فخري قعوار ساخراً – نزيه أبو نضال
(بينما اجهز لكتابي الجديد عن الكتابة الساخرة في الأردن الى جانب كتابي الاول “الساخرون” استوقفني هذا المقال فأحببت ان اشرككمم معي بمقطع منه كدعاية للكتاب.
رغم مرور سنوات طويلة على (اقتراف) فخري قعوار للكتابة الساخرة إلا أنه لم يحترف هذا النوع الكتابي ، وظل هاوياً يتنقل بين أشكال الكتابة الجادة، ثم يعود أحياناً إلى الكتابة الساخرة التي تأخذ شكل قصة أو مقالةِ أو برنامجِ إذاعي، وأحيانا شكل رواية.
وما يميز قعوار في كتابته الساخرة أساسا هو الشكل الفانتازي أو الكاريكتيري الذي يقدم من خلاله الشخصيات والأحداث، فدائما ثمة مبالغة مفرطة في تصوير المشهد، والى جانب هذا التضخيم الكاريكاتيري فإنه يغرف من لغة شعبية غنية بالمفردات والعبارات والمفارقات المضحكة.. فيكون، من تطعيم اللغة الشعبية بالمشهد الكاريكاتيري، ما يمثّل الماركة المسجلة لكتابات قعوار الساخرة.
وفي كتاباته الساخرة يتقمص فخري قعوار أو هو يخلق شخصيات اجتماعية تنطوي على أكثر من بعد، أي إنها شخصيات درامية مركبة تتيح المجال للكاتب لكي يضعها في مفارقات طريفة أو ساخرة حين تحتك بالوقائع أو بالآخرين.
بالطبع لا يتسع المجال هنا لمتابعة إصدارات قعوار الساخرة مثل “مراسيم جنازتي”، “الضحك”، “لحن الرجوع الأخير”، “الأعمال الساخرة”. ولذلك سنتقرب فقط وباختصار من: يوميات فرحان فرح سعيد”، فحين قرأت هذا الكتاب ، في منتصف التسعينيات لم أتردد طويلاً بتصنيفه في خانة الرواية الأردنية، والرواية الساخرة على وجه التحديد، رغم أن كاتب اليوميات ترك التصنيف مغفلاً، مكتفياً بالعنوان “يوميات فرحان فرح سعيد”. كما أغفل ذلك في كتابه “مراسيم جنازتي” والذي تنتمي مقالاته إلى جنس القصة القصيرة بجدارة.
يتابع قعوار حياة بطله فرحان فرح سعيد منذ صباه إلى أن انتهت به قسوة الحياة إلى مستشفى الأمراض العقلية.. والبناء الفني لليوميات، ينهض على وجود شخصية روائية مكتملة الملامح والبناء نفسياً وجسدياً، وهذه الشخصية تمتلك خصوصيتها ومواقفها، ولها عوالمُها وعلاقاتُها بالآخرين.. وهناك مسافة كبيرة بين تركيبة الشخص وسلوكه من جهة، وبين الواقع الحقيقي من جهة ثانية. والتناقض هنا يصل في حده الأعلى إلى الجنون، كما حدث مع فرحان فرح سعيد وهو ينظّم حركة السير بيديه وقدميه فيثير ضحك المارة والسائقين، فيما يشعر فرحان بالرضا، لأنه يدخل السعادة والبهجة إلى قلوب الناس.
في كتابه أو روايته “يوميات فرحان فرح سعيد” يتناول فخري قعوار شخصية مواطن طيب، لا يفتقد إلى الإمكانيات كما لا يفتقد إلى السذاجة، فهو معلم وعضو مجلس بلدي، وشاعر وبقّال، ثم إنه زوج وأب كذلك. وكان يمكن لهذا المواطن أن يواصل رحلة حياته العادية كالملايين غيره من الغلابى الطيبين الذين هم ملح الأرض، لكن عدسة فخري قعوار المكبرة والحارقة، سلطّت الضوء على حجم المفارقات والمعاناة التي يعيشها هذا المواطن، لتنتهي به في النهاية إلى الجنون..
إن الوظيفة الحقيقية لهذا النوع من الكتابة الساخرة تكمن في النفاذ إلى جوهر المفارقة الدرامية بين حقيقة الإنسان وجوهره وبين الإطار الاجتماعي المفروض عليه.. حيث على الإنسان المطحون بين حدي الرحى أن يختار: أن يتكيف وفق شروط المحيط، فيُمسح، أو أن يتمرد أو يجن، كما حدث مع فرحان. لكن الجنون هنا، هو صرخة احتجاج بحثاً عن الحرية والعدل.
10-2-2023