غزو حلال.. وغزو حرام. صبحي غندور
تساءلت، وأنا أتابع أخبار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كيف تريد الدول الغربية، والولايات المتحدة تحديداً، أن تنظر شعوب الدول العربية إلى هذا التطور الخطير الذي يشهده العالم الآن؟! أي هل اعتماداً على الشرعية الدولية التي ترفض الغزو العسكري من أي دولة لدولة أخرى! لكن أين كانت هذه الشرعية الدولية حينما قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بغزو العراق! أو حينما جرى التدخل العسكري لحلف “الناتو” في ليبيا! أو حينما غزت واحتلت “إسرائيل” جنوب لبنان في العام 1978 ثمّ اجتاحته واحتلت عاصمته في العام 1982، ولم تتم الإدانة الدولية “لإسرائيل” ولا فرض أي عقوبات دولية عليها!. ثمّ ماذا فعلت هذه الشرعية الدولية منذ العام 1948 من مناصرة للشعب الفلسطيني الذي طُرد من أرضه وجرى بحقه الكثير من التشريد والقتل والمجازر، ولا تسمح حتى هذه الشرعية الدولية بممارسة ما في نصوص مرجعيتها من حقٍ المقاومة ضد المحتل “الإسرائيلي” المغتصب للأرض ولكل الوطن الفلسطيني!.
فلماذا هناك “غزو حلال” و “غزو حرام”؟! فكل أنواع الغزو العسكري لدولٍ اخرى هي مدانة مهما كانت المبررات والأعذار لها، لكنّ هذ التجييش السياسي والإعلامي العالمي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا لم نشهد مثيلاً له ضد غزوات “أطلسية” أو “إسرائيلية”. فالمصطلحات التي يتكرر استخدامها لعقود من الزمن في المنطقة العربية عن “الكيل بميزانيين” و “ازدواجية المعايير” تنتعش الآن على المستوى العالمي ككل.
ولماذا كان أيضاً “حقاً مشروعاً” للمملكة العربية السعودية أن تغزو اليمن وأن تساندها واشنطن قي ذلك، بحجة الأمن الوطني السعودي على الحدود مع اليمن، ولا يكون من حق روسيا أن تفعل ذلك في حدودها مع أوكرانيا؟!. ولماذا يحق لتركيا، العضو في “الناتو”، أن تغزو أراضي سوريا والعراق وتقصف وتحتل بعضها، ولا يحق لروسيا أن تتدخل في اوكرانيا المجاورة لها والتي يُخطط “الناتو” لضمّها إليه ووضع “درع صاروخي” فيها موجّه ضد روسيا، وكما حصل مع دول اخرى قريبة من الحدود الروسية في شرق أوروبا!.
ولماذا كان العالم في مطلع حقبة الستينات من القرن الماضي على شفير حرب عالمية بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي بسبب وضع موسكو لصواريخ في جزيرة كوبا المجاورة للحدود الأميركية، وحيث انتهت هذه الأزمة الدولية الخطيرة بسحب هذه الصواريخ الروسية وباستمرار تواجد القاعدة العسكرية الأميركية “غوانتنامو” على الأراضي الكوبية رغم وجود نظام شيوعي فيها، ويستمر الآن لأكثر من 60 عاماً!. فلماذا كان من حق واشنطن الأعتراض على صواريخ روسية على حدودها ولا يكون لموسكو الحق الآن بالاعتراض على نشر الصواريخ و”الناتو” على حدودها!.
العالم كان وسيبقى بحال مثال الغابة، القوي يأكل الضعيف، والغلبة للأقوى في صراع أوسود الغابة! وهاهي المنطقة العربية تنقسم من جديد على نفسها بين مؤيدٍ لهذه الجهة الدولية أو تلك دون ادراك بأنّ محصلة “صراع الأقوياء” ينتهي دوماً على حساب الضعفاء، وبأنّ التحرر من التبعية لأية جهة أجنبية هو معيار الأستقلال الحقيقي ولمدى حرية القرار الوطني والقومي. ألم يكن ذلك مبرر قيام “كتلة عدم الأنحياز والحياد الإيجابي” في حقبة “الحرب الباردة” بين حلفي “الناتو” و”وارسو” حينما تصارع قطبي العالم آنذاك في ساحات “دول العالم الثالث” ولم تحصل مواجهات مباشرة بينهما طيلة نصف قرنٍ من الزمن، وتحت مظلة “إتفاقية يالطا” التي وضعت الخطوط الحمراء لكل قطبٍ وجرى احترامها من الطرفين رغم حدة الخلافات والتناقضات بينهما في مختلف الصعد!.
فهل ستنتهي أزمة أوكرانيا بانتصار قطبٍ على قطبٍ آخر من خلال مواجهة عسكرية مباشرة بينهما؟ لا ارى ذلك ممكن حدوثه الآن ولا هو بالأمر المطلوب أو المرغوب من موسكو أو واشنطن. لكن هل سيتحمل العالم أزمة مفتوحة زمنياً تنعكس ويلات إقتصادية وتجارية على الغرب والشرق معاً؟ أشك بذلك في عالم هو منهك اقتصادياً حالياً بتداعيات وباء كورونا وأخواتها.
ربما سيكون المخرج الوحيد من هذه الأزمة، بعد انتهاء العمليات العسكرية الروسية، هو حصول وساطة أوروبية/صينية مشتركة تحفظ “ماء وجه” واشنطن وموسكو وتضع لبنات لنظام دولي جديد يقوم على “رباعية قطبية”، ويتعامل مع أزمات دولية عديدة، ويحفظ مصالح الأقطاب ويحترم “خطوطهم الحمراء”. أما أوكرانيا فممكن التوافق على صيغة دستورية كونفدرالية جديدة لها بشكل شبيه بحالة إلمانيا بعد الحرب العالمية الثانية: “شرقية” مع موسكو و”غربية” مع واشنطن! والله أعلم.
الأحد 27 فبراير 2022