عن تملك الفلسطينيين في لبنان
نضال حمد
لماذا يدعي البعض في لبنان أن الوقت غير ملائم كي يتملك الفلسطينيون في لبنان شقة أو عقار مثل كل المُلاك في لبنان؟
هل صحيح أن طرح موضوع تملك الفلسطينيين للعقارات قد يؤدي لانقسامات في المجتمع اللبناني؟
هل حجة البعض التي تقول أن الظرف غير مناسب للسماح للفلسطيني مجددا بتملك عقارات في لبنان صحيحة ومقنعة؟
هل الغريب في لبنان عن الأذن والمنطق هو طرح قضية إلغاء القانون الذي يحظر تملك الفلسطينيين في لبنان الشقيق؟
لا غريب إلا الشيطان الأكبر والشياطين الصغار الذين حرموا الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية، وأهمها حقه بالعيش حرا كريما في وطنه العربي الكبير، وفي بلده الثاني، حيث ولد وكبر ونما وترعرع وتزوج وأنجب، وحيث يعيش وعاش ومات أجداده وآباؤه وقد يموت هو أيضاً هناك إذا ماعاد الى فلسطين المحررة.
وحيث للأسف يمتهن ويذل ويهان بقوانين رسمية صادرة عن برلمان فيه نواب غرباء عن واقعهم ولا ينتمون للعروبة. نستطيع القول أن منهم من لا ينتمي لواقعه، لأنه يطالب بحرمان الفلسطيني من حق الحياة بشكل انساني وعادي في مخيماته، وبنفس الوقت يطالب بالعفو عن الذين ذبحوا الفلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا، وكذلك عن الذين تعاملوا مع الاحتلال الصهيوني أو هربوا معه يوم اندحر مهزوما عن جنوب العرب بفضل المقاومة اللبنانية الصلبة.
آن الأوان لكي يفهم بعض اللبنانيين ممن يدعون الخوف على لبنان من الفلسطينيين أن هؤلاء لن يقبلوا بتوطنيهم في لبنان، رغم أنهم ولدوا ونموا وترعرعوا وتزوجوا وتخالطوا وأنجبوا هناك. كل هذا لسبب واحد وحيد فقط لا غير، أن لهم وطنا محتلا وبيوتا ومنازل وأراضي مغتصبة لا بد أن يسترجعوها ويعودوا أليها. ويدعمهم في ذلك قرار دولي وافقت عليه الأمم المتحدة كاملة، وهو القرار 194بالرغم من عدم تطبيق أي قرار دولي بخصوص الفلسطينيين. كما يدعمهم في ذلك كل حر وشريف ومقاوم في العالم.
نفس البرلمان الذي يمنع الفلسطينيين من التملك يؤيد بالإجماع تقريبا حق لبنان في المقاومة والحرية والتحرير، ونفس البرلمان يعطي الجنسية اللبنانية ” لضراب الطبل” كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني، ولكن عندما تصل الأمور لحياة اللاجئ الفلسطيني في هذا البلد الذي حقق أول انتصار عربي تاريخي على (إسرائيل)، وكان للفلسطينيين دورهم في تحقيق هذا الانتصار، تصبح الطرق مسدودة و السُبُل مقطوعة، فَيُحاصَر المخيم ويزداد عذابه عذابا، وتُجوع العائلات بسبب منع أربابها من ممارسة العمل كما أي عامل آخر في لبنان، سواء أكان لبنانيا أم سوريا أو خادمة من بنغلادش وأثيوبيا وسيريلنكا. كما وتوضع الحواجز على مداخل المخيمات الفلسطينية مما يظهر هذه المخيمات وكأنها بؤر معزولة ومغلقة ومحاصرة، عنوة عن باقي الأراضي اللبنانية.
عاش الفلسطيني في لبنان محروما من أبسط الحقوق المدنية والإنسانية بحجة التوازن الطائفي، ولم يستطع الخروج قليلا من ذلك الحرمان سوى في فترة الحرب الأهلية، فخرج من دائرة المعاملة الرسمية غير العادلة لبرهة من الزمن، وذلك نتيجة تبدل ميزان القوى في ظل وجود منظمة التحير الفلسطينية وحلفاؤها في الحركة الوطنية اللبنانية، وأنتشار المَد القومي واليساري في العالم العربي عامة وفي لبنان خاصة، ثم ما لبث أن دخل آتون الحرب الطائفية الهمجية مجبرا بحكم العداء الذي كانت تكنه بعض القوى الانعزالية وبحكم المؤامرة على لبنان وفلسطين والمنطقة.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية مقبرة للسلام وللنعيم والأزدهار الذي كان يعم لبنان، وكان نصيب الفلسطيني فيها الكثير من المجازر والتصفيات الجسدية، وقد كلفته دمار وزوال عدة مخيمات فلسطينية، أهمها على الإطلاق مخيم تل الزعتر شرق بيروت، حيث كان قبله المصير المأساوي لمخيم االنبطية جنوب لبنان بفضل العدوان الصهيوني. أبيد ومسح مخيم تل الزعتر بالقنابل الكتائبية الانعزالية، مدعومة من بعض الأشقاء والأعداء في آن واحد، وحصل الشيء نفسه مع مخيمات وتجمعات جسر الباشا وضبية وبرج حمود والمسلخ والكرنتينا، مما جعل القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية ترد باحتلال بلدة الدامور الساحلية وتهجير سكانها، وعلى رأسهم زعيم حزب الوطنيين الأحرار الرئيس السابق كميل شمعون حليف الكيان الصهيوني والأمريكان. للعلم فأن بلدة الدامور كانت تقطع طريق بيروت والجنوب ويقوم مسلحوها بقطع رؤوس الفلسطينيين والمسلمين واليسارين اللبنانيين الذين يصادف مرورهم من تلك المنطقة.
ثم كان حصار بيروت سنة 1982، وما تلاه من حروب كادت تعصف بالفلسطينيين في مخيمات بيروت والجنوب، وبالذات مخيمي صبرا وشاتيلا، حيث حصلت المجزرة الشهيرة بقيادة شارون وإلي حبيقة وقادة الجبهة اللبنانية الانعزالية التي تزعمها لاحقاً سمير ججع، ومن ثم حصار المخيمات الشهير من قبل حركة أمل الذي دام أكثر من سنتين.
قبل ذلك ومنذ اللجوء عام 1948 وحتى منتصف السبعينات كانت المخابرات اللبنانية، المعروفة بالمكتب الثاني تحكم قبضتها على المخيمات، وتمارس قهرا وظلما بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ودفع الفلسطينيون في لبنان العديد من الشهداء في هبة 29 نيسان 1969 ضد ممارسات المكتب الثاني اللبناني، ومن أجل العدالة والمساواة والحقوق المدنية والسياسية.
بعد رحيل منظمة التحرير عن لبنان وتوقيع اتفاق الطائف ونهاية الحرب الأهلية اللبنانية، ثم وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد انتصار المقاومة اللبنانية على الاحتلال بأقل من سنة تقريبا، تحديدا يوم 21-03- 2001، وهذا يوم الأم وعيد الربيع في بلادنا العربية، صدَّق مجلس النواب اللبناني على تعديل بعض مواد القانون المنفذ بالمرسوم الرقم 11614 تاريخ 4-1-1969، المتعلق بإكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان أي تملك الأجانب، وبما أن الفلسطينيين في لبنان يعتبرهم بعض اللبنانيين أكثر من أجانب، حرمهم هذا المرسوم في فقرته 296 من حق التملك والتوريث، حفاظا على حق عودتهم كما يقول أصحاب المشروع المجحف، الذي لم يكن غيرة على الفلسطينيين وحق عودتهم، بل لتطفيشهم وتيئيسهم وإهلاكهم. لأن الفقرة 296 تحرم اللاجئين الفلسطينيين من حق تملك أي شقة سكنية أو أراضٍ وعقارات، ويحرم هذا القانون الفلسطينيين من حق الوراثة، مما يعني أن ورثة الفلسطيني عندما يموت تذهب للذين حرموه من توريثها لأولاده أي تذهب للدولة اللبنانية.
هل هكذا وبهذه الطرق يكون التضامن مع الشعب الفلسطيني والعمل من أجل حق العودة وتطبيق القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين؟
بالطبع لا، لأن الحياة الكريمة والحرة والكرامة المصانة والحقوق المشروعة للاجئ الفلسطيني في لبنان وغيره من الدول العربية، هي العامل المساعد على تمسك اللاجئ الفلسطيني بحقه بالعودة والعمل بكل صدق وأمانة من أجل تحقيق تلك العودة.
التضييق على الفلسطينيين في لبنان يدفعهم لليأس والهرب واللجوء ألى دول أوروبا وأمريكا، ولا يساعد على التمسك بحق العودة أو تطبيقه، بل يضيق الخناق على اللاجئ ويدفعه قسرا وقهرا للتفكير بالهجرة والبحث عن أمكنة يستطيع فيها تأمين حياته وصون كرامته، والتهجير بالذات هو ما يربو إليه المشروع الصهيوني.
لقد نص القرار الغريب العجيب للبرلمان اللبناني، على أنه ” لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين“.
هذا القرار وهذه الفقرة بالذات موجهة ضد الفلسطينيين عنوة عن البقية. وكان عشرة من النواب اللبنانيين قدموا طعنا للمجلس الدستوري لإلغاء هذه الفقرة المجحفة، المخصصة ضد الفلسطينيين عنوة عن غيرهم، خاصة أن هؤلاء يسكنون في لبنان رغما عنهم منذ تم تهجيرهم من بلادهم المحتلة فلسطين.
يذكر أن القرار المذكور يحرم الفلسطيني من أم لبنانية من وراثة والدته، فهل هذا أيضا حفاظا على حق العودة ؟
مع العلم أن هذا أيضا خلف مشاكل قانونية وإنسانية كبيرة.
الذي يُحير أن كل من الفلسطينيين واللبنانيين يتمسكون بمبدأ حق العودة ويرفضون التوطين والوطن البديل، وهناك إجماع من الطرفين على هذه الثابتة. فمادام هناك إجماع وتوافق لماذا ترفض الجهات اللبنانية اتخاذ قرارات جديدة تزيل تلك القرارات السابقة؟ فأقل ما يقال عنها أنها عنصرية ظالمة ومجحفة وغير قومية، ولا تتناسب مع موقف لبنان السياسي، القومي، الرافض للمؤامرة الصهيونية الأمريكية.
اننا كعرب وكفلسطينيين نعيش في أوروبا وبالذات في اسكندينافيا حيث نتمتع بكافة الحقوق تماما كما المواطن الأوروبي أو الإسكندنافي، نشعر بالمرارة والغضب من تلكم القرارات الظالمة التي اتخذها برلمان عربي ضد اللاجئين من الفلسطينيين .
وعندما نقارن بين الحقوق التي يحصل عليها ا للاجئ في النرويج مثلا، حيث يكون بعد ثلاث سنوات من إقامته في المنطقة التي يقيم فيها من حقه الترشح للانتخاب البلدية، وبعد خمس أو سبع سنوات من حقه المشاركة في الترشح للانتخابات البرلمانية ككل مواطن نرويجي. عندما نقارن بين الغرب والعرب، ترتبط ألسنتنا ونقف مذهولين أمام واقع عربي رديء ومُرّ وسيئ .
فكيف لهذه الأمة الواحدة أن تنتصر في معاركها وأن تتوحد في مصيرها مادامت فيها كل هذه السياسات والقوانين المعيبة والمشينة؟
وتعقيبا على كلام البعض عن أن الظروف غير مناسبة وغير مؤاتيه لتغيير القانون الظالم والمجحف، نقول أن هذا الظرف جيد وطبيعي جدا، لأنه يترافق مع حملة صهيونية يشارك فيها البعض الفلسطيني والعربي من أجل شطب حق العودة، وتهجير وتوطين الفلسطينيين في بلاد ألله الواسعة، باستثناء إعادتهم إلى بيوتهم ومنازلهم وأملاكهم التي سلبت منهم في فلسطين المحتلة.
كما أن ظروف لبنان مناسبة لأن البيت اللبناني يعيش حالة تماسك ووفاق وطني، كذلك لا يوجد أي خلاف في هذه القضية بين السلطات اللبنانية والمرجعيات الفلسطينية في المخيمات والقيادة السياسية الفلسطينية في الداخل وفي الشتات.
إن تملك الفلسطيني وكسبه لحقه الطبيعي، والعيش بكرامة وشرف وحرية كالمواطن اللبناني هو شرط أساسي من شروط السلم الأهلي في لبنان، فالفلسطيني معني بالحياة الهادئة والمسالمة والطبيعية في بلدٍ ولد وكبر وتزوج وأنجب فيه، وتصاهر مع اللبنانيين وتصاهر اللبنانيون معه، وهناك شخصيات وقيادات سياسية روحية وثقافية وأدبية لبنانية وفلسطينية متزوجة من الطرفين، فكيف يمكن تفريق هؤلاء عن باقي الناس العاديين، وهل يسري القانون عليهم؟ … وعلى الفقراء والأغنياء وعلى العاديين والقياديين من الشعبين؟. حتى نستطيع القول أن القانون يشمل كذلك كل لبناني متزوج من فلسطينية أو كل لبنانية متزوجة من فلسطيني والعكس كذلك.
الحل الأنسب للبنان وللفلسطينيين يكون بإعطاء الفلسطيني حقوقه المدنية بدون استثناء لأن الحياة الكريمة تجعل الفلسطيني يتمسك بحق العودة ويرفض التوطين أينما كان.
2003 / 10 / 16