فموسكو مدركة أنّ واشنطن وحلفائها مقبلون وبقوّة على فخ عميق ومتاهات جديدة لن تخرج منها بسهولة، فسوف تمارس روسيّا سياسة الانتظار والمراقبة مع الاستمرار بدعم الدولة الوطنية السورية ونظامها عسكرياً ومالياً وبكل شيء(اتصال مفاجىء منذ شباط الماضي، بين باراك أوباما وفلادمير بوتين، جاء بطلب الأول باراك).
ومرةّ ثانيةً قامت أمريكا بلعبة تخفيض أسعار النفط رغم خسارتها من الصخر الزيتي، لغايات ضرب روسيّا وإيران وفنزويلا بضربة واحدة مع دفع دول المشيخات العربية لمواصلة ضخ النفط لإغراق السوق، حيث للولايات المتحدة الأمريكية(إستراتيجية صامته)تسعى لتجربتها في المنطقة العربية والعالم، بعد أن فقدت استراتيجياتها الحالية أقدامها بما فيها (إستراتيجية الوقت)التي تراهن عليها الآن في حربها المزعومة على الإرهاب، بأنّ ينتج عن ضرب مجتمعات الدواعش منظومات صديقة لها، أو القيام بضربات ملتبسة وحسب وجهة النظرة الفرنسية والتركية حيث المعني وحدات الجيش العربي السوري في حلب تحديداً، كونه هناك محاولات لكي تكون حلب مشمولة بخدمات التحالف الجوي لضرب الدواعش ومنظمة خراسان المنظمة الوهم.
إنّ مضمون(إستراتيجية الصمت الأمريكية)هي وقود بشري، ووسائل جاهلية، تستخدم الدين والمذهب، والقبيلة والاقتصاد والفقر، كقنابل في الحرب العالمية الثالثة أهم من النووي والكيميائي، عبر الصراعات الأثنية والعرقية والقوميات المختلفة في كل المنطقة الشرق الأوسطية لإنشاء دويلات اثنية وقومية متصارعة.
الكيان الصهيوني الطارىء على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة، والطارئ حتّى على ذاته ونفسه، يرى أنّ الموضوع السوري يتعلق بإيران وكلاهما موضوع واحد، وكأنّه لا علاقة لتل أبيب بما يحدث في سورية، يصر المعلقون والمحللون الإسرائيليون الآن، وبشكل علني، أن إسرائيل بحاجة إلى التعامل مع إيران من خلال التدخل في سورية، وقد تبلورَ التورط الإسرائيلي في سورية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والناتو منذ العام 2012 م. وكان واضحاً أن إسرائيل تعمل في مجموعة مكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والناتو والسعودية وقطر والبعض العربي الأخر وتحالف 14 آذار الذي يشكل الأقلية اللبنانية، والمغتصبين المدعومين من الناتو الذين سيطروا على الجماهيرية العربية الليبية ودمروها وقتلوا زعيمها العربي البدوي معمّر القذافي.
إن الصراع في سورية العربية ليس شأناً إسرائيلياً فقط، فالنزيف البطيء في سورية يهم أطرافاً أخرى تريد تحطيم الدولة السورية ومجتمعها إلى أجزاء متناثرة، والولايات المتحدة أحد أهم هذه الأطراف، يليها الدكتاتوريون العرب، كما أن الناتو كان دائماً متورطاً فيما يحدث بشكل سري.
إن تورط الناتو في سورية جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة في استخدام التحالف العسكري للهيمنة على الشرق الأوسط، ولهذا السبب تم اتخاذ القرار بنصب جزء من الدرع الصاروخي في تركيا منذ عام، وتم مؤخراً نصب أجزاء أخرى وسرّاً، ولهذا السبب أيضاً يتم نشر صواريخ “باتريوت” على الحدود السورية مع تركيا، كما أن “مبادرة اسطنبول للتعاون” و “الحوار المتوسطي” برعاية الناتو من مكونات هذه الخطط أيضاً، وإضافة إلى ذلك، ألغت تركيا “الڤيتو” الذي سبق أن استخدمته ضد انضمام إسرائيل الصهيونية إلى الناتو، وأعلن احمد داوود أوغلو مؤخراً، أنّ الخطوة القادمة صارت في الملعب الإسرائيلي لاستكمال تطبيع العلاقات من جديد وبقوّة، بعد أن قامت تركيا ممثلة بحكومتها الحالية بتذليل جلّ عقبات تطبيع العلاقات.
يعيد الناتو توجيه نفسه نحو الحرب غير المتساوقة، كما يتم التركيز الآن على العمليات الاستخباراتية، وقد انكبَ المخططون الإستراتيجيون في الناتو وبشكل متزايد، على دراسة الأكراد والعراق وحزب الله وسورية وإيران والفلسطينيين والنسيج الديمغرافي الخليط في الأردن. وفي سيناريو الحرب الشاملة، يحضّر الناتو نفسه لأدوار عسكرية سريّة في كل من سورية وإيران(سواء وقّع الاتفاق معها أم لم يوقّع) ثم في الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تم اختصاره قصداً من بعض العرب بالمسار الفلسطيني – الإسرائيلي، ضمن ما تسمى بعملية السلام في المنطقة.
هذا ويتم العمل أيضاً على زعزعة العراق بشكل أكبر، فبينما تم اختبار حلفاء إيران في دمشق، لم يتم اختبار حلفائها في العراق بعد، فبعد سورية، سوف يتحول اهتمام مجموعة الدول التي تعمل ضد سورية إلى العراق، وقد شرعوا سلفاً في تحريك العراق على أساس خطوط التماس الطائفية والسياسية، وتلعب تركيا وقطر والسعودية أدواراً هامة في تحقيق هذا الهدف، والواضح الآن هو أنّ الفروق بين المسلمين الشيعة والمسلمين السنة التي عملت واشنطن على تعميقها منذ الغزو الآنغلو – أمريكي للعراق في سنة 2003م تتفاقم الآن عبر الطائفية الكردية.
يبدو أن الكثيرين في المؤسسة السياسية الإسرائيلية الصهيونية، يعتقدون الآن أنهم نجحوا في تحطيم “كتلة المقاومة” ومحورها، وسواء كانوا على صواب أم لا، فهذا موضوع خاضع للنقاش والتحاور والتداول، لا تزال سورية واقفة على قدميها، و “حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية(التي كانت المجموعة الفلسطينية الأكثر نشاطاً في محاربتها لإسرائيل من غزة في 2012م و 2014 م)، وفصائل فلسطينية أخرى سوف تقف مع إيران حتى لو تمكنت مصر من تقييد يدي “حماس”، وهناك أيضاً حلفاء إيران في العراق، كما أن سورية ليست خط الإمداد الوحيد لإيران لتسليح حليفها حزب الله، الواضح أيضاً أن الحصار والحرب الكونية على سورية هي واجهة في الحرب السرية متعددة الأبعاد ضد إيران. ومن شأن هذا وحده أن يدفعَ الناس إلى إعادة التفكير، في تصريحات المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم حول قلقهم على الشعب السوري على أساس من الإنسانية والديمقراطية.
هناك مرحلة إستراتيجية في حرب البنتاغون السريّة ضد طهران وعليها، حتّى وقبل الانتهاء من الملف السوري ضمن الخيارات المحدودة والمحصورة عبر التسويات السياسية الراهنة، أو مآلات نتائج تمديد المفاوضات النووية بخصوص إيران أسابيع أو حتّى شهرين، لتجاوز العتبة الزمنية لتوقيع الاتفاق بين أيلول 2015 م إلى شباط 2016م، بعدها الإدارة الأمريكية بطّة عرجاء في اتخاذ أي قرار، حيث تستثمر الولايات المتحدة الأمريكية بإستراتيجية الوقت وانتظار تطورات الميدان واللعب في مكونات المحور الخصم لها في المنطقة والعالم، بما فيها مكونات ديمغرافية ومفاصل الدولة الفدرالية الروسية ومكونات ديمغرافية ومفاصل الدولة الصينية.
هاتف : 0795615721
منزل: 5674111 عمّان
سما الروسان في 28 – 6 – 2015 م
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية *