غضبة عابرة ومراهنة عليها! – عبداللطيف مهنا
الإدارة الأميركية في هذه الأيام غاضبة الى حد ما على حليفها نتنياهو. هذه الغضبة النادرة الحدوث، والعابرة كسحابة صيف، ليست لتنصُّله قبيل انتخابات الكنيست الصهيوني من ما يدعى “حل الدولتين”. وليست لأنها لا تصدِّقه عندما عاد ليعلن التزامه الزائف به بعيد فوزه فيها، لأنها كانت تدرك ما يدركه كل الكون ولم يك يضيرها، أن نتنياهو لم ولن يك يوما مع هذا الحل. خبرت كم وضع عصي اشتراطاته التعجيزية في دواليب “وساطتها” غير النزيهة والمنحازة والمتواطئة معه معرقلاً محاولات توصلُّها لهذا المزعوم الذي لم تك يوما في وارد الحؤول دون نتنياهو وجعله مستحيلاً.
والإدارة الأميركية ليست بالغاضبة على نتنياهو لتصريحاته العنصرية ضد فلسطينيي المحتل من فلسطين العام 1948 ، والتي احرجت صهاينة الولايات المتحدة يهوداً وغيرهم، ولا استفزتها محايلته للتعبير عن اسفه، وليس اعتذاره، لمن احرجهم وليس للفلسطينيين، باستقباله لثلة منتقاة من فلسطينييه المنتفعين أوالواقعين اصلاً على هوامش الليكود والأحزاب الصهيونية. لأنه لم يك يوماً يخفى عليها المفضوح لكل العالم، وهو أن عنصرية نتنياهو ما هى إلا تعبير عن غيض من فيض عنصرية متأصلة وسمت بالضرورة مجتمع استعماري دخيل ومفتعل وقائم أساساً، كما قامت الولايات المتحدة تماماً، على نفي الآخر والحلول محله. وعليه، تعلم كسواها أنه لم يهبط الى سدة القرار في الكيان الصهيوني وللمرة الرابعة من المريخ، وإنما لأنه نتاج طبيعي له. وهنا لايفوتها أن تحديه لإدارة اوباما من على منبر الكونغرس الأميركي كان له الباع الطويل المسهم في زيادة حصيلة ما جناه من اصوات ضمنت له فوزاً ربما لم تتوقعه.
والإدارة الأميركية ليست غاضبة عموماً لتجسس الموساد عليها، لأنه هذا ما كان يحدث دائماً وما كانت تصفح عنه عادة…لازال الجاسوس جونثان بولارد في السجن، ولازال العالم يذكر ما جرى للمدمرة ليبرتي…إذن مالسر في هذه الغضبة الأميركية الراهنة؟!
لأن الحليفة المتجسسة على حليفها في هذه المرة، أي على المفاوضات الدائرة بينها وبين الإيرانيين حول الملف النووي الإيراني بالذات، لم تكتنز ما عرفته من معلومات لنفسها، وإنما شاركت فيها الأعضاء الموالين لها والمعارضين للإدارة الأوبامية في الكونغرس بغية تحريضهم على افشال أو إعاقة ما قد تتوصل اليه من اتفاق تسعى اليه مع الإيرانيين. الأمر الذي تعده هذه الإدارة مساً مباشراً بما تراه مصلحة أميركية، أو تجاوزاً لخط أحمر، إن لم يصعب عليها التسامح لاحقاً حياله، فهى على الأقل لاتستطيع أن تتقبُّله الآن بسهولة. وعليه، كانت التسريبات الأميركية حول مسألة وجوب “إعادة تقييم سياساتها” على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني، وسبباً لأن يتذكَّر رئيس الولايات المتحدة فجأة أن هناك ثمة “اراض فلسطينية محتلة منذ خمسين عاماً”، وإن خانته الذاكرة فلم يتذكَّر أنه قبل هذه المحتلة هناك 78% من مساحة فلسطين التاريخية قد احتلت أيضاً ومضى على احتلالها 66 عاماً.
ما سرِّب أو صرَّح به حول الغضبة الأميركية وما حملته حتى الآن زوبعتها، لايعدو ما قلناه بدايةً من أنه مجرَّد سحابة صيف تمر على وطيد علاقة عضوية راسخة بين حليفين اكبرهما يرى في صغيرهما صورة عنه، يعززه تقاطع مصالح وتخادم ذو منحى استراتيجي وثيق، لخصه نتنياهو بطريقته المتعالية: “اميركا لاتملك حليفاً أكبر من (اسرائيل)، و(اسرائيل) لاتملك حليفاً أكبر من الولايات المتحدة”. وحيث أن على الأصغر المدلل معرفة حدوده التي ليس عليه أن يتجاوزها، فلابد من فركة أُذنه، ولهذا كانت التسريبات والتصريحات الأميركية الغاضبة لآ أكثر…اوباما المتميز غيظاً شدد على “الشراكة العميقة والدائمة” مع الكيان الصهيوني، وعدَّ ما كان من نتنياهو وياللعار”مخالفاً للتقليد اليهودي العريق”! مبرراً اصرار واشنطن على “حل الدولتين” بأنه “السبيل الوحيد لتحقيق أمن اسرائيل على المدى البعيد، إذا كانت تريد البقاء دولة يهودية”، بمعنى أنه أكثر حرصاً على “اسرائيله” من نتنياهو…والآن، أما وهذا هو سر الغضبة الأميركية وهذه هى حدودها، فما هو موقف العرب والفلسطينيين من هذه الزوبعة التي ثارت في ساحة “الشراكة العميقة والدائمة”؟!
كالعادة، لانعدم في ديارنا من راهن على مؤقت الغضبة الأميركية مستقبلاً طارىء موجتها العابرة ببناء قصوراً من رمال أوهامه التسووية، يتقدم هؤلاء فلسطينيو “اوسلوستان” مجيدو فن البقاء الأوسلوي في كنف الاحتلال بمواصلة التزامهم السياحة في اوهام الحلول التصفوية تحت جناح العم سام، وهنا استوقفني تصريحان طريفان، واحدهما لنبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والآخر لجبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لفتح السلطة. العربي لم ير فيما كان من نتنياهو ضرب من “دعاية انتخابية” لايجب البناء عليه، أما الرجوب فخالف العربي جازماً: إنه ” لايمكن تعاملنا مع (اسرائيل) من الآن فصاعداً إلا كعدو”، وزاد فاضاف: و”التنسيق الأمني والاتفاقات الاقتصادية، اصبحت في مزابل التاريخ”…الأول، نحَّى الهم جانباً واستراح، والثاني، قرر أنه من الآن فصاعداً سوف يعتبر الصهاينة عدواً وسوف يلقي بعلاقاته القائمة معهم في مزابل التاريخ…لكن مع وقف التنفيذ…لماذا؟!
لأنه مادام التحرير عندهم ليس هدفاً، والمقاومة عبثاً، والانتفاضة فوضى، والمفاوضات خياراً، فإن ايقاف التنسيق الأمني مع المحتل سيكون عندهم انتحاراً، واللجوء لمحكمة الجنايات الدولية مغامرةً، وفك الحصار عن غزة المقاومة سيعني انتصار لخيارها على خيارهم…وعليه، هل تبقَّى لديهم سوى المراهنة على الغضبة الأميركية العابرة؟!