فشلت “الصفقة” ونجحت “الفرصة”! – عبد اللطيف مهنا
فشلت “الصفقة” ونجحت “الفرصة”. هذا هو مآل بازار المنامة المراد منه اقتناص سوءات مرحلة عار انحداري في تاريخ أنظمة الأمة لتصفية القضية الفلسطينية، هذه التي هي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل قضية قضايا أمة بأسرها.. معيار قيامتها من كبوتها وبوصلة نهوضها، إذ على درب استعادة فلسطينها بتحريرها وطرد الغزاة العابرين منها، ترتسم فقط مؤشرات وجودها كأمة من عدمه، وبه وحده ترتسم مصائرها ومستقبل اجيالها الراهنة واللاحقة.. وهذا هو قدرها، شاءت كافة اعشاش العمالة في أنظمتها الانهزامية التابعة ونخبها الثقافية المستلبة أم أبت..
فشلت “صفقة القرن” لأن من شاءوا وبيَّتوا، وحشدوا وعقدوا، يعلمون سلفاً وعلم اليقين، ومعهم القاصي والداني، بوار صفقة لن تمر لأن في مواجهتها يقف ويصمد شعب استشهاديً مناضل ديدنه اسطورية الفداء وتواصل بذل سخي التضحيات لاستعادة وطنه من غاصبيه، وعلى مدار ما ناف على قرن ولسان حاله طيلة أمد مديد ومستديم الصراع يقول: إما فلسطين أو فلسطين، ومعه دوماً وستظل أمته بأسرها.
ومع هذا، وإذ لم يعوزهم توفُّر ما تيسَّر ممن هانوا وصغروا فتصهينوا وفرَّطوا بثوابت أمة انتقعت لعقود لتصان في دم شهدائها.. جلبوهم، لمُّوهم، عنوةً وبرضاهم، فزيَّنوا بدونيتهم المشينة المطلوبة ديكورات مسرحيتها الهزلية الممعنة في سخافتها ووقاحتها وصفاقة وجهالة دلاَّلها الولد كوشنر.. ذلك أن المراد المضمر يكمن خلف غبار وجلبة ضجيج المعلن.
وعليه، فشلت “صفقة القرن” وبمعاييرهم نجحت “فرصة القرن”، وفق التوصيف الكوشنري، لأن استهدافها الرئيس والمضمر وهو التطبيع..
معاييرهم، ومعاييرهم وحدهم التي تقاس عندهم بمنظر صحافيي الموساد يسرحون ويمرحون في المنامة، وتنورة تسبي ليفني وكاميرتها وهي تتثنى، وتمشي الهيدبا، على رأي حافظ إبراهيم، في ربوع مملكة آل خليفة الأكبر قليلاً من خيمة قياساً بخارطة أمة، وعمودها الأسطول الخامس وأوتادها سعودية، والتي كانت وستظل ترتجف أمام احتمالات هبوب رياح الهبوب المكبوت للغضب الشعبي لعرب البحرين المناضلين الأباة.
فشلت الصفقة لأن فلسطين تستعاد ولا تباع في مزاد.. تصوَّروا كم هزلت هذه المسرحية الكوشنرية الهابطة إلى مستوى صهينة وولدنة وجهالة مخرجها في فهمه لما تعنيه فلسطين للفلسطينيين ومدى فلسطنة الأمة العربية، لدرجة أن من بين المشاركين في همروجة البازار من تكرَّم فاقترح رشوة لكل شاب فلسطيني مبلغاً هو عداً ونقداً خمسة آلاف دولار “لتحقيق أفكاره”.. مقابل أرضه وعرضه وكرامته، ودم جده وابيه وأخيه، وجاره وزميله ورفيق مدرسته!!!
.. فشلت. هكذا هو مبرم احكام أبانا التاريخ وما تقضي به مشيئة أمنا الجغرافيا، وما سجَّله ويسجّله وسيسجّله زكيّ الدم العربي الفلسطيني، والفلسطيني العربي، في لوح الصراع المحفوظ وحتى حسمه لصالح الأمة والذي يكون بتحريرها كاملةً لا التطبيع مع مغتصبيها.. وأخيراً، وأن نجحت “فرصتها”
فهي لم تنجح إلا في فضح المطبّعين، والتأشير على خونة الأمة وأعداء اتواق اجيالها التي لن تغفر لهم خياناتهم.. لا من مكان للولة والتفجُّع، أو التنفيس بكيل الشتائم لأعداء الأمة وخونتها، تماماً كما هو مقيت لوك بائس الشجب والإدانات والاكتفاء بمظاهر الاحتجاجات.. المطلوب بالأمس واليوم وغداً هو فحسب، حيَّ على المقاومة..