فضائح الكذب في السينما “الهوليوودية”!
فيلم “الغواصة يو-571” كنموذج
مهند النابلسي
هذا الشريط السينمائي الحربي الحافل بالأكشن القتالي الشيق يلخص ببساطة مدى التزوير والتزييف بالسينما الأمريكية، فهو يزيف الوقائع التاريخية ويلغي دور الكوماندس التابعين للبحرية البريطانية ومغامرتهم الشجاعة داخل غواصة المانية ابان الحرب العالمية الثانية، ويضع مكانهم الأمريكان، ويستعرض بطولاتهم الخارقة لسرقة الشيفرة الألمانية الشهيرة (انجيما)، وتلخص ثيمة الفيلم الأساسية هذا التزييف الصارخ لوقائع الأحداث: تسعة رجال يقومون بتغيير التاريخ!
وقد انتقد وزير الثقافة البريطاني حينئذ “كريس سميث” هذه الفضيحة السينمائية قائلا: “صحيح أنكم في هوليوود تهدفون الى تحقيق الأرباح من خلال الترفيه، الا أن المرء يتأثر حقا بالأفلام التي يشاهدها ويعتبر أن ما ورد فيها هو معلومات تاريخية حقيقية وليس مجرد ترفيه وتسلية فقط، لذلك يتعين عليكم رسم الخطوط الفاصلة ما بين الحقيقة والخيال، او مابين الترفيهي والاخباري الوثائقي”، كما ان “بلير” ذاته اعتبر أن الفيلم يشكل اهانة لذكرى جنود البحرية البريطانية في تلك العملية البطولية الفريدة من نوعها!
تدور أحداث هذا الفيلم الشيق الحابس للأنفاس خلال الحرب الكونية الثانية، وبشهر نيسان تحديدا من العام 1942، حيث ترسل “البحرية الأمريكية” (حسب السيناريو) غواصة بطاقم من رجال البحرية الأشداء البواسل، تحت امرة الملازم اندرو تايلر (الممثل ماثيو ماكونوجي) بغرض اعتراض غواصة المانية تعطلت وجنحت بمنتصف المحيط الأطلسي، وطلبت النجدة والعون التقني من قيادتها الألمانية.
تتلخص مهمة رجال البحرية الأمريكان بدخول الغواصة الألمانية الجانحة، وتقديم أنفسهم على أنهم يمثلون فريق الطوارىء والتصليح والعون الألماني (كيف تنطوي هذه االحيلة الساذجة على الألمان اذا ما لاحظنا عدم اتقان اللغة واللكنة الألمانية الشهيرة الدارجة)، وتنحصر مهمتهم السرية بالاستحواذ على جهاز التشفير الألماني الشهير “انجيما” وهي آلة خاصة لفك الألغاز والتشفير، ويتلخص هدفهم بقلب موازين الحرب لصالح الحلفاء…وما أن يفلح الأمريكان بدخول الغواصة الألمانية، حتى تصاب غواصتهم بطوربيدات مدمرة وتصيبها مباشرة، حيث تفتح أبواب الجحيم، وتتعرض الغواصة المنكوبة لكافة أشكال المحن من قذاثف وانفجارات والتأثر بالضغط الهائل تحت الأعماق، وتتلاحق الحرائق وتسرب المياه وتلف أجهزة القياس وتكسر أنابيب السوائل والهواء، وضعف البطاريات وتعطل مكائن الديزل الضخمة…ويواجه الطاقم الشجاع كل هذه المشاكل المتلاحقة برباطة جأش نادرة، كما يتوجب على الطاقم الأمريكي أن يستولي بسرعة على الغواصة الألمانية الجانحة، ولكنهم يكتشفون أن جميع التعليمات مكتوبة باللغة اللمانية التي لا يفقهونها طبعا، وهذه ثغرة لافتة بالسيناريو او بواقع الأحداث: فهل توقع هؤلاء أن تكون التعليمات مكتوبة مثلا باللغة الانجليزية؟! وكالعادة بمثل هذه الأفلام، نلاحظ “الاستهبال والاستغباء وعدم الاقدام” الواضح للألمان، في المقابل يستعرض الشريط بطولات الأمريكان واستبسالهم وذكاءهم ومهاراتهم الخارقة!
بذل كاتب السيناريو ومخرج الفيلم جوناثان موستو والممثلون جهودا كبيرة لاخراج هذا االفيلم بطريقة مقنعة ومعبرة، بالرغم من تعدد الهفوات التي ذكرت بعضا منها والتي أدت لمعالجة سطحية، فقبل البدء بالتصوير، التحق الممثلون ماثيو ماكونوجي، بيل باكستون، هارفي كيتيل، جون بون جوفي، جيك ويبير ودافيد كيت بمدرسة خاصة بالغواصات بناء على اوامر المخرج، كما قام أميرال بحري متقاعد بتلقينهم أدق التفاصيل وكيفية السير والقاء التحية العسكرية، كما تم تدريبهم على آلية عمل الغواصات لكي يتقنوا ادارة العتلات وكافة التفاصيل التقنية الضرورية، وارتفعت تكاليف الانتاج لتبلغ التسعين مليون دولار بالعام 2000…لا اعرف حقيقة لما ذكرني هذا الفيلم بشريط “البحر الأسود”/2014، مع الاختلاف الكبير بتفاصيل الأحداث والمصداقية، حيث يغوص هذا الأخير بسايكلوجية ودوافع وحوافز وأحقاد النفس البشرية وتناقضاتها بشكل فريد غير معهود بالسينما الأمريكية، ويستعرض أخطار عمل الفريق الغير متجانس (المكون من روس وانجليز)، ويقدم فيلم “غواصات-بحري” حزينا وشيقا بالحد الأدنى من التزييف والتزويق وتصنع البطولات!