عن مبادرة الجهاد الإسلامي – أيوب عثمان
حينما نتوفر على مناقشة مبادرة النقاط العشر التي أعلن عنها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور/ رمضان شلح، في الثاني والعشرين من أكتوبر2016، فإنما نتوفر عليها ونحن ندرك حقيقة مفادها أن هذه المبادرة إنما يطرحها تنظيم إسلامي وطني رفض أوسلو في حينه، وما يزال، كما رفض الالتحاق بأي من تبعاته ورفض المشاركة في أي من تعبيراته، وما يزال، غير أنه ظل طيلة الوقت حاضراً وفاعلاً، حتى أنه لم يغب – أبداً – عن حلبة السياسة أو عن ميدان المقاومة.
ربما لا نجد فلسطينيا شريفاً واحداً على وجه هذه الدنيا الواسعة يعترض على هذه المبادرة من حيث غايتها ومنتهاها، غير أن علتها في نهجها وفي الآليات والوسائل المقترحة لبلوغها. فأن نلغي اتفاق أوسلو ونوقف العمل به، وأن نسحب الاعتراف بدولة الاحتلال، وأن نعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وأن نعلن أن الأولوية هي للمقاومة في سياق الاستمرار في مرحلة تحررنا الوطني، وأن ننهي الانقسام على درب تحقيق وحدتنا الوطنية ليصاغ في إطارها برنامج وطني يعزز صمود شعبنا ويرسخ وجوده وثباته على قاعدة التحلل من أوسلو، فتلك لعمري هي أسمى الغايات لدينا وأشرف المطالب، ولكن “ما السبيل إلى كل ذلك؟ وكيف؟”، وهو سؤال مهم لم تتضمنه ولم تجب عنه المبادرة التي أحسب أن صاحبها – القائد الثائر الدكتور/ رمضان شلح – قد استأخرها بقصدية وطنية مخلصة ومتأنية، مفضلاً – بما فيه من سعة صدر – أن يستمع هو منا قبل أن يقول لنا، وهذه هي صفة من صفات الريادة والقيادة والزعامة، ذلك أن “سعة الصدر آلة الرياسة”، كما قال الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.
البندان الأول والثاني في مبادرة الجهاد الإسلامي – إلغاء اتفاقية أوسلو وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال – هما مطلبان على الرغم من أنهما يعبران عن إرادة الشعب الفلسطيني، إلا أن عباس لن يعطي لأي منهما أي اهتمام، وأكاد أجزم أنه (أي عباس) لن يكلف نفسه حتى عناء القول لمطلق المبادرة، الدكتور/ شلح: ” إنني جد راغب في أن استجيب لمبادرتك، ولكن… ما السبيل إلى ذلك؟ وكيف؟”. وعليه، فما الذي يتوجب على الجهاد الإسلامي – بصفته مطلق المبادرة – أن يفعله حيال عدم استجابة عباس وصده واستنطاعه؟! إن طرح هذين المطلبين – إلغاء أوسلو وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال – اللذين يعبران، كما أسلفنا، عن إرادة الشعب الفلسطيني، إنما يستدعي مترتبات ونتائج يتوجب علينا أن نفكر فيها وأن نستعد لمواجهتها بخطى سليمة وواثقة ومدروسة ، ذلك أن إلغاء أوسلو وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال سيخلق مترتبات (إسرائيلية) وسيؤدي إلى ردود فعل إقليمية ودولية وعربية أيضاً. فمن بين تلك المترتبات الكثيرة غياب أو سقوط سلطة أوسلو التي يرى البعض أنها من أهم مكتسبات الشعب الفلسطيني، على الرغم من كل ما يعتور هذه المكتسبات من ضعف ونواقص وانتكاسات، فضلاً عن عدم وقوف دولة الاحتلال مكتوفة الأيدي لتتفرج، ذلك أنها قد تعيد الانتشار العسكري وتستولي على مزيد من الأراضي، فضلاً عن أنها قد تأتي على أمور وتتخذ إجراءات وأفعال وخطوات أخرى ذات نص مفتوح على خيارات وممكنات لديها، فيما نحن لا نعلم شيئاً عنها.
أما البند الثالث، وهو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، فهو مطلب يلزمه توضيح عما إذا كان المقصود بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية هو هدمها، تمهيداً لإعادة بنائها وتغييرها، أم المقصود ترميمها وتحسينها وتعديلها وتنشيطها وتطويرها وتجديدها لإعادة تفعيلها؟ فإذا ما أجيب عن هذه التساؤلات بتوفير الإيضاحات، فإننا نعود من جديد لسؤال “كيف؟”، لا سيما وإن مطالبة الدكتور/ رمضان شلح بإعادة بناء منظمة التحرير سبق وان تكررت بصيغتين مختلفتين ما تزالان تنتجان غموضاً والتباساً حتى وإن لم يُسْتجب لمثل هذه المطالبة ولو باختيار الأيسر والأنسب والأقرب من بين هاتين الصيغتين. فقد تكررت هذه المطالبة – وبالصيغتين المختلفتين – أكثر من مرة، وقد تم التوقيع على اتفاقات أكثر من مرة، في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من مكان، دون أن يتحقق منها أي شيء في أي مرة، لا لشيء إلا لأن أبا مازن يرد عمليا على هذا الزمن الفلسطيني الفصائلي الرديء وكأنه يقول للفصائل الفلسطينية بقياداتها، ساخراً منها ومستخفاً بها: ” قولوا ما شئتم، أما أنا فأفعل ما أشاء”!!!
وأما البند الرابع في مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي ذات النقاط العشر، وهو إعلان أن الأولوية لدى شعبنا الواقع تحت الاحتلال إنما هي للمقاومة، لا سيما وإن شعبنا ما يزال في مرحلة التحرر الوطني، فهو مطلب حق لا جدال فيه ولا قيد عليه، إلا أن شعبنا بكل فئاته وشرائحه وانتماءاته – والدكتور/ رمضان معه وبعده وقبله – قد سمع عباس بالأذن وشاهده بالعين وهو يصف المقاومة بأنها “عبثية”! وعليه فإن من يقع عليه – وجوبا – عبء الإعلان عن أن الأولوية لدى شعبنا هي للمقاومة وأن شعبنا ما يزال في مرحلة التحرر الوطني إنما هو المقاوم لا المساوم.
أما البند الخامس، وهو إنهاء الانقسام، فنعم المطلب هذا، ولكن “سؤال كيف” يقفز في وجوهنا جميعاً، وقد سبق للدكتور/ رمضان أن شهد إطلاق مبادرات ودعوات ونداءات ومناشدات وحوارات، وهو الذي يعلم أكثر من سواه كم من الاتفاقات لإنهاء الانقسام قد تم التوقيع عليها، فيما ظل الانقسام قائماً، بل ترسخ وتجذر واستعصى؟! أما صياغة برنامج وطني وإعداد استراتيجية جديدة على قاعدة التحلل من أوسلو فتحصيل حاصل، لاسيما وإن مطلق المبادرة قد صاغ هذه المطالب المحددة، استناداً – كما قال – على قاعدة التحلل من أوسلو، الأمر الذي يعني أننا إذا ملكنا القوة والإرادة فتحللنا من أوسلو غاب الانقسام عنا وتحققت وحدتنا التي تمكننا من فعل كل ما نريد ، غير أن التساؤل ذاته يبقى قائماً حتى يجاب عنه: “ما السبيل إلى ذلك، وكيف؟!” إن المطالبة بصياغة برنامج وطني لتعزيز صمود شعبنا كما جاء في البند السادس من المبادرة هو– كما أرى – تكرار للبند السابق (الخامس)، اللهم إلا إذا كان الدكتور/ رمضان، يريدنا أن نفهم أن مطالبته بصياغة برنامج وطني جديد كما ورد في البند السابق (الخامس) لا تتضمن تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وثباته!!!
أما البنود السابع والثامن والتاسع، فتتضمن مطالب عظيمة تتحقق تلقائيا بعد التمكن من إلغاء أوسلو وسحب الاعتراف الفلسطيني بدولة الاحتلال، ذلك أننا إن قمنا بالإعلان عن إلغاء أوسلو وعن سحب اعترافنا بمحتلنا، فإن العالم كله – المنحاز لنا والمنحاز علينا – سيحترمنا ويخشانا وسيحسب ألف حساب لنا. أما أبناء جلدتنا، فسيوقفون – بالحتمية – قطار هرولتهم نحو محتلنا وسيسحبون – وهم سعداء مفاخرون بنا – من على طاولة الاستجداء والذلة والمهانة ما أسموه “مبادرة السلام العربية”!
أما البند الأخير (الخاتم)، فإن الأقوم والأفضل والأعدل أن يصبح البند الفاتح (الأول)، وهو إطلاق حوار وطني شامل تكون أولى ثماره إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، تمهيداً لدراسة المبادرة ومناقشتها مناقشة وطنية عميقة متأينة واعية تنتهي إلى ترتيب أولوياتها وخطواتها، بغية التحرك صوب التنفيذ بمقتضاها.
هذا، وقد يكون من الأصوب أن يعاد ترتيب بنود المبادرة من حيث أولوية خطواتها لتصبح على النحو الوارد أدناه، مع الاستئذان بإضافة البند (5) أدناه إلى مبادرة الجهاد الإسلامي ودمج بنديها (5) و (6) في بند واحد كما هو في البند (2) أدناه، منوهاً إلى إضافة إلغاء اتفاق آخر يتزامن مع إلغاء أوسلو، كما هو واضح في البند (7) أدناه:
-
إطلاق الحوار الوطني الشامل.
-
إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.
-
الإعلان أن الأولوية لشعبنا هي للمقاومة وأننا في مرحلة التحرر الوطني.
-
تجديد وتطوير وإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها ممثلنا الشرعي الوحيد.
-
إلغاء هيمنة الزمن الفصائلي على قضيتنا وحياتنا، واستبداله بزمن وطني وحدوي.
-
صياغة برنامج وطني جديد لتعزيز الصمود وترسيخ الوجود.
-
إعلان إلغاء أوسلو وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال بحيث يتزامن مع ذلك إلغاء اتفاق التهدئة الأمني بين حماس ودولة الاحتلال الموقع في 21/10/2012 في عهد الرئيس مرسي والذي تم تجديده في 26/8/2014 في عهد الرئيس السيسي.
-
التأكيد على وحدة شعبنا الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة وفي المنافي والشتات.
-
الاتصال بالأطراف العربية والإسلامية ليتحملوا مسؤولياتهم التاريخية لوقف قطار الهرولة وسحب المبادرة العربية.
-
ملاحقة دولة الاحتلال وقادتها لمحاكمتهم أمام الجنائية الدولية، فضلاً عن العمل على تفعيل حركة المقاطعة لدولة للاحتلال.
أما بند المطالبة بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الوارد في (خامساً) من مبادرة الجهاد الإسلامي، فهو مطلب يستدعي توضيح معنى “الانقسام” ومعنى “الوحدة الوطنية”. فالانقسام الذي نعانيه هو في الأصل ليس انقساماً – كما نظن – بين فتح وحماس، وإنما هو انقسام بين برنامج يعتمد المقاومة سبيلاً للتحرير واسترداد الأرض والحقوق، وهذا ما تسلكه بوضوح حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وبرنامجاً آخر يعتمد المفاوضة والمساومة، وهذا ما تسلكه منظمة التحرير التي تقودها حركة فتح التي يرئسها رئيس السلطة والمنظمة، محمود عباس، الذي أعلن غير مرة أن المقاومة “عبثية”، كما أعلن ألف مرة أنه ليس أمامنا إلا التفاوض، وحتى إن فشل التفاوض فليس لنا إلا التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض، ناهيك عن أمين سر اللجنة التنفيذية الفتحاوي، كبير المفاوضين، صائب عريقات، الذي نشر كتاباً أسماه “الحياة مفاوضات”!
هذا “الانقسام” الذي نعاني اليوم منه لم يكن قد ولد في 14/7/2007 الذي يؤرخ له – هذه الأيام – به، وإنما بدا في أوسلو حين فرض فصيل واحد إرادته على شعب بأكمله دون استشارته، ودون الاستئناس برأيه، ودون استفتائه، مع معارضة مستكينة خجولة للفصائل الأخرى. إذاً، أوسلو هو الانقسام الحقيقي والأساسي الذي كانت أحداث 14/7/2007 هي أحد أشكاله، فيما أحد أشكاله الأخرى، وربما لأسباب مختلفة، ما هو حادث الآن من انقسام فتحاوي/ فتحاوي يراه شعبنا رأى العيان في كل يوم.
أما معنى “الوحدة الوطنية” الذي بت أشك أنه مفهوم أو مصطلح غامض وملتبس، حيث يعتقد الكثيرون أن “الوحدة الوطنية” إنما هي وحدة بين الفصائل أو وحدة بين بعض الفصائل، بغض النظر عن الشعب الذي خرجت منه هذه الفصائل، الأمر الذي يعني أن الشعب في المحصلة النهائية ليس موحداً، وأن من أكبر العوائق التي تحول دون تحقيق وحدة الشعب هو وجود أي خلاف مع أي فصيل أو تنظيم آخر، حتى لو كان ذلك الخلاف خلافاً في موقف واحد وعلى أمر واحد.
وبعد، فعلى الرغم من أن أهم ما جاءت به مبادرة النقاط العشر للدكتور/ رمضان شلح هو إطلاق الحوار الوطني الشامل، إلا أن الأهم هو: تحقيق التلاقي الإيجابي من أجل حوار منتج بناء مع إجادة إدارته وإنجازه وإنجاحه لتمكينه من بلوغ أهدافه وغاياته التي من أهمها إجراء مراجعة جادة وصريحة لكل ما فات بروح انتفادية إيجابية وطنية.
أما آخر الكلام، فإن كلمة السر لنجاح أي مبادرة تنقلنا من الانقسام إلى الوحدة هي النجاح في التوفيق بين برنامج يؤمن أصحابه – بعد ثلاثة وعشرين عاماً من مفاوضات عبثية بعد أوسلو – أن إنهاء الاحتلال لن يكون إلا بمقاتلته ومقاومته، وبرنامج آخر يأمل أصحابه في إنهاء الاحتلال – رغم انقضاء ثلاثة وعشرين عاماً في مفاوضات لم تنتج إلا صفراً كبيراً – قد يكون بمفاوضته والتفاهم معه.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة