عند الأقدار تُعمى الأبصار – د. راضي الشعيبي
لا نريد أن نغوص في بحور التاريخ، ولكن فحوى المقال يتطلب التطرق لذلك، انطلاقاً من “فَذَكِّر إن نفعت الذكرى”.
لم نكن نتصور أو، نتخيل أو نتوقع أن القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، سيكون أكثر مأساوية ووبالاً وسواداً ودموية على الأمتين العربية والإسلامية من سابقه – القرن العشرين -، الذي نشبت فيه الحربان العالميتان، الأولى والثانية.
فيه تم عقد اتفاقية سايكس – بيكو بين الدولتين العنصريتين، الفرنسية والبريطانية بتقسيم بلاد الشام (سوريا الكبرى)، واقتسام الغنائم وبسط حكمهما الاستعماري المقيت بعد أن هزمتا شر هزيمة الإمبراطورية العثمانية التي أدخلت العالمين العربي والإسلامي في دياجير الظلام.
فيه صدر بيان آرثور بلفور وزير خارجية بريطانيا في 2 نوفمبر 1917، الذي يتعهد فيه ويعد الحركة الصهيونية اليهودية العالمية بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين العربية التاريخية. وفي عام 1924 تم توقيع المعاهدة الأنجلو-أمريكية التي تضمنت دعماً أمريكياً جديداً لوعد بلفور. لذا عينت بريطانيا هاربَرت صموئيل الصهيوني مندوباً سامياً بريطانياً على فلسطين للتمهيد لذلك، وتم التنفيذ فور انتهاء الحرب العالمية الثانية عبر حركات صهيونية يهودية إرهابية وحشية مجرمة مرعبة، دمَّرت وقتلت واغتصبت وهجَّرت أهلنا ورفعت علم إسرائيل فوق تلال وسهول وقرى ومدن فلسطين، تحت بصر وسمع الحكام العرب، الأُجراء المتعاملين الذين نصبتهم بريطانيا على كراسي الحكم الديكتاتوري.
فيه تم العدوان الثلاثي على مصر العربية، مصر الثورة العملاقة وقائدها العروبي الخالد جمال عبد الناصر.
وفي هذا القرن أيضاً برزت دويلات ومشيخات الخليج، عُيِّنَ لحكمها شيوخ عشائر وقبائل بدوية، أمية عميلة، أجيرة خانعة، ثبت لنا اليوم أنها مستعربة ومن أصول يهودية. فيه وبحرب صاعقة تم احتلال البقية الباقية من أرض فلسطين العربية التاريخية وعاصمتها القدس الشريف التي كانت تحكمها بالحديد والنار العائلة الهاشمية الفارة من الحجاز نتيجة لغزو محاربي بني سعود للحجاز.
فيه نشبت حرب أكتوبر مفخرة الجيشين العربيين المصري والسوري، اللذان حطما خط برليف وحرّرا القنيطرة. ولولا خديعة أنور السادات بوقفه إطلاق النار مع العدو رغم الانتصار الزاحف دون إعلام القيادة السورية بذلك، لَتَمَّ تحرير أغلبية الأراضي العربية المحتلة من قِبَل أشاوِس الجيش العربي السوري وصولاً إلى القدس الشريف التي كانت تشير إليها بوصلته.
فيه أولعت أصابع أعداء الأمة العربية وعملائها الحرب الأهلية في لبنان، عشرات الآلاف من القتلى الأبرياء، خراب وتدمير، وأصبحت مجازر صبرا وشاتيلا وتل الزعتر وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان في حافظة التاريخ.
فيه تمت اتفاقية أوسلو المشئومة الإستسلامية الانهزامية رغم تحذير قوى المقاومة الفلسطينية والوطنية رئاسة منظمة التحرير والسلطة من خطورة ذلك. وفيه شُنَّت عاصفة الصحراء التي دمرت العمود الفقري للجيش العربي العراقي، وفيه أيضاً قام جيش الاحتلال الصهيوني بشن حرب عناقيد الغضب على المقاومة اللبنانية الإسلامية ومناصريها. وفيه أيضاً تمت مذبحة قانا.
في هذا القرن ظهر جيل العمالقة من أمثال روزفلت، تشيرشل، ديغول، ستالين، وعبقرية هتلر الشريرة.
فيه ظهر جيل الثوار العظام: لينين، ماوتسيتنغ، هوشي منه، نهرو، تيتو، سوكارنو، جيفارا، كاسترو، نيكروما، والقائد العربي الثائر بامتياز جمال عبد الناصر…
وفيه ظهر جيل الإجرام اللاإنساني واللاأخلاقي: بن غوريون، شامير وبيريز البولنديون، وغولدا مائير الأكرانية، ومناحيم بيغن الروسي، إلى ديان وباراك وآليعازر…
كما نرى، إنها بانوراما عربية سوداء، والدراما أصبحت جمعاء، حتى أن الكل منا توسل إلى الله بسرعة انتهاء القرن العشرين ليسدل هذا الستار وكي تنطفئ الأنوار، عَلّا أن تُفتَح لنا نحن العرب، مسلمين ومسيحيين، نافذة الفرج. فقد ورثنا المقولة من الأجداد والآباء والأمهات “اطلب الفرج من قلب الضيق”.
طل علينا القرن الجديد الواحد والعشرين، وها هي قد مضت أربع عشرة سنة على إطلالته، ولم نَرَ في الأفق حتى اليوم إلا هدير الطائرات وقذائف الموت والرصاص المسكوب واحتلال بوش للعراق، ومناظر مروعة لأشلاء الأطفال والنساء والآمنين العزَّل. لم تشهد الإنسانية مثيلاً لهذه الجرائم الوحشية البربرية، براكين في العراق، وزلازل في ليبيا وعواصف عاتية في الصومال، حرب كونية ظلامية على سوريا وعاصفة الحزم، وهي حرب حقد تكفيرية عمياء على اليمن العربي المسلم. ظلاميون تكفيريون جهلة يرفعون المصاحف على أسنة السيوف لهزم وقهر الإسلام الإنساني تحت غطاء التظاهر بالإيمان. طغيان الحلفاء ونفاق العلماء والإفتاء، المرتزقة. مجتمعات عربية تائهة وضائعة. أدمغة استخبارية تتحكم وتحكم. أزمة عميقة في الضمير العربي، التكلم بالعربية أصبح من معاييب المجتمع. كَثُر الأذناب من حملة الاقلام والمباخر الصحفية. تفاقم حجم التلوث الأخلاقي والسياسي والاقتصادي الذي يُحدثه النفط وشيوخه، وأمراء الظلام في هواء منطقتنا العربية والإسلامية. أشباح هائمة وليست نائمة. أمتنا العربية تعيش مرحلة تناحر، مشتتة الولاءات والنَّزَعات، غفلة السلاطين المطلقة عن أداء حقوق الرعية. دول ودويلات ومشيخات تحكمها عائلات استبدادية واستعبادية واستعلائية، عميلة وفاجرة وأجيرة وفاسدة، تنهب أموال الأمة لتعيش في بحور وأبراج البذخ والترف، تعيش تحت إرادة الطاغوت الأمريكي الصهيوني والأنجلو-فرنسي، عاجزة عن متابعة وملاحقة تطورات العصر من علمية وتكنولوجيبة وديمقراطية. فاقدة للإشعال الفكري، قابعون في قصور المُجون والجنون، نصفهم مجنون والنصف الآخر بنصف عقل، يُمولون ويرعون الإرهاب التكفيري، الوجه الآخر لعملة الإرهاب الصهيوني. يقتلون الحياة ويُنزِفون الدماء ويغتصبون النساء ويعممون ثقافة الفكر الإرهابي لتدمير العقول. أصبح إسلامهم لا يعدو عن ترديد أقوال وتراتيل وعبارات لا يفهمون معانيها. لغرورهم وجهلهم لا يستطيعيون الموازنة بين الروح والمادة وبين العقل والقلب وبين الحقوق والواجبات، والأهم من ذلك بين الدنيا والآخرة.
إن الحرب الظلامية التكفيرية الإرهابية الظالمة على سوريا واليمن والعراق وليبيا ومصر العربية تسمح لنا وتُرغمنا على السؤال والبحث: هل حكام الخليج وبني سعود من أصول عربية أم يهود؟!
إننا نقول ونؤكد إن مصر العربية لا يمكن ولن تكون رأس الحربة السعودية لطعن ومحاربة إيران الإسلامية ونشر الإرهاب، وهي التي أنزلت علم إسرائيل في طهران ورفعت مكانه علم فلسطين. إن التاريخ بدأ يسجل رواية بداية النهاية لولايات هذه العائلات الحاكمة الظالمة الطاغية الفاسدة والمفسدة، الفاقدة للضمير والإنسانية والإيمان.
لولا حاسة القداسة وشدة الإيمان لما أصبحت الحياة جديرة بأن نحياها، ونحن على يقين مطلق بأنه عند الأقدار تُعمى الأبصار.
“وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين”. صدق الله العظيم.