فرادة الحرب الأوكرانية عسكرياً- منير شفيق
الذي يفهم في العلم العسكري، ابتداءً من كارل فون كلاوزفيتش، وجوميني وليدل هارت والآخرين، يجب ألاّ يحكم على جبهة أوكرانيا، كما لو كانت بين جيشين متعادلين أو شبه متعادلين، ولا يبدأ بما حشده كل طرف من قوات، ولا بالاحتكام إلى مصير الاشتباكات ونتائجها في أسبوعها الأول. ولا باعتبار الجيش الروسي محتلاً، والجيش الأوكراني وأنصاره في حالة مقاومة لاحتلال، أرسى مراسيه. وراح يثبّت وجوده، أو تشبيه ما يجري بالذي جرى في أفغانستان من استنزاف للجيش السوفياتي بعد احتلاله لها. فالحرب ما زالت في بواكيرها، ولم يترسّخ احتلال لتبدأ المقاومة والاستنزاف.
الحرب في أوكرانيا، أعلنتها روسيا، وهي التي بدأتها، وما كان من الجيش الأوكراني، إلاّ أن يلجأ إلى المقاومة حيث وقع تقدّم روسي. فهو الدفاع العسكري السلبي المطلق، لا يقرّر، ولا يعرف، كيف ستتطوّر حركة الجيش الروسي، ولا يعرف، أو يقرّر، أو يشارك في متى تتوقف الحرب، إلاّ بعد أن يقرّر الروس، ويستدعوا قيادته للمفاوضة على شروطهم لوقف الحرب. فقرار الحرب وتطوراتها ومفاجآتها بيد روسيا، حتى لو كانت تلك التطوّرات في غير مصلحة الجيش الروسي بسبب المقاومة، أو لأيّة أسباب مؤثرة أخرى.
ولهذا عندما يُقال أن زمام المبادرة في الحرب هي بيد بوتين (أو روسيا)، لا يصدر عن مديح، أو مبالغة، فهي حقيقة باردة يجب أن يدركها الذي يفهم في علم الحرب. وذلك منذ الأسبوع الأول حتى لو لم تسر الأمور، كما خطط الهجوم الروسي العسكري، أو حتى لو ظهرت نواقص وسلبيات في أداء الجيش. لأن مثل ذلك يمكن أن يحدث لكل جيش يبدأ الحرب. ومن ثم لا يحكم على مجريات الحرب ومصيرها بناء على ذلك. فالجيش الروسي يستطيع أن يعيد النظر في خطته، أو في ما ظهر من نواقص، ولا يترتب على ذلك شيء، حتى آنياً، في الموقف العسكري، ولا حتى في الخطوة اللاحقة. وهو الذي يشكل سمة مميزة للحرب الدائرة في أوكرانيا، ويجعلها تختلف عن أيّ من الحروب التي يمكن تشبيهها بها.
طبعاً، أصوات الإعلام وتصريحات السياسيين في الجهة المقابلة تستطيع أن تذهب إلى حيث أرادت في تهويلها لما حدث، أو أن تصدر حكماً نهائياً على ما حدث. لأن ذلك جزء من الحملة الإعلامية المضادة. ولكن لا علاقة له بالتقدير العسكري الصحيح للموقف. أما من جهة أخرى، فعلى الجنرالات المتقاعدين، أو الخبراء أن يلتزموا بفهم صحيح لعلم الحرب، في تقدير الموقف العام، لا أن يمهدوا للأبواق الإعلامية. وذلك من أجل الصدقية واحترام النفس، ومن يثق بهم.