فلسطين تتجلى في شيرين أبو عاقلة – مي أحمد شهابي
بمزيج من الحزن والبكاء والزغاريد والفخر، شيعت فلسطين الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وتحولت جنازة شيرين من مجرد تشييع لمراسلة صحفية، طيبة، بسيطة المظهر، قضت جل عمرها في مخيمات وبلدات ومدن فلسطين.
وهي تعيش معهم وتأكل طعامهم والأهم تنقل حقيقة معاناتهم إلى العالم الذي أصر على أن يصم أذنيه عن وحشية وعنصرية واجرام حكومات الكيان الصهيوني وجيشها ومستوطنيها وقضائها وكل مؤسساتها، تجاهل شعبنا الفلسطيني
وعلى مدى أكثر من قرن. ولم يكن إعدام شيرين أبو عاقلة سوى استمرار لكل ممارسات الإحتلال حيال الصحفيين والأطفال والشباب والنساء والكهول وحتى حجارة وأشجار فلسطين. واعتقدت سلطات وجند الاحتلال أن إعدام شيرين بالشكل الفاضح وفي وضح النهار، أنه سيضع حداً لصوت الحقيقة ويرسل رسالة تكررها من جديد أن اغتيال شيرين سيكون درساً بالدم لكل من يجهر بالحقيقة. إلا أن موت شيرين الجسدي وجنازتها، وما جرى خلال تشييعها والذي ابتدأ من مخيم ومدينة جنين وصولاً إلى نابلس و١٢ بلدة في الطريق إلى رام الله ومن ثم إلى القدس حيث خرج الآلاف على طول هذا المسار.
إن شيرين الفلسطينية وابنة القدس، كانت بموتها أقوى تأثيراً بعد أن غيبها الموت. اذ أن شيرين باستشهادها لم تعد شيرين أبو عاقلة الإنسانة فقط والصحفية والضحية. بل تحولت إلى أيقونة فلسطين وبكل ما تحمله فلسطين وشعبها من معنى وطني وكفاحي وإنساني وعدالة لشعب مازال يناضل منذ أكثر من قرن من أجل أن ينال حريته ووطنه. وهو ما أرعب دولة الكيان من جثمانها المسجى على كل أكتاف رجال ونساء فلسطين، وذلك العلم بالأخضر والأسود الذي كفنت به.
حقد وهوس وخوف سلطة الكيان توجه نحو تابوت شيرين والعلم الذي يحتضنه وشالها بالأبيض والأسود والذي تغطيه دمائها، وما أخافهم أكثر أنهم كلما نزعوا علماً نبت بدلاً منه عشرات الأعلام الفلسطينية.
حاول جند الاحتلال بكل ما أوتوا من قوة ووحشية إسقاط التابوت المرفوع على الأيدي وكاد يسقط إلا أنه ارتفع مجدداً وتابع طريقه على درب الآلام، درب السيد المسيح ودرب شعب فلسطين ومعه عشرات الآلاف الذين تحدوا كل الإجراءات الصهيونية إلى أن وصلوا الكنيسة والمقبرة في أهم حدث جنائزي في تاريخ القدس وفلسطين.
وأبرزت دولة الكيان كم هي عنصرية فاشية عدوة للحياة واحتلال بأبشع صوره. وارتدت كل محاولاتها عليها كل العالم تابع الجنازة وشعب فلسطين يكرم الحياة وشيرين الحية المسجاة في تابوت في قلب القدس عاصمتنا كانت ولا تزال وستبقى إلى الأبد. مكتوب على الفلسطينيين أن يترجلوا كي تبقى قضيتهم حية وهذا ما مثلته شيرين مع كل شهداء فلسطين وبكل القيم السامية التي قضوا من أجلها، وعلى وقع أجراس الكنائس كنائس فلسطين وصلاة الغائب على أرواحهم في كل مساجد فلسطين. برز شعب فلسطين كلاً وجسداً وروحاً واحدة دون استثناء وفي كل أماكن تواجده في الوطن والشتات ومعهم وقف كل الشرفاء في العالم يعلنون عنصرية ووحشية سلطة الكيان، وليست سوى سلطة احتلال على شعب يسعى لاسترداد وطنه وحريته.
أما ماتبقى فيبقى تفاصيل لا قيمة لها أمام جلل الحدث. كانت شيرين تقول: أتمنى أن أغطي حدثين الأول استعادة وحدة القوى الفلسطينية، والثاني إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، أليس حرياً بالمعنيين تحقيق وصية شيرين بعد أن توحدت شيرين وفلسطين لقلب واحد.
الرحمة لأيقونة فجر فلسطين شيرين أبو عاقلة..
والعار لقاتلها
والمجد لفلسطين..