فاطمة ذياب في مَلاجئِ البراءة! – بقلم: فاطمة يوسف ذياب
في قصيدةِ (ملاجئُ البراءةِ) للشاعرة آمال عوّاد رضوان، أقفُ أمامَ واحدٍ وثلاثين لوحةً، بعددِ أيّام الشّهر الطويل، مرورًا بشهر فبراير شباط الأقصر والأكثر تقلّبًا بأيّامِهِ، عبورًا إلى أطول شهرٍ، ومعهُ تَطولُ أحزانُنا، وتُطاوِلُ مأساتُنا عنانَ السنةِ بكلّ فصولِها وتفاصيلِها. أهي دلالةٌ مُتعمّدةٌ أرادتها الشاعرة آمال عوّاد رضوان في رسالتِها للإنسانيّة العمياءِ الكفيفةِ، وللبشريّةِ البكماء الصمّاء؟
تنقلت بخِفّةٍ بين دهاليز الموتِ المُباح والمُستباح، على امتداد رقعة الشعوب المُستضعفةِ بحُكّامِها وأدواتها.. يااااااااااه عزيزتي الشاعرة آمال عوّاد رضوان! نعم، نحن كم أضعنا من النوافذ والمنافذ والأبواب والشبابيك! السّؤالُ يجرحُنا ويوجعُنا، فهل نحن من طينةٍ أخرى؟ وهل كلابهم وقططهم وحيواناتهم المدلّلة، تمتلكُ أرواحًا ذات قدسيّةٍ خاصّةٍ، لا نُطاولها نحن بنو البشر؟ ياااه، كم مِن الزّمنِ نحتاجُ حتّى نُدركَ، أنّنا في المُنحدرات القاحلةِ لم نزَلْ نتدحرجُ، وقناديلُ الأملِ تصُبُّ كازها ونفطها فوق رؤوسنا، فنراهُ موتنا يُعانقنا أحياءَ تحتَ الرّكام؟ باختصارٍ، هي جولةٌ تفقديّةٌ بينَ لوحاتِ حروفكِ، والتي تُماهي الوجعَ الماضي، والألمُ الحاضرُ بيننا يُؤرّقنا، ولا نملكُ إلّا أن نكتبَهُ بحروفٍ بلاغيّةٍ مُنتقاة!
عزيزتي الشاعرة آمال، كعادتكِ، مِن الحروفِ تَصنعينَ قلائدَ مُشتهاة! كانتْ رحلتي بين حدائقِ نبضِكِ قاسيةً موجعَةً في هذه القصيدة، تحملُ أبعادَها الأخرى والأخرى، أثناءَ غوصِي فيما وراء رسالتكِ التي تتضمّخ وتنضحُ بإنسانيّةٍ مُشتهاة، ولا عجب! فهذهِ روحُكِ الّتي أعرفُها، فسلامي لكِ مطرا يا العزيزة!
(1)(نحْنُ مَنْ تَلاشَيْنا/ مُنْذُ أَنْ هَبَطْنا منْ جَنَّتِنا/ أقَدَرٌ أَنْ نظلَّ نَتَهاوى/ إلى غابَةٍ/ مُلَوَّثةٍ بِالحَرْبِ وَالعِصْيانِ؟)
عزيزتي آمال عوّاد رضوان، في هديرِ بلاغتِكِ، والسّؤالُ يهرولُ مُتعَبًا، يَبدو كما الأجابة تَسبقهُ نصًّا وواقعًا، يَعتصرُكِ الحرفُ، تتفجّرُ مَلامحُ القصيدة، وأنتِ كما أنتِ، تمتلكينَ النّاصية والقوافي، فيُشغلكِ هذا الكونُ بكلّ خربشاتِهِ وفوضويّتِهِ، ويَنهالُ مَدادُ حِبرِكِ ألمًا ووجعًا، وأنتِ ترَيْنَ وتُعايشينَ الأبعادَ الأخرى؟ بلا مُقدّماتٍ تَسبقُ الإجابة السّؤالَ الاستنكاريّ، فتُحرّكُ فينا رغبة المُتابعةِ والإبحارِ.
منذ التكوين ونحنُ مَن تَلاشيْنا وتماسخنا ونحن الّذين والّذين، مُنذ أنْ هَبطَ جَدّانا آدمُ وحوّاءُ من الفردوْس، ومنذ استشرى الشّرُّ بينَ ابنيْهما الأخويْن هابيل وقابيل، وما زالَ القتلُ يَغرزُ أنيابَهُ فينا. أترانا استوعبْنا حكمة اللهِ في أمرِهِ بهُبوطِنا مِن الجنّةِ إلى الأرض؟ ها أنتِ وكلّنا عيونٌ ترى، هذهِ الأرضُ قد ضاقتْ بنا وبأفعالِنا، وكلماتُكِ صدى الوجع، والسّؤالُ الخانقُ بالحروفِ ينبضُ: أقدرٌ هذا؟ ياااه ما أروعَنا، حينَ نُعانقُ الواقعَ، ونُجَسّدُهُ نصًّا شِعريًّا، يَتماهى مع إنسانيّتِنا، ونُواصِلُ لوحات الحروف؟
(2) بسؤالك الافتراضي (أَكَأنَّما.. / نَحِنُّ.. لِرَحْمَةٍ طرَدَتْنا/ حينَ عَصينا المَعْرِفَة؟!) أقول: كلّا،
الرّحمةُ لمْ تَطردْنا، بل نحنُ الّذينَ اخترْنا العصيانَ، وغرقنا في غواياتِنا، حتّى ونحنُ هناك في الفردوس، ألمْ يَنهانا اللهُ عن تلكَ الشّجرةِ، وما انتهيْنا، بل انْسقْنا وراءَ إبليس وسوْءَتِهِ اللّعينة، ولم نزلْ ولم يَزلْ، ونحن ماضونَ خلفَ مكائدِهِ كما الأنعام. ياااااااااه لو كنّا فقط نعقل! لكنّها إرادة الله (ليُميّزَ الخبيثَ من الطيّب). هكذا تمامًا كما لوحَتُكِ الفنّيّةُ على أرصفةِ الزّمن، لم تزل ِالإنسانيّةُ تجلسُ وترقبُ وتترقّبُ صحوتَنا، شاختْ وشاخَ معَها انتظارُنا، وحروفُكِ لم تَشِخْ، لم تزَلْ ترسُمُ لنا الأبعادَ الأخرى، مُتأطّرةً مُتقوْلبةً بفراغ إنسانيّتِنا. لوحاتُكِ تصرُخُ وتلهَثُ، ولا تملُّ البحثَ عن ذاك الإنسانِ الّذي غادرَنا، منذ أنْ هبطْنا وهبطنا وهبطنا؟
(3) (كَأَنَّما ظِلالنا../ بَعْدُ../ ما تدَرَّبَتْ.. / عَلى المَشْيِ حافِيَةً/ عَلى .. مَساكِبِ الأَشْواكِ؟) هكذا تُصوّرينَ بالحروفِ لوحةً مُسَربلةً بالآسى، وأنتِ ترسُمينَ عُرانا وعُريَنا، كما هذه الطّفلةُ الحافيةُ في حقلِ الأشواك! وما أكثرَها حقول الأشواك، ونحن قد تدرّبْنا حقّا، واعتدْنا هذا الخطوَ (على مساكب الأشواك)، بل يُجاورُنا ونُجاورُهُ، حتّى باتَ يُشابهُنا ونُشابهُهُ! وكما المَسكبُ في حديقة المنزلِ نزرعُهُ ببذور السّبانخ والخسّ والملوخية والبقدونس وإلخ من الخضروات المفيدة، بتنا نزرعُهُ بالأشواكِ المتراصّة، فيخزنا ويوجعنا ويُجرّحُنا، ولا نتّعِظُ، لأنّنا تدرّبْنا على الوجعِ وأدمَنّاهُ!
(4) (أَما عَرَفَتْ عَثَراتُنا/ كَيْفَ تنْهَلُ الأَلَمَ/ مِنْ مَنابِعِهِ؟) ما أنْ هبَطنا إلى الأرضِ كي نستعمِرَها بأمْرِ الله، وكما بيّنَ لنا في كتابِهِ الكريم، وفي رسالاتِهِ ومِن خلالِ رُسُلِهِ، لم نفطنْ إليْنا، وظلَّ الرّجيمُ يُلاحِقُنا ويُغوينا، لتتفتّقَ أذهانُنا وذواتُنا عن شرورِها، وعن كلِّ ما يُدمّرُ حضارةً نحن بأيدينا صنعناها. هكذا نحن كما الأطفال، نبني ونرسمُ، ونعودُ لنهدمَ ونُخربشَ وحتّى نُمزّق؟ لكن شتّانَ ما بين الطّفولةِ المُضمّخةِ بالبراءةِ، وبين أفعالِنا وأفاعيلنا المُتّشحةِ بالسّواد! هكذا يَشيخُ الزّمنُ مِن حوْلِنا، وَتَشيخُ عقولنا كذلك، فلو كُنّا نَعقلُ ونُدركُ، ما ارتضيْنا أن نقتلعَ زهرةً في بساتينِ أفراحِنا وآمالِنا، لكنّنا والشّيخوخةَ الزّهاميريّة توآمان، وقد فُقْنا الحِكمةَ، ومضيْنا لا نعرفُنا، ولا تعرفُنا خطواتُنا؟
(5) (أمَا اسْتَطاعَتْ/ أنْ تلَوِّنَ المَنافِيَ/ بِالوَجَع../ بِالأَحْزانِ؟) عزيزتي آمال،
مرّة أخرى وأخرى، أراكِ حافيةً في حقلِ الأشواكِ، تُعاودينَ السُّؤالَ تِلوَ السّؤالِ؟ داميةٌ حُروفُكِ، تبحثُ في المَنافي عن إجاباتٍ تُريحُ الإنسانَ القابعَ بينَ ضُلوعِكِ؟ قصيدةٌ مُتفجّرةٌ بالحيرةِ القاتلة! لماذا؟! لأنّ مَنافينا ما استطاعتْ أنْ تُلوّنَ أوجاعَنا، أو أنْ تُعيدَ تَشكيلَها بشكلٍ آخرَ، كي تَرسُمَنا مِن جديد!؟
(6) (نمْضي حَزانى / في عَياء ِ العَزاءِ/ حُروفنا مَجْروحَةٌ / تتشَدَّقُ بعَذْبِ العَذابِ!)
يااااااه.. تتراقصُ الحروفُ على جرح العذاب، كما الطائر الذبيح في رقصة الموت، والجرحُ نازفٌ يُغطي ما حوله، وحروفك المجروحة المُجرّحة تُكابرُ في إباءٍ، كأنّما تستغذب الغذاب القاتل، وكأنه صار منها وصارت منه، حتى كأنما بلغ العذابُ بنا درجة رفيعة من عذوبة نستمرئُها، وبتنا نحن والعذاب توأمان!
(7) (وَالوَقْتُ يَعْدو إلَينا عَدْوَ عَدُوٍّ/ يَرْمَحُ/ عابِثًا برِماحِ وَجْهِهِ الأَهْوَجِ/ صَوْبَ مَرْقَصِ المَوْتِ!/ يَ سْ تَ رْ سِ لُ/ في وَحْشِيَّةِ رَقْصَتِهِ الشَّهِيَّةِ!)
بهذهِ الصّورةِ والرّسمِ الجَماليّ البَلاغيّ، نرانا نَعدو بينَ حُروفِكِ، نُسابقُ الوقتَ ويُسابقُنا بل ويَسبقُنا، ونحنُ نرمَحُ خلفَهُ في مَحالةٍ مُستميتةٍ، عسانا نقبضُ على أجنحةِ أحلامِنا، لكنّنا نُحلّقُ في فضاءاتِ الأماني، مُترعين بالحزنِ، غرباءَ صِرنا في زمنِ العُهرِ والفُجورِ، في زمنٍ جُرِّدْنا فيهِ مِن أبسطِ مَعالِمِ آدمِيّتِنا، فمضيْنا غرباءَ عنّا وعمّن حوْلَنا، بنقوشٍ موجَعةٍ تتوحوحُ لو تتضمّخُ بإنسانيّةٍ مُشتهاة! لكن هيهات أنْ نقبضَ على الفرَح، فها الوقتُ هو الوقتُ، (يَمرحُ عابثًا برماحِ وجهِهِ الأهوجِ)! إلى أين؟ (إلى مَرقَصِ الموْت)، وصرنا كطيورٍ ذبيحةٍ ترقُصُ ألَمًا، وصارَ هذا العالمُ المَجنونُ مُوغِلٌ في رتابَتِهِ وكآبتِهِ، يَحتلّنا بكلّ تفاصيلِنا وجُزيئاتِنا، وعيونُنا المُغمَضةُ لا ترى أبعدَ مِن عقلةِ إصبع!؟ ياااه! ما زلْتِ وما زالَ الإنسانُ فيكِ يَستصرخُ الضّمائرَ، أنْ تَصحُوَ مِنْ غفوَتِها، لترى ما يَرى الشّاعرَةَ، وما تُحِسُّهُ مَشاعرُها؟ هكذا أراها أبجديّتُكِ مُلتاعةً في فوضى الحُروفِ مِنْ حوْلِكِ، وحينَ يَنتفضُ البُعدُ الإنسانيُّ، تمتشقينَ سيفَ الكلماتِ رسالةً شِعريّةً، لعَلّكِ تَجدينَ مَن يُصغي، أو من يصحو أو مَن يَتّعظ!
(8) (أَيَرْقُصُ نَدْبًا/ عَلى /آلام ِ الأَحْياء ِ المَوْتى؟ (آلام الأحياء الموتى؟!)
رائعٌ وصادقٌ هذا التّشبيهُ، في زمنٍ يَضجُّ بالأحياءِ الموْتى! فما أكثرَهم من يَملكونَ أعْيُنًا ترى لا تُبصِرُ، وقلوبًا تنبضُ ولا تَرِفُّ رُموشُها، وكما الآلة المُصنِّعةِ صرنا في انْجِمادٍ وتجَمُّدٍ، رغمَ ما يُحيطُنا مِن عبثٍ وعبثيّة! عزيزتي آمال، يأسُرُكِ هذا القلبُ الشّفّافُ الّذي يَرنو لعالمٍ آخَرَ، تُريدينَهُ مُنَزَّهًا عنِ الأخطاءِ والهنّاتِ، وتَظلُّ حُروفُكِ في دروبِ الأماني تبحثُ عنهُ، ليُعيدَ للأرضِ طُهرَها وعِفّتَها وعُذريّتَها؟؟ هناكَ في الفضاءِ الآخَرِ وفي أفقٍ ضبابيّ، تلهثينَ وراءَ مَلائكيّةٍ مُعمّدةٍ بنورِ الحقِّ واليَقينِ، ولكن، هيهات وهيهات وهيهااااااااااااااات!
(9) (أَمْ يَطيبُ لَهُ العَزْفُ/ عَلى / ناياتِ العَذارى؟/ عَلى / هاماتِ اليَتامى والثَّكالى؟)
لقد طابَ العزفُ على هاماتِ اليَتامى والثّكالى، ولم يَزلِ العازفونَ على أوتارِ أشلائِنا يُبدعونَ في العزفِ، وكلَّ يومٍ لهُم معَ الأشلاءِ آلافُ الأوتارِ المذبوحة، ومِن نبيذِ دِمائِهم يَرفعونَ الأقداحَ نُخبَ الموت والمعابدِ الوثنّةِ! أيُّ صَلاةٍ وطقوسٍ تُقبَلُ مِنهُم، وأياديهِم تتقطّرُ دمَ البشريّةِ ممزوجًا بدمِ الإنسانيّة، في كلِّ بقعةٍ وجزءٍ فوقَ هذهِ الأرض؟
ياااااه ما أوجَعَ حُلُمَكِ حينَ تَرَيْنَهُ بَعيدَ المَنالِ، تُداعبينَهُ على ناصيةِ الشِّعرِ، ونحنث لا نَقرأُ جيّدًا ولا نُجيدُ الغوْصَ في موْجِ حرفِكِ ولا بُحورِ شِعرِكِ، بل نحنُ لم نتعلّمْ الرّمايةَ، ولا السّباحةَ، ولا ركوبَ الخيلِ كما أوْصانا نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، بل نحن نرمي بعضنا بعضا، ونسْبَحُ في البحارِ البعيدةِ الغريبة، ونركب بعضنا بعضا كما النَّعام، نحملُ أسفارَنا فوقَ ظُهورِنا، وقد فقدْنا عذريّةَ الرأي وعذريّة الفِكر، وبتنا كما الغواني على قارعةِ الزّمن، تُهْتكُ أعراضُنا وتُستباحُ أرضُنا، والآخَرُ (يَطيبُ لهُ العزفُ على ناياتِ العَذارى).
(10) (أما حَنَّ الحَديدُ بَعْدُ؟/ بلْ / وَتبْرَعُ/ تتلهَّى! /تتسلّى!)
سؤالٌ بلا فرضيّة للإجابة، فقلوبُ الطّغاةِ خاليةُ الوفاض، بل هم أصلًا مِن غير قلوب، فالمالُ واحتكارُ وامتصاصُ دمِ الآخر ديْدنُهم، وإلّا ما بقوْا هكذا مِن جيلٍ إلى جيلٍ يُدمّرونَ ويَسفكونَ الدّماء، ويَستغلّون خيراتِ الشعوب، فلتظلّ لنا الأغنية (حنّ الحديد على حاله، وأنتَ ما حَنّيت) نُردّدُها بشجَن، ومعَ ذلكَ، يظلّ لنا ما نقولُهُ ذاتَ يومٍ حولَ الحديدِ وحُنُوِّهِ وحنانِهِ!
(11) (تَتَفَنَّنُ/ بِبَتْرِ أَعْناقِ القُلوبِ/ لِنَنْزِفَنا / عَلى / طُرُقاتِ الهَوامِشِ!) هكذا صرنا وغدونا، وأبجديّتُكِ تنتقي مِن الحروفِ أصدقَها تعبيرًا وإيحاءً في مُلامسةِ الواقع والغوْص فيه، والصُّورَ ببلاغتِها ترسمُنا، كما الأعناق تتدلّى نازفةً بحِبرِها، مُتماهيةً معَ الوَجع نزفًا، تنثرُنا على قارعةِ الزّمنِ وَهوامشِ الدّروب!
( (12(تَغْسِلُنا.. / بِمُنْحَدَراتِها القاحِلَةِ/ وَفي عُرْيِ العَراءِ المكْسُوِّ بِدِمائِنا/ تُ دَ حْ رِ جُ نَ ا/ مِنْ عَلى هاوِياتٍ مَرْهونةٍ/ أَشْلاءَ بَشَر!) هكذا هي دماؤُنا، تتدحرجُ في ظلّ العُري، والعراء يُعرّينا مِن آخر نقطة دم في عروقنا، فلو كنا نعقل ونعي، ما تدحرجنا ولا تاهت من تحت أقدامنا الطُّرق!
(13) (أَهُوَ الهَباءُ؟!/ تجْمَعُنا المُفارَقاتُ/ تَطْرَحُنا الضَّرَباتُ/ لِتقاسِمَنا.. / رَغيفَ الحَياةِ وَالوَطن)!
يا للوجعِ حينَ تكونُ النّهاياتُ كما البداياتُ لعبةً مُتقاطعة، بعمليّاتها الحسابيّة وبمَجاهيلِها وجَبْرِها وكَسْرِها، فها المفارقاتُ تقاسِمُنا رغيفَ الخبزِ والوَطن؟ عن أيّةِ قِسمةٍ تتحدّثُ آمال؟ لو كانتِ القسمة على اثنيْن، لقُلنا: ذاكَ عدلٌ أو بعضُ عدلٍ! أمّا وأنّنا لم نتقاسَمْ رغيفَ الخبزِ ولم نحظَ بالفتات؟ نعم، تمامًا وكما تُشير لوحتُكِ المُرفقةِ، نحنُ كذاكَ الطفلِ جائعونَ، نحِنُّ للقمةٍ مِن وطنٍ، ونبحثُ في مَزابل التّاريخ وحاوياتِ الجغرافيا عن كسرةِ وطنٍ جافّةٍ، تسُدُّ الرّمقَ في قيظِ صحراءِ الأماني!
(14) (يَشيبُ الصُّراخُ الأبْكَمُ/ عَلى / أَفْواهِ طُفولَةٍ/ شابَها الهَلَعُ/ يوصِدُ الأَسى/ أَقْفالَهُ/ في /مَلاجِئِ عُيونِ البَراءَةِ!) ياااااااااااااه، قالتها ستّي (جدّتي): زمَنٌ يُشَيّبُ الولدان (الأولاد)! وماذا تقولُ عن زمانِنا؟ (وها هي أفواهُ الطفولةِ يُخرسُها الهلَعُ، والسّكّينُ في صدر الإنسانيّةِ تقطّرَ دمًا، تنشُرُ الرّعبَ في كلّ بقعةٍ فوقَ الكرةِ الأرضيّة! هل باتتْ عيونُ الأطفالِ مَلاجىءَ للآسى، تستوطنُها اللعنةُ إلى ما لا نهاية؟ تعبيرُكِ البلاغيُّ يُذهلني، فأتوهُ في سراديبِهِ، أبحثُ عن نقطةِ ضوءٍ في عيونِ البراءة!
( (15)وَسائِدُ الضَّحايا / تَتَشَرَّبُ العَويلَ الأبْكَمَ/ تُعانِقُ أرْواحَ أَحْلامٍ هارِبَةٍ/ مِنْ نَواقيسَ فِرارٍ/ إلى… كَوابيسَ اسْتِقْرار؟) العويل أبكم والحاكم في صمم وعمى، لا يرى ولا يسمع. لكن نحن، ألا نرى؟ ألا نسمع؟ ألا نعي؟ يااااااه كم قصيدةٍ تعيش غربتها، وتتلفع في لوعتها ملتاعة، كما حروفك تلهث وراء المستحيل، كي توقظه من غفلته؟
(16)(أُمَّااااااااااهُ/ جَوْقٌ مِنَ الشَّياطينِ/ يَتَهافَتُ/ عَلى سَحْقي…/ عَلى تَمْزيقي!) أماااااه، تكالبت علينا الأمم من كل حدب وصوب، فأين نحن منهم، وكيف لنا السبيل للخلاص؟
(17)(لِمَ نَوافِذُ الرَّهْبَةِ / مُشَرَّعَةٌ / في مَنافِذِ الصُّمودِ؟) والنوافذ والمنافذ رهينة مرتهنة؟ نصطفّ في طوابيرَ بين قبضة قضبان الحواجز، وبين فوّهات كمائن المعابر، وما لنا غير الصمود والصمود؟!
(18)(أَتَمُرُّ بِيَ رياحُ الرُّعْبِ/ مِنْ آتِ وَحْشٍ/ يُدَنِّسُ جَسَدي الطَّاهِرَ/ يَعْصِفُني../ يَخْتَرِقُني.. / بِفَوْضى الأبالِسَةِ؟!) نعم هي كذلك تفعل، نعايش الرعب، ويعتصرنا الخوف، وعيوننا شاخصة، وأيادينا محملة بالدعاء تنادي رب العباد، أن يُخلصَنا من هذا الجور والظلم والاستبداد!
(19)(العَتْمَة / تَ نْ ثَ ا لُ/ جَريحَةً ثَقيلَةً/ عَلى / أَشْباحِ المَساكين بِالرُّوحِ/ عَلى .. جُثَثِ الأحْياء!) عتمة؟ سكاكين ؟جثث؟ جريحة؟ أشباح؟ ضحايا؟ توصيف وتوظيفٌ ذكي لواقعٍ نعايشهُ من غير روح!
(20)(أيا فَجْريَ السَّليبَ/ آآآآآآآآآآآآآآهٍ/ ما أَثْقَلَهُ الحُزْنَ!)
سرقوا عن الرفوف كل الحروف، صادروا أبجديتنا، فضعنا وتاهت عنا اللغة، فما عدنا ندري بأي لغة نخاطب هؤلاء، والسيوف ترتدّ إلى نحرها، ونتمنى أن نعاود طفولتنا الأخرى ؟ ياااااااه، موجع هذا البكاء، فهل يرون ما تراه حروف القصيدة؟ ألا ليت قوْمي يَعقلون!
(21)(دُروبُ المَوْتى.. / تَتَعَثَّرُ بِقَناديلِ الظُّلْم ِالمُظْلِمَةِ/ تَحْنو عَلَيْها.. بِقَسْوَتِها الرَّقيقةِ/ تَقْتَنِصُ الأجْسادَ الضَّالَّةَ/ في غَياهِبِ الرُّعْبِ.) عزيزتي آمال، شتان ما بين القسوة والرقة! هو تلاعبٌ لفظيٌّ أم من باب التمني والآماني؟ ونحن نراهم مواكب القتلى تغادرنا غير آسفة الى الآخرة، علّها تجد ضالتها بأمن وآمان؟ ها دروب الموتى طوابيرطوابير في حواكير الزمن، وها عبثية الأقدار تجعل من ومضات الصواريخ أضواءً تشع لامعة باهرة الشعاع، سريعة آتية على جناح السرعة للنجدة والإغاثة، قادمة لتطفئ نور حياة المتعبين الخائفين والأطفال والعُزّل والخ..؟ يااااااه ما أبلغ التعبير، وأنا أراها سماء غزة مضيئة بالقناديل القاتلة! بلحظة، تُغَيَّبُ الأحلامُ، وتُنشَرُ ظلمة الرّكامِ، ورائحةِ الموتِ تنتشرُ وتموءُ كما القطط في الفصولِ الباردة!
(22) (بِكُتَلٍ مِنْ وَمْضٍ يَسْعُلُ/ تُغْمَدُ في صَفْوَةِ صَفائِها.. سُيوفُ رَحْمَةٍ/ اسْتَلَّتْها.. / مِنْ غِمْدِ المَوْتِ/ لِتَنوسَ ذُبالَةُ فَوانيسِ الارْتِياح!) هكذا نراها عذرية الأرض مدلاة ذليلة فوق الخناجر والسيوف؟؟ يااااااااااااه كم موجع انت يا زمن الاستعباد والاستعمار، يا العائد إلينا بوجهك القديم الجديد، تعيث بالأرض فسادا. وشر البلية ما يضحك، أننا نحن نصدقك، لا بل نخدمك!
(23) (ارْتِياح!؟/ بَلْ راحَةٌ أَبَدِيَّةٌ!) هكذا حين يصبرُ الموتُ راحةً أبديّة وارتياحًا، فهذا يَعني أنّ المَصابَ أكبرُ مِن قُدرتِنا على التّحمُّلِ، والمصيبةُ أننا بتنا نسمعُها تلك التمنيات القاتلة، (والله الموت أرحم من هذه الحياة)! أمنيةٌ تقشعرُّ لها الأبدانُ، وما كنّا نتمنّاها، لو أنّ الواقعَ غير هذا؟ مَن يدري، لعلّ نفوسَنا الممزقة ترى في الموت راحتَها الأبديّة! ومَن يَنكر أنّ السّوادَ الأعظمَ باتَ كذلكَ يَطلبُ هذا الموت؟ لماذا؟ لأننا عاجزينَ عن تغيير الواقع! لا بأس؟ بل كلّ البأس يغمرُنا، وكلُّ البؤسُ يَدفعُنا لأمنيةٍ قد نجدُها أرحمَ مِن واقع القتلِ والتشرذم، ومن الانفلاتِ الفِكريّ غير المضبوط وغير المحدود بقيود، لأنّنا فقدنا ذاك الإنسان في دواخلنا.. وماذا بعدُ يا الصديقة آمال؟ هي الأماني الحبيسة بتنا نرجوها ونطلبُها، حتّى لو كانت تُمثّل لنا الموتَ والرّحيل!؟
(24) (الرُّوحُ.. تَتَبَعْثَر/ عَلى مُنْحَنى بَشَرِيَّةٍ/ غ ا صَ تْ/ بِأَعْماقِ مُحيطِ اللاّشُعور/ واسْتِغاثاتٌ تَضِجُّ.. / في مَفارِقِ الحَياةِ والمَوْتِ.) وها أنتِ تُجيبينَ بتصويرٍ ساخرٍ موجَعٍ، فالرّوحُ قد غاصتْ عندَ مُنحنى البشريّةِ بشَرِّ أعمالِها، ففقدْنا الحِسَّ الإنسانيَّ والشّعور، وبتنا نكتبُ فينا القصائدَ مُعنوَنة إلى مَجهول! فهل يَقرؤُنا أحدُهُم؟ ومِن قبل، هل أجَدْنا نحن قراءة أنفسِنا، في عصرٍ بتنا فيهِ آلاتٍ تتحرّكُ مِن غيرِ مَشاعر أو شعور؟
(25) (حَناجِرُ طُفولَةٍ/ تُ مَ زِّ قُ ها/ سَلاسِلُ مَسْلولَة.)
وها هي حناجرُ الطفولةِ المُبعثرةِ، تجرحُها الآماني السّليبةُ العائمةُ في فضاءاتٍ أبعدَ مِن بعيدة، ودوارُ الرأس يدورُ بطفولتنا، ويَكادُ يُعيدُنا إلى أرحام أمّهاتِنا، حيث الفضاءُ الرّحبُ، وحيثُ الحضنُ الّذي يُطعِمُكَ ويَسقيكَ ويُغذّيكَ بحُنوّ، قبلَ أن يقذفكَ إلى هذهِ المتاهاتِ المُتشرنقة الظلاميّة، والغارقةِ في فِكرها الاستبداديّ! ألا ليتني إلى رحم أمّي أعود!!
(26) (وفي رَنينِ القَوافِلِ اللاّهِثةِ/ تتَلَهَّفُ قَبائِلُ القَلَقِ السَّاهِمَةِ/ أَنْ تُوارِيَ أَجْسادَ المَنْهوكينَ/ في الهَرَبِ/ في لحْدِ نوْمٍ مُؤَقَّتٍ!) عزيزتي الراكضةُ اللّاهثةُ وراءَ الحقيقة، تقبضينَ على المواجع، وترسمينَ بأبجديّتِكِ كلماتِكِ الدّالّةَ والمَدلولةَ نقشًا على جدارِ الصّمت! مثلك نحن، لم نزلْ نلهثُ بعمقِ المعاني والمَدلولاتِ نبحثُ، ويَملُّ البحثُ منّا والانتظار، نبحثُ عنّا في زمانٍ آخر، وربّما في مكانٍ آخر، يُعيدُ لنا ولأجسادِنا المُنهكةِ في القوافلِ الهائمةِ بعضَ أمل!
(27) (أتَبُلُّ ظَمَأَ الجُفون المُعَذَّبَةِ/ بِـ/ قَ طَ رَ ا تٍ/ مِنْ نوْمٍ أَصَمَّ/ لا يَسْمَعُ أزيزَ المَوْتِ الكَفيفِ!) ومِن سؤالٍ الى آخر، وكلُّ سؤال مُترعٌ بالحزن وممتلئٌ بالأمل، وما بين الرجاء والملل، تمرُّ قوافلُ الحروفِ ونمُرُّ معها، نحاولُ أن نستبْينَ ما وراء ربّما وصلناه وربّما أخفقنا؟ (صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ) نحن في هذا الزمان، والقاتل منّا وفينا، يَستوطنُنا القتل والدمار!؟ هل لأنّ الآخر أقوى؟ كلا، بل لأنّنا بلا عقول وبلا فِكرٍ بتنا، فتلكَ هي فرضيّة الإجابة التي لا تحتملُ القسمة على اثنين، ونحن قد أدْمَنّا الوجع فلا نسمعُ أزيزَ موتِنا وعويلَ موتانا.
( (28)أَتَنْهارُ/ سُدودُ الحَقيقَةِ/ لِتنْقَلِبَ الأحْلامُ الخَضْراءُ.. / مَرْتَعَ شِراكٍ؟)
(29)(أَتُغْتالُ / ظِباءُ المَنامِ؟/ أَتَفْقِدُ رَحْمًا.. / تَتَناسَلُ فيهِ أَجِنَّةُ الرَّحْمَةِ؟)
نحن المغتالونَ مِن وحشٍ كاسرٍ، وبأنيابٍ كحدِّ السيف تُقطّعنا، لنظلَّ ندورُ في متاهةِ حروفِ القصيدة نبحثُ عنّا، فنجدُنا مُجَنّدونَ مِن الصّفر حتى آخر رقم مُحوسَبٍ وغيرِ مُحوسب! نعم، هم كذلك يفعلون، يغتالون الظّباءَ والأحلامَ الورديّة في وضح النهار، ونحنُ كما الظباء يصطادوننا واحدًا تلو الآخر، دولة وراء دولة، وحُلمًا خلفَ حلم، والأنكى، أنّهم يَصطادوننا وبأصابعنا، نحن مالُ سلاحهمِ وعِتادهم! فيا لسخريةِ القدَرِ وعبثيّة الزمن؟
(30) (لوْحَةٌ دَمَويَّةٌ.. / تَجْري وَجَلا/ تَصُبُّ.. شَلاّلاتِ المَآسي/ في مَنابِع الغُرْبَةِ!)
وشلال الدماء لا يُرادُ له التوقف؟! هم خططوا، وبأيدينا نفذوا، ونحن كما العميان نسيرُ في مواكبِ المَجانين؟ ونظلّ نتجرّعُ الآسى لوعةً في القلوب؟ لماذا نذهبُ بعيدًا ننكش التاريخ، وحاضرُنا مُضرج بالدماء من غزة إلى لبنان، فسوريا، ثم العراق، إلى اليمن، فليبيا، وكلّ بلاد العُرب أوطاني مُضرّجة بدماء أهلِها وناسِها؟ لماذا بعضنا يقتلُ بعضنا، وبعضنا يحرقُ بعضنا حيّا كما فعلوا هذا الصباح بالطيار الأردنيّ؟ مُرّةٌ كما العلقم حقيقتنا، ونحن كما العميان يَتقدمُنا جنونُ فِكرٍ خبيثٍ مُستورَدٍ! يااااااه، يا شلّالات المآسي، في أيّ منبعٍ تصُبّين، ومن أيّ منحدر تتساقطين؟
(31) (وَعَلى ضِفافِ المَوْتِ/ وحينَ يَجِنُّ اللَّيْلُ/ تَتَجَنّى الصُّوَرُ.. / في مُجونِ الجُنون)!
على ضفافِ الموت ماضون نحن الغرقى في جاهليّتنا، يَقتلُ بعضُنا بعضا، وأقطارُنا العربيّة المُعرّبة مُستباحة، لكلّ فنون شقاوة الغرب وثقافتهِ الظلامية؟ مُوزّعون ما بين أشلائِنا وأشلائِنا، نبحثُ عن مُخلّصٍ يُنقذنا، وكلّ الحلولِ هاربة منا؟ ياااااه.. كلماتُكِ البلاغيّةِ تُبهرُني بمَضمونِها وأبعادِها، وتتجوّلُ بي مِن فقرةٍ إلى أخرى، أجولُ معها والقلبُ ينزفُ ألمًا.. لماذا؟ إلى متى؟ كيف؟ هي أسئلةٌ تطرحُها القصيدةُ المُتفجّرةُ بالألم والوجعِ، وندّاهةُ الليلِ تعودُ مِن جديدِ وبثيابٍ تنكريّة متغيّرة، تعيشُ بيننا، وتأكلُ خيراتنا، بل وتفصفصُ عظامَنا، وترمي ما فاضَ منّا إلى كلابها المُدلّلة! ندّاهة الليلِ تسرحُ وتمرحُ وتصولُ وتجولُ في شوارعنا، بين الطرقاتِ والحواري والأزقة. إنّها على امتداد رقعتنا العربيّة، بحطّةٍ وكوفيّةٍ وعقال وبدلة وربطة عنق! ونحن بصرخةٍ منها نمضي خلفَها، مُنوّمينَ نأتمرُ بأمْرها، ونضغطُ على الزناد بألسِنةٍ مِن لهبٍ كي نحرق عشيرتنا.. إنّها تعاودنا وتعودُ إلينا بثوبها بل بعُريها، ونحن كالبُلهاء ندورُ في حواماتِها، لتُغرقَنا غيرَ آبهة! فمَن خانَ دينَهُ وعرضَهُ وعقيدتَهُ، تخافُ أن يخونها، فتلفُّنا عندما ننهي أدوارَنا التي أوكلتها بها، فهي لا تُسيطرُ إلّا على ضعاف النفوسِ والألباب! هل بتنا كلنا كذلك؟ لا، فأنا والسّوادُ الأعظم أيضًا يعرفُ، أنّ (على الباغي تدورُ الدّوائرُ)، وأنّ السّحرَ سينقلبُ على الساحر، هكذا حدثنا التاريخ، وهكذا تشيرُ لنا ملامحُ القصيدة، وتومئُ به ملامح الأسطورة؟ فالرسالة تتضمّخ وتعبق بآمالٍ تنبتُ في حواكيرنا، ومن حدائق دمائنا ولا غرابة! فكلنا نريدها الحياة المشتهاة عزة وكرامة، وكما قال شابيُّنا الشابي:
(إذا الشعب يومًا أراد الحياة/ فلا بدّ أن يستجيبَ القدر)!