عيد الميلاد في بولندا .. ذكريات طلابية -1-.. نضال حمد
في مثل هذه الأيام من ايام السنوات الدراسية في البلاد الاوروبية الشرقية، الاشتراكية كانت مساكن الطلبة تبدو شبه خالية إلا من الطلبة الاجانب الذين لم يسافروا، او لم يذهبوا مع اصدقائهم وصديقاتهم لقضاء عطلة الأعياد في منزل بولندي دافئ ومع عائلة بولندية ما دافئة.
كان السكن الجامعي يخلو من سكانه وساكناته من الطلبة والطالبات. يصبح كشجرة خضراء اكتسحها الخريف وأصفرت وتعرّت بسرعة.
الشعب البولندي الذي عرفته عن قرب وناسبته إذ أن زوجتي بولندية، شعب فيه الطيّب والأصيل وفيه النذل والخسيس، مثل كل شعوب الأرض قاطبة. لكن في العيد تذوب وتتلاشى النذالة ومعها الخسة وتذهبان الى غير رجعة إلا بعد انقضاء الأعياد. فالكل عادة ما كانوا منشغلين بالتحضير للأعياد. تماما كما في بلادنا الاسلامية والعربية المشرقية عندما يكون الجميع منشغلين ومشغولين بالتحضير لعيدي الفطر والأضحى.
إن كنت محظوظا ونلت دعوة لقضاء العيد مع صديقة او رفيقة او رفيق او صديق بولندي فإنك سوف تتعرف بالتأكيد على كرم الشعب البولندي. فعادة ما يقوم البولنديون باستقبال ضيوفهم بمودة وكرم كبيرين. فتحضر على المائدة كل انواع الأطعمة الجيدة والمرتفعة السعر، وكذلك الشراب الساخن والبارد وايضا المشروبات الروحية وخاصة الفودكا التي هي من اهم عادات وتقاليد شعوب شرق اوروبا وبولندا بالذات.
حصل لي وقضيت عدة اعياد مع عائلات بولندية مختلفة وكان الشيء الذي يجمع بينها هو كرم ولباقة ومودة ودفء الضيافة من قبل الجميع. وكانوا يستأنسون بسماع قصة الشعب الفلسطيني ويسوعه المسيح عيسى بن مريم، من مسلمفلسطيني يتحدث بحب عن شخص المسيح، الناصري، الذي يعتبرونه هم ابنا للرب. وكانوا يستغربون وصفي له بالفدائي الفلسطيني الأول. والحقيقة ان الشعب البولندي مثل غالبية شعوب اوروبا لديه فكرة مشوهة عن الصراع العربي الصهيوني. ولعبت الكنائس المسيّسة، ولعب القساوسة ورجال الدين أدوارا هامة في تشويه تاريخ فلسطين وتحريفه وتزويره والادعاء بأن اليهود اصحاب أرض فلسطين.
من الشعارات البولندية التي تعرفت عليها وعرفتها ورايتها خلال فترة اقامتي في بولندا الشيوعية الاشتراكية، التي ماكانت يوما ما شيوعية او اشتراكية بسبب رفض اهلها للنظام الاشتراكي واعتبار البلاد محتلة من قبل الاتحاد السوفيتي. ( أقول هذا وانا يساري عشت تلك التجربة بنفسي في بولندا) ان الشعب البولندي بغالبيته كان ضد النظام الاشتراكي وكان للفاتيكان وكنائسه دورا رئيسيا في تدمير النظام الاشتراكي السابق. اضافة للقمع ومنع السفر ومنع الحصول على جواز سفر، وتحديد الحريات، وقمع حرية الرأي والتراجع الاقتصادي وعدم وجود منافسة مع الدول الراسمالية التي نهبت بدورها خيرات الشعوب، ومولت برامجها ضد المعسكر الاشتراكي من اموال السعودية واخواتها. بحجة مكافحة الالحاد. هذا وصف مختزل وسريع جدا للاسباب التي أدت لانهيار المعسكر الاشتراكي وعلى الأقل النظام الاشتراكي في بولندا.
من عادات العيد البولندية :
انواع عديدة من الأطعمة على رأسها سمك ( كارب) الملكي، تقدم في العشاء ( الأخير) .. لا مكان للحوم والكحول على المائدة في هذا اليوم. كما يوضع صحن فارغ ومستلزماته على المائدة تحسبا لوصول شخص ما بشكل مفاجئ. شجرة الميلاد تكون حاضرة في احدى زوايا البيت وعليها الزينة والأضواء وتحت اغصانها ترقد الهدايا التي اشتراها جميع افراد الأسرة كل على حدة. بعد تلاوة شيء من الانجيل يقوم به كبير العائلة، وبعد تبادل التهاني والتهام قطعة من رقائق عيد الميلاد، تصنع من طحين ابيض + ماء دون إضافة الخميرة، وعندما تجهزتتحول لرقائق بيضاء جميلة، لكن لا طعم لها ولا نكهة. هذه الرقائق في يوم العيد وقبل تناول العشاء يقدمها كل شخص للآخر والعكس. يقوم الجميع بتقديم أو استلام وتسليم الهدايا. وفي اماكن اخرى يأتي بابا نوال ويوزع الهدايا على الكبار والصغار.
في اليوم التالي تبدأ عملية تناول جميع اصناف الأطعمة بما فيها اللحوم ومشتقاتها وتترافق مع نزول قوارير الفودكا والنبيذ على المائدة. وتصبح الجلسات مفتوحة وبدون رسميات. تتبادل خلالها الاحاديث والقصص والنكات. كما يحضر الاقارب و الجيران والمعارف للزيارة والمعايدة ولا يستطيع الزائر الخروج من دون ان يجلس الى المائدة ويأكل ويشرب مع الجميع. تستمر هذه الحفلات والولائم حتى نهاية ايام العيد. بعد ذلك يبدأ التحضير لحفل رأس السنة ووداع العام واستقبال عام جديد. وهذا العام عادة ما يستقبله الطلبة وجيل الشباب في الملاهي والمقاهي والسكن الجامعي بحفلات صاحبة تبدأ مساء 31 كانون الأول – ديسمبر من كل عام وتنتهي صباح الأول من كانون الثاني – يناير في العام الجديد. ولهذه الحفلات رونقها وحكاياتها واوصافها.
نضال حمد – يتبع