فلسطيني كحدّ السيف
نضال حمد
تُعرَّف الهوية بالانتماء إلى المكان واللغة والتاريخ والجغرافيا والعادات والتراث، وقبل كل شيء الأرض التي شهدت ولادة الوطن.. الفلسطيني طُرد من وطنه وخضع للاحتلال الإحلالي الاجتثاثي، الذي ظلّ على مرّ سنوات الصراع يروّج لمقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».. وأن الكبار يموتون والصغار ينسون.
واستخدم الاحتلال الصهيوني مختلف الأساليب لطمس هوية الشعب الفلسطيني، بطرده وتشتيته وترحيله وعزله ومحاولة إذابته في محيطه العربي. لكن كل تلك الوسائل لم تنل من شعب فلسطين الذي حمل راية النضال والكفاح منذ اقتلاعه من وطنه حتى يومنا هذا.
الاحتلال الاستئصالي الصهيوني كان وما زال يهدف إلى محو الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال تذويب الفلسطينيين في محيطهم وعمقهم العربي أو من خلال تهجيرهم وإسكانهم في بلاد العالم قاطبة.. لكن سنوات الاحتلال والصراع أكدت عدم نجاعة تلك السياسة وفشلَها، بل إن الذين هاجروا بالآلاف إلى أوروبا وأمريكا وكندا وأوستراليا أصبحوا ذخراً للقضية الوطنية الفلسطينية بعدما عملوا على تأطير أنفسهم في جاليات وتجمعات ومؤسسات وروابط تؤكد هويتهم ومضيّهم في النضال جنباً إلى جنب مع بقية أبناء فلسطين في الوطن المحتل وفي البلاد العربية. وأخذ هؤلاء يعقدون مؤتمراتهم وتجمعاتهم على نحو منتظم ودائم، فيؤكدون من خلالها أنهم فلسطينيون وأن الحق الذي له من يُطالب به لا بد أن يعود.
حدثت الهجرات الفلسطينية على دفعات لأسباب متقاربة، أهمها المذابح والمجازر والاضطهاد والقمع والظلم الذي تعرض له شعب فلسطين على يد الصهاينة وفي بلاد العرب على يد الحكومات الشقيقة. ولم يحصل أن تخلى الفلسطينيون عن هويتهم الوطنية أو أنهم تناسوها أو نسوها عندما تحسنت أوضاعهم الحياتية والمعيشية والاقتصادية، أو باكتسابهم هويات وجنسيات أجنبية. فقد جمع هؤلاء بين هويتهم الوطنية الفلسطينية وجنسياتهم الأجنبية، واستخدموها في نضالهم لأجل فلسطين. ففي أوروبا والغرب عموماً كما في مخيمات وتجمعات اللجوء في الوطن العربي أخذ الفلسطينيون بتعزيز ولائهم وانتمائهم لفلسطين، وكانوا وما زالوا يقولون إنهم من فلسطين. بل إذا سأل المرء أحد أطفال فلسطين المولودين في أوروبا: «من أين أنت؟» سيجيب: «من فلسطين ومن القضاء الفلاني والبلدة الفلانية»، وقد تكون البلدة ممسوحة عن الخريطة منذ عام 1948، لكنها موجودة وتعيش معه أينما ذهب وحيثما حل. فهي هويته وهي مكانه وهي مصدر ثورته ونضاله وهي هدفه الأخير. فالفلسطيني المشتت واللاجئ يحمل معه عاداته وتقاليده وأسلوب حياته ويطبّق تلك العادات في أماكن سكناه في المنافي والمهاجر وفي الشتات. وهذا بحد ذاته جزء من عملية الصراع على الهوية.
هويتي الفلسطينية التي لا أخجل بها تسبب لي في كثير من البلاد العربية إشكالات ومصاعب، فكلما وصلت إلى المطارات العربية آتياً من البلاد الأوروبية، يطلب الشرطي العربي جواز سفري، فأقدم له جواز سفري النرويجي، الذي أعدّه سلاحاً دفاعياً يفتك بكل أنظمة القمع.. وبعد أن يتفحص الشرطي العربي جواز سفري ويقرأ اسمي يسألني عن أصلي، أردّ تلقائياً: فلسطيني.. هنا تبدأ المشاكل والعوائق، فينسى الشرطي أنني أجنبي يتكلم العربية لحبّه للغته الأم ووطنه العربي الكبيرولاعتزازه بهويته العربية الفلسطينية.. إذ بإمكاني أن لا أتحدث معه إلا باللغة الإنجليزية أو النرويجية، عندها سيحترم هويتي ويسهّل معاملتي..
مرة في أحد البلاد العربية كنت مع رفاق في جولة سياحية.. في المطار قدمت للموظف جواز سفري النرويجي، فسألني عن هويتي: قلت عربي.. وسألني أين ولدت : قلت في لبنان.. تماماً كما هو التسجيل في جواز سفري وكما هي الحقيقة، ولأول مرة في حياتي لا أقول: فلسطيني.. فأعاد لي الجواز. وسأل رفيقي عن جواز سفره، فقدم له جواز سفر نرويجياً وفيه مكان الولادة «الناصرة – إسرائيل». كذلك رفيقنا الثالث، فلسطيني نرويجي ومكان الولادة «دير حنا – الجليل إسرائيل».. عندها ناداني وقال لي معاتباً: أتخجل بأن تقول إنك فلسطيني؟ فأجبته مع قليل من الغضب المكبوت، أجبتك كما هو مكتوب في جواز سفري، لكنني فلسطيني.. وإن شئت «فلسطيني كحدّ السيف» كما أنشد الشاعر الشهيد علي فودة في قصيدته الجميلة.. فنحن يا أخا العرب نعتزّ بهويتنا الفلسطينية العربية، والأجيال الفلسطينية الناشئة واللاحقة ستبقى تعتز بهويتها الفلسطينية العربية.♦
نضال حمد/ كاتب وإعلامي ومدير موقع الصفصاف الإلكتروني
* نشرت في مجلة العودة الشهرية الفلسطينية في زاوية حتى نعود، عدد شهر آب / أغسطس 2010
http://www.alawda-mag.com/default.asp?issueId=36&contentid=1355&MenuID=27