غسان كنفاني…شهيد الكلمة الحرة والنقاء النضالي- محمود كعوش
8 يوليو/تموز 2017…الذكرى الخامسة والأربعون لجريمة اغتياله
بقلم: محمود كعوش
“بالاستناد إلى عدد من الأدبيات الفلسطينية”
برغم مضي 45 سنة على استشهاده لم يزل الراحل العظيم غسان كنفاني مطارداً من قبل أركان سلطة الاحتلال الصهيوني، فهم يبحثون عنه في كل مكان بعد ان غيبوه جسداً وصورةً، إنهم يبحثون عن كلماته وأدبه المتناثر بين كتب الأطفال وبين وخلف سطور الكلمات والحروف التي كتبها لهم.
هيا قم أيها المبدع الفلسطيني الرائع غسان كنفاني. قم واستيقظ لترى كيف أن قصصك التي كتبتها للأطفال منذ سنوات طويلة قد أصبحت مطلوبة ومطارده بموجب “مذكرات بحث وتعقب”.
هيا قم واستيقظ لترى كيف يجري البحث عنك في كل مكان من أرض الرباط المغتصبة ليصار إلى محاكمتك على ما خطَّتْ أناملك من قصص للأطفال قبل الكبار.
قم واستيقظ لترى كيف أن الكلمات التي كتبتها قد تسللت بيسر وسلاسة إلى كتب الأطفال الصهاينة في مدارسهم، وكيف أنها قَضَّتْ مضاجع أركان سلطة الاحتلال البغيضةإلى درجة أنهم يعملون على الغائها في محاوله يائسة لقتلك من جديد.
نحن ندرك تماماً ان قصصك ذات الطابع الإنساني المؤثر التي كتبتها من نبض قلبك ومعاناتك ستظل تتسلل إلى كل مكان اغتصبه هؤلاء الأشرار، لتبحث دوما عنك وعن عكا وحيفا ويافا وكل مدن وبلدات وقرى وأحياء وأزقة وزواريب ودهاليز فلسطين السليبة من البحر إلى النهر.
ونحن ندرك أيضاً أنهم في النهاية لن يستطيعوا إلغاء هذه القصص لأن عظمة بلاغتك ستظل تلاحقهم وتعمل على قهرهم وإجبارهم على اختيارها لتعود وتتصدر مناهجهم التعليمية من جديد، نظرا لفيض إنسانيتك وشفافية كلماتك وحروفك وصدق معانيها.
وبالاستناد إلى ما جاء في الأدبيات الفلسطينية التي تناولت حياة الشهيد غسان كنفاني الإنسان والروائي والقاص والصحفي فإن غدعون ساعر، أحد وزراء التربية والتعليم السابقين في الكيان الصهيوني كان قد أقدم على إلغاء قصة غسان كنفاني “القنديل الصغير” بحجة أن كنفاني كان متحدثاً باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان يرأس أمانتها العامة الراحل د. جورج حبش .
ويُذكر أن مؤسسة “صندوق أبراهام” الصهيونية كانت قد أعدت برنامجاً للمدارس اليهودية في كيان العدو حمل عنوان “يا سلام” وتم تخصيصه لتلامذة الصف الخامس ابتدائي طالبتهم فيه بقراءة قصة كنفاني “القنديل الصغير” وتلخيص ما فهموه منها في موضوع إنشائي.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن بعض ذوي التلامذة احتجوا على وجود قصة كنفاني في المنهاج الدراسي وقدموا شكوى إلى وزارة التربية والتعليم بواسطة “المنتدى القانوني من أجل أرض إسرائيل” المعروف بتطرفه اليميني، مما اضطر المدير العام للمنتدى، نيحي أيال إلى مطالبة وزير التربية والتعليم غدعون ساعر بإعادة النظر في المصادقة التي تم منحها إلى “صندوق أبراهام”، وعلى أثر ذلك قررت المديرة العامة لوزارة التربية والتعليم الصهيونية داليت شطاوبر تجميد هذا البرنامج الدراسي في مئات مدارس الكيان الصهيوني.
وعقَّب مدير عام “صندوق أبراهام” باري سوليتسيانو بالقول أن مؤسسته لم تكن تعي أن كنفاني كان ينتمي للجبهة الشعبية، وأن البرنامج الذي أقر لم يتناول قصته، وربما أن معلمين في وزارة التربية والتعليم قد بادروا إلى وضعها في البرنامج!!
ولفت سوليتسيانو إلى أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية صادقت في العام 2009 على تضمين قصة “القنديل الصغير” في المنهاج الدراسي لصفوف الحادي عشر والثاني عشر، بينما قالت الوزارة إن هذه القصة لا تظهر في المنهاج الدراسي الذي تمت المصادقة عليه.
حين نبحث ونكتب ونستلهم تجارب هؤلاء الشهداء العظام أمثال غسان كنفاني في حياة شعبنا ندرك بان الموساد الصهيوني كان يدرك خطورتهم عليه، لذلك بادر باغتيالهم لشطبهم والحد من عطائهم، ولكن أعمال هؤلاء الأدبية والفكرية لم تزل تلهم المناضلين الفلسطينيين حتى يومنا هذا وستبقى تلهمهم في المستقبل، ولعل الشهيد غسان كنفاني الذي اغتيل عن عمر لم يناهز 36 عاما وهو في أوج عطائه وابداعه الادبي والنضالي كان أبرزهم .
لا بد لكل من يدرس الادب العربي والفلسطيني بشكل خاص أن يعرج على قراءة ما كتبه هذا الاديب الفذ ليتعرف إلى عمق قضيتنا الفلسطينية وكيفية تجسيده هو وأمثاله من العظماء لها في كتاباتهم الأدبية والسياسية، وليعرف كيف لا زالت قصص كنفاني وأقرانه من الأدباء والمفكرين الفلسطينيين تعبر حتى وقتنا الحاضر عن واقع مستمر لقضية شعبنا الفلسطيني عبر التاريخ .
استشهد القائد الاديب غسان كنفاني صبيحة يوم السبت الثامن من شهر يوليو/تموز عام 1972 بفعل عبوات ناسفة وضعت في سيارته التي كانت تركن تحت منزله. وقد استشهدت معه ابنة شقيقته لميس حسين نجم التي لم تكن تتجاوز وقتذاك 17 سنة.
كتب الكثير الكثير من الأبحاث العلمية ودراسات الدكتوراه والماجستير حول فكر وأدب وفن ونضال ومؤلفات هذا المناضل الفلسطيني العظيم. ولقد أوسع هذا الرجل بحثا ودراسة وقدمت روائعه إلى الجماهير الفلسطينية والعربية والعالمية في أطر مسرحية ودرامية، وكانت ولم تزل مدار نقاشات كبار النقاد والأدباء والمفكرين، إلى جانب صدور كتبه في العديد من لغات العالم إلى جانب اللغة العربية.
الشهيد غسان كنفاني لم يمتشق البندقية ولم يمارس الكفاح المسلح في يوم من الأيام، لكنه منح الثائرين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الإلهام الثوري، فتعلم كل أحرار العالم من كتبه وكلماته وحروفه وفهموا الثورة الفلسطينية من خلالها.
غسان كنفاني ولد في مدينة عكا في 9 أبريل/نيسان عام 1936 واستشهد في مدينة بيروت في 8 يوليو/تموز عام 1972.
كان روائياً وقاصاً وصحفياً فلسطيني، كتب بشكل أساسي في مواضيع التحرر الفلسطيني، وإلى جانب ذلك كان عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
في عام 1948 أجبرت عائلته على النزوح إلى سوريه، حيث أكمل غسان دراسته الثانوية في دمشق وحصل على شهادة البكالوريا السورية عام 1952. وفي ذات العام تسجّل في كلية الأدب العربي في جامعة دمشق ولكنه انقطع عن الدراسة في نهاية السنة الثانية، ومن ثم انضم إلى حركة القوميين العرب عن طريق الراحل جورج حبش، إثر لقائه معه في عام 1953.
ذهب إلى الكويت حيث عمل في التدريس الابتدائي حتى عام 1961، حين انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة “الحرية” التي كانت تنطق باسم الحركة كمسؤول للقسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة “المحرر” اللبنانية، وأصدر فيها “ملحق فلسطين” ثم انتقل للعمل في جريدة “الأنوار” اللبنانية.
وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 قام بتأسيس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم “مجلة الهدف” وترأس غسان تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
تزوج غسان كنفاني من سيدة دانماركية تدعى “آن” ورزق منها بولد وبنت، فايز وليلى، وأصيب مبكرا بمرض السكري. وبعد استشهاده، استلم بسام أبو شريف تحرير المجلة.
أدب غسان وإنتاجه الادبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعاً عاشه أو تأثر به.
“عائد إلى حيفا” وصف فيها رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا وقد وعي ذلك وكان ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.
“أرض البرتقال الحزين” تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية.
“موت سرير رقم 12” استوحاها من مكوثه في المستشفى بسبب المرض.
“رجال في الشمس” استوحاها من حياته وحياة الفلسطينيين في الكويت وكتبها إثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، ليقدم فيها الصورة الظاهرية للمعاناة الفلسطينية، وليضمنها الهدف الذي رمز إلى ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش، وليثبت أنهم قد ضلوا الطريق.
“ما تبقي لكم” اعتبرت مكملة “لرجال في الشمس” حيث اكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.
قصص “أم سعد” وقصصه الأخرى كانت كلها مستوحاة من أشخاص حقيقيين. ففي فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة فلسطين 1936 فاستبق ذلك بلقاء عدد كبير من سكان المخيمات واستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة والتي سبقتها والتي تلتها وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر “نشرت في ما بعد في مجلة شؤون فلسطينية”، أما القصة فلم يكتب لها ان تكتمل بل اكتملت منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه “عن الرجال والبنادق”.
كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لاحد العمال وهو يكسر الصخر في كاراج البناية التي كان يسكنها وكان ينوى تسميتها “الرجل والصخر”.
كثيراً ما كان غسان يردد مقولة “الأطفال هم مستقبلنا”.ولهذا كتب الكثير من القصص التي كان الأطفال أبطالها. ونُشرت مجموعة من قصصه القصيرة في بيروت عام 1978 تحت عنوان “أطفال غسان كنفاني”. أما الترجمة الإنكليزية التي نشرت في عام 1984 فكانت بعنوان “أطفال فلسطين”.
من مؤلفات الشهيد قصص ومسرحيات
موت سرير رقم 12- بيروت، 1961 قصص قصيرة.
أرض البرتقال الحزين – بيروت، 1963 قصص قصيرة.
رجال في الشمس – بيروت،1963. رواية قصة فيلم “المخدوعين”.
“الباب” مسرحية عن “مؤسسة الأبحاث العربية” بيروت – 1964 – 1998.
“عالم ليس لنا” – بيروت، 1970 قصص قصيرة.
“ما تبقى لكم- بيروت” – 1966 قصة فيلم السكين.
“عن الرجال والبنادق” – بيروت، 1968 قصص قصيرة.
“أم سعد” – بيروت، 1969 رواية.
“عائد إلى حيفا” – بيروت، 1970 رواية.
“الشيء الآخر” – صدرت بعد استشهاده في بيروت، 1980 قصص قصيرة.
“العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان” 5 روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة.
“القنديل الصغير” – بيروت.
“القبعة والنبي” مسرحية.
“القميص المسروق” وقصص أخرى قصيرة.
“جسر إلى الأبد” مسرحية.
بحوث أدبية
أدب المقاومة في فلسطين المستقلة.
الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948 – 1968
في الأدب الصهيوني
نال في1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته “ما تبقى لكم”.
نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975.
منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.
محمود كعوش
بالاستناد إلى عدد من الأدبيات الفلسطينية
2017