عن مناضل فلسطيني جريح – نضال حمد
في البداية أو توضيح أمر هذه المقالة. لقد ذكرني أحد الرفاق والأخوة والأصدقاء الحميمين بمناضل فلسطيني جريح مجهول، من مخيمنا عين الحلوة وهو من رفاق الصبا والبدايات المخيمية والفدائية، كما أنه من الشباب الفتحاويين نسبة لحركة فتح. فقد كنا ونحن صغار في المخيم ومع بداية العمل الفدائي يختار كل واحد منا توجهه السياسي والعقائدي. أنا وبعض الأصدقاء إخترنا اليسار الفلسطيني ممثلاً بحبهات الرفض. وآخرين إختاروا حركة فتح التي كانت ولازالت لكن بشكل أقل بكثير تهيمن على الساحة الفلسطينية. فتح قدمت تضحيات جسيمة وآلاف الشهداء والجرحى والأسرى لأجل فلسطين، لكن قيادتها هي التي قادتنا الى الهاوية والجحيم، الى اتفاقيات أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال، والى التخلي عن تحرير فلسطين كل فلسطين والتنازل عن 78% من أرض فلسطين للمحتلين الصهاينة. هذه هي الحقيقة المرة ويجب على الفتحاويين تقبلها بروح أخوية والعمل لأجل استعادة دور فتح الوطني بعقلية وطنية ووحدوية. وبدون تلك القيادة ذات القناعات الاستسلامية.
هذا الجندي المجهول الذي أردت الحديث عنه في مقالتي هذه. عندما علم من صديقي أنني كتبت عنه أرسل لي شاكراً ومشكوراً وطلب بكل تواضع عدم نشر أي شيء عنه. طبعاً لم اسأله لماذا فهذا حقه الطبيعي. لكنني سأنشر ما كتبته عن مناضل فلسطيني جريح سيبقى مجهول الاسم في مقالتي هذه.
هو أحد جنود فلسطين ومخيم عين الحلوة والثورة الفلسطينية وحركة فتح المجهولين. بطل من مخيمنا ومن قرية جليلية محتلة ومن فلسطين كل فلسطين، التي تربينا على خريطتها الكاملة ب ال 27 ألف كلم مربع. والتي لا يمكن أن نرضى بغير خريطتها ومساحتها تلك شاء من شاء وأبى من أبى. فصفد ستبقى عروس الجليل مثلما القدس ستبقى عاصمة دولة فلسطين.
دعونا نسميه “مناضل” فهو اسم يليق بنضاله. مناضل أصيب بجراح بليغة أدت إلى إعاقة دائمة خلال الدفاع عن في مخيم عين الحلوة وضد الاحتلال الصهيوني وعصاباته. جراحه كانت صعبة جداً وبالرغم من صعوبتها وخطورتها لم يفقد ثقته بنفسه ولا إرادته. لم يفقد ثباته على ثوابت شعب فلسطين وشعارات الينابيع والبدايات، التي وعدت بالعودة والتحرير والنصر وزوال كيان الاحتلال. الشعارات التي تربينا عليها صغاراً والتي حفظناها عن ظهر قلب: “لا صلح لا تفاوض ولا اعتراف” و”تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.” و”ثورة ثورة حتى النصر”.
مثله مثل آلاف مؤلفة من المناضلين والجرحى وعوائل الشهداء وأبناءهم وأهاليهم في المخيمات والشتات، كما في داخل فلسطين المحتلة، عاش ولازال يعيش البطل الجريح مؤمناً بأنه في نهاية المطاف سوف يأتي زمن جيل العودة والتحرير، زمن جديد تعود فيه فلسطين بسواعد وبنادق أبناءها وبناتها. تعود حرة عربية مستقلة بالفعل.
عرفته منذ طفولتي هو وإخوانه حيث كنا نلتقي ونلهو مقابل بستان اليهودي سابقاً في الطريق الى مدرستي قبية والفالوجة. أما بستان اليهودي فقد اختفى وأقيمت على أرضه بيوت ومحلات ومؤسسات أصبحت أمراً واقعاً. حصل ذلك بعد غزو لبنان واحتلال ودمار المخيم سنة 1982. كذلك في منتصف الثمانينيات من القرن الفائت.
كغيره من جيل الغضب والثورة والعنفوان تطوع فدائيا في حركة فتح على النقيض مِنا نحن الذين كُنا نقيض حركة فتح أيديولوجياً أي جبهات اليسار والرفض الفلسطيني. لكن فتح تميزت عن غيرها من الفصائل بأنه كان لديها معسكر للأشبال في مخيم عين الحلوة. كما كانت حركة مفتوحة لأي شخص بغض النظر عن فكره وعقيدته وأيديولوجيته. يبدو هذا كان عاملاً كبيراً ومشجعاً للكثيرين للتوجه الى المعسكر، بغية التدرب على حمل واستخدام السلاح وعلى التمارين الضرورية للشبيبة الفدائية. هذا وقد ضم معسكر فتح آلاف الفتية والفتيات من مخيم عين الحلوة بالذات.
لازال المكان الذي أقيم عليه المعسكر موجوداً على مدخل مخيم عين الحلوة التحتاني بالقرب من حاجز الجيش الآن في حي التعمير اللبناني الفقير. كلما مررت من تلك المنطقة تذكرت الشهداء والشهيدات والأخوة والأخوات الذين واللواتي تدربوا وتدربن في المعسكر. كما وتذكرت القائد العسكري للقطاع الأوسط في جبهة التحرير الفلسطينية الرفيق الشهيد أبو كفاح فهد، الذي استشهد مع رفاق له من الجبهة الشعبية وفتح وهم يحاولون تفكيك السيارة المفخخة بالمتفجرات التي ركنت قرب المعسكر. استشهد معه إبن جيراننا محمد صابر وآخرين لحظة انفجار العبوة الناسفة يوم 13 شباط 1982، فتحولوا في لحظة الى أشلاء. السيارة المفخخة ركنها عملاء الصهاينة في حي التعمير اللبناني السكني على مدخل المخيم التحتاني قرب معسكر أشبال فتح.
كل الحب والود والتحية والتقدير والاحترام للجريح الفدائي المناضل. لو كنت الشخص المسؤول عن تكريم الأبطال والجرحى الفلسطينيين، لقمت بتكريمه هو وإخوانه ورفاقه من الجرحى خير تكريم، لأنهم مرآتنا الوطنية ووجهنا الثوري الفلسطيني والفدائي الحقيقي. لكن في زمن التخلي عن الكفاح والحقوق والتبرأ من النضال والدم والتضحيات لن يكون هناك تكريم لهم سوى تكريم شعبنا الفلسطيني وهذا لعمري أهم تكريم يتلقاه الانسان في حياته. وأكثر ما يحزنني أن الجرحى لا يستطيعون قول ما يريدون لأنهم مرتبطين بلقمة العيش وبمرتبهم من مؤسسة الشهداء والجرحى التابعة نظرياً لمنظمة التحرير الفلسطينية وفعلياً لحركة فتح كما كل مؤسسات المنظمة.
نضال حمد
25-8-2021