فرنك وعهد في قصيدة جوناثان وغضب ليبرمان- د. رأفت حمدونة
أعتقد أن الشاعر الاسرائيلى ” جوناثان غافن ” أصاب جزء من الحقيقة حينما شبه الطفلة المعتقلة عهد التميمى بالطفلة اليهودية ” آن فرانك ” التى كانت رمز المعاناة لليهود في أعقاب استيلاء النازيين على السلطة عام 1933 ، كلتاهما كانتا ضحية ممارسات سياسات ” هتلر وليبرمان وأمثالهما ” كأعداء للانسانية ، فالطفلة عهد كما ” آن فرانك ” ناضلت من أجل الحرية والاستقلال وجلاء الاحتلال ، وعانت من قسوة وممارسة الجنود الاسرائيليين بحقها وحق شعبها وعائلتها ، وعانت من التعذيب النفسى والجسدى في أقبية التحقيق والزنازين ، حيث الرعب والارهاب ، والبرد وقلة النوم وقسوة السجان ، والعرض على المحاكم العسكرية الردعية وغير ذلك من ممارسات .
وأعتقد أن “عهد ” ستفاجىء ” ليبرمان ” بكتابة مفكرتها ومذكراتها فى زنزانتها ، مفكرة ستبقى للتاريخ تنقل مظلومية الشعب الفلسطينى ، وقهر أطفاله ، كما مفكرة ” آن فرانك ” التى لم تشفع لها طفولتها وكتبت وهى خائفة ومشردة ومختبئة أثناء الملاحقة والخوف من الموت ومن معسكرات الإبادة النازية .
الطفلة اليهودية ” آن فرانك ” التى ذكرها الشاعر ” جوناثان غافن ” والتى تحولت لمقاتلي العدالة في التاريخ ولدت في 12 يونيو في مدينة فرانكفورت بألمانيا في العام 1929 ، وكانت واحدة من بين أكثر من مليون طفل يهودي من الذين ماتوا في المحرقة ” وفق الرواية الاسرائيلية ” ، وبعد استيلاء النازيين على السلطة عام 1933 فرت العائلة إلى أمستردام في هولندا ، واحتل الألمان أمستردام في مايو 1940 وفي يوليو 1942 بدأت السلطات الألمانية ومعاونيها الهولنديين بتجميع اليهود من جميع أنحاء هولندا ، فاختبأت في إحدى الشقق السرية لمدة سنتين في شقة سرية ، ولكن الشرطة السرية الألمانية اكتشفت مخبأهم فاعتقلوها وعائلتها وتم ترحيلها على متن قطار إلى معسكرات الابادة في ” أوشفيتز ” وقتلت في العام 1945.
كما الطفلة الفلسطينية ” عهد التميمى ” التى تعيش السجن بظروفه وقسوته وانتهاكاته وحرمانه واكتظاظه وبرده وممارسات سجانه ، والتى اعتقلت نتيجة تحريض المتطرفين ، والمحاكم التى وجهت لها لائحة اتهام مكونة من 12 تهمة باطلة ، ” عهد ” ستكتب خلال الاعتقال أن وزير الجيش ” ليبرمان ” عاقب الشاعر ” جوناثان غافن ” الذى كتب عنها ، مخلاً ليبرمان بمبدأ حرية التعبير ، في دولة تدعى الانتماء للقيم الغربية وحقوق الانسان بعدم نقل كل قصائده على اعلام الجيش ، الأمر الذى يعد أبرز شاهد على عنصرية الاحتلال ، وعلى كذبة الحريات وواحة الديمقراطية التى تتغنى بها دولة الاحتلال قياساً بالمحيط .
وستكتب عهد في مفكرتها ومذكراتها كما ” آن فرانك ” أن وزير الجيش وضع نفسه في عناد مع طفلة بريئة فأصدر قراراً عسكريا بمنع عائلتها من السفر والعمل والزيارات والسجن ومنع التصاريح والابقاء على سجنها ووالدتها ، والوقوف ومحاسبة كل جهة من شأنها أن تدعمها أوتساندها ولو اعلامياً أو معنوياً ، وقاد حملات التحريض الشرسة بحقها على المستوى السياسي والاعلامي .
عهد التميمى وفق الشاعر ” غافن ” مع ” فارق التشبيه ” كما الطفلة اليهودية ” آن فرانك ” و” هانا سينيس” ، فرانك التى كتبت عن معاناتها وارهاب النازيين عند اختبائها لعامين مفكرة احتوت على المخاوف والآمال والتجارب التي مرت بها خلال تلك الفترة، والتى نشرت بعد الحرب وترجمت إلى لغات ، واستخدمت في مناهج الآلاف من المدارس الثانوية في أوروبا وأمريكا، وأصبحت رمزا لفقدان أمل الأطفال الذين ماتوا في المحرقة ، كما أطفال فلسطين الذين يستشهدوا اعداماً من مسافة صفر ، ويزج بهم في السجون والمعتقلات بعمر عشر سنوات ” أقل وأكثر ” ، ويحاكموا بعشرين عاما وأحياناً بالمؤبدات ، ويمضون الكثير من اعمارهم في العذابات .
أما ” هانا سينيس ” التى ذكرها الشاعر ” جوناثان غافن ” في قصيدته وشبه عهد التميمى بها كمناضلة من أجل الحرية ، فولدت في 17 يوليو 1921، في بودابست، المجر، وفي عام 1939 هاجرت إلى إسرائيل ، وفي عام 1943 تطوعت للجيش البريطاني وانضمت إلى مجموعة من المظليين الذين كان من المفترض أن تهبط على الأرض الأوروبية كجزء من النضال ضد ألمانيا النازية لأغراض الاتصالات، الا أنها سقطت وصديقاتها في يوغوسلافيا بالقرب من الحدود المجرية ، فعبرت حدود المجر ، وتم القاء القبض عليها من قبل الجنود الهنغاريين ، وأرسلت إلى سجن في بودابست، مسقط رأسها، واستجوبت تحت التعذيب ، وقتلت ، وفي آذار / مارس 1950، تم جلب جثتها بتابوت إلى دولة الاحتلال ، واستقبلت كبطلة ، وتدرس سيرتها كفدائية يهودية في وجه أعداء اسرائيل .
أعتقد أن غضب وزير الجيش ” ليبرمان ” من الشاعر ” جوناثان غافن ” خوفاً من الحاضر والتاريخ ، رغم تصريحات المستشار القانوني للحكومة الواضحة على قرار ليبرمان قائلًا “ليس لدى أي وزير صلاحيات لأخذ قرار أو التدخل في برامج البث في إذاعة عسكرية” ، وليس من حقه أن يعطى تعليمات بمنع بث قصائد ” غافن ” على اذاعة الجيش ، وشخصية ” غافن ” عسكرية قبل توصيفه بشاعر ومؤلف ، وفاقت تجربة ليبرمان ، فقد عاش ” غافن ” وتعلم في موشاف نهلال، وتجند وتطوع لكتيبة المظليين 202 ، وتمرس فى التدريب على القتال، وكان قائد سرية مشاة ، وخدم في لواء غولاني كقائد فصيلة في الكتيبة 17 (هضبة الجولان) ، وحارب في حرب 1967 ، وعمل ضابطاً للمخابرات في الكتيبة الثانية عشرة (باراك) ، وحارب ضمن جيش الاحتياط في حرب 1973 ، وقاتل على الجبهة الجنوبية، ضمن كتيبة المظليين اللواء 48 “الطليعة”، وسافر إلى بريطانيا ثم عاد واستقر في تل أبيب في السبعينيات، وله عمودا أسبوعيا في صحيفة معاريف ، وعكف في 2013 عنه ، وقد كتب ” غافن ” مئات الأغاني والقصائد والمسرحيات للبالغين والأطفال ، وترشح للانتخابات المحلية لمجلس تل أبيب – يافا عام 1998 ، وله من التاريخ العسكرى ما يحرج ” ليبرمان ” الذى وصفه “يوفال ديسكين ” الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي، ” ليبرمان شخصية ساخرة لا يتمتع بأي تجارب عسكرية سابقة “.