«فلسطين تغني».. أبو رضوان «كمنجاتي» المخيمات
اسكندر حبش :
يعود رمزي أبو رضوان مرّة جديدة إلى بيروت، ليكمل العمل على «حلمه» الذي بدأه العام 2008، حين قرر بالتعاون مع «بيت أطفال الصمود»، تعليم أطفال المخيمات الفلسطينية في بيروت، الموسيقى والعزف.
ابن مخيمات الداخل المحتل، الذي شاعت صورته خلال الانتفاضة الأولى، وهو يرمي الحجارة على جنود الاحتلال، وجد فرصة في السفر إلى فرنسا ليتعلم العزف على الكمان. بعد عودته إلى الوطن، انطلق بهذه الرغبة في جعل الآلة الموسيقية وكأنها وسيلة أخرى للمقاومة والحفاظ على الهوية الوطنية. من هنا جاء مشروع «الكمنجاتي» لتدريب أطفال المخيمات على العزف، قبل أن يخطو بمشروعه إلى الخارج، لتبدأ الرحلة «الخارجية» في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة العام 2008، «كنت أتمنى أن تتعممّ هذه التجربة على جميع المخيمات في لبنان، لكن نظرًا لضعف الإمكانيات، ولعدم رغبتنا في التشتت، قصرنا عملنا على هذين المخيمين فقط».
يعتبر أبو رضوان الحفل ـ الذي يُقام في الثامنة من مساء اليوم الخميس في الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان «فلسطين تغني ـ ألحان الحجارة»، استمرارية لما سبق، وبخاصة في «التواصل ما بين أطفال المخيمين الذين يتعلمون الموسيقى، مع العازفين الآتين من فلسطين وخارجها».
تجربة التواصل هذه، بدأت العام الماضي، حين أقامت «الكمنجاتي» دورة تدريبية أولى في «معاصر الشوف»، استمرت لمدة أسبوع، أشرف فيها عازفون محترفون على تعليم العازفين الصغار، ليقدموا بعدها حفلاً وجد أصداء طيبة، وإن اختلف برنامجه قليلاً عمّا كان معداً أصلاً، إذ فرضت الحرب على غزة (2014) نفسها. بيد أن تلك الدورة كان لها الأثر الطيب في نفوس الأطفال «الذين تمسكوا أكثر فأكثر بالموسيقى»، لهذا أعيدت التجربة هذه السنة، تجربة الدورة في معاصر الشوف، «إذ أتمنى أن تحدث كلّ عام» كما يقول أبو رضوان. وكما حدث في العام الماضي تفرّغ العازفون لمدة أسبوع مع عازفين أتوا من الأرض المحتلة، كما من خارجها. وأيضاً ليتمّ تعديل البرنامج قليلاً، إذ يضفي حادث إحراق الرضيع علي من مخيم جلازون بثقله على الحفل.
حفل هذا العام، يشكل إذّاً استمرارية في هذا الاتجاه، أي في أن «يعيش الأطفال الموسيقى أكثر فأكثر»، لهذا «جعلناهم يحضرون حفلاً من حفلات مهرجانات بيت الدين لهذا العام، كي يكونوا على تماس حقيقي مع العزف»، فالهدف الأسمى أن يصبح بعضهم من العازفين المحترفين، ليشاركوا لاحقاً في تعليم أطفال آخرين و «ربما في مخيمات أخرى». مع العلم أن هذا العام حدثت تطورات إيجابية كثيرة، مثلما يقول أبو رضوان، إذ «وفر الكونسرفاتوار الوطني اللبناني بعض المنح الجزئية ليكمل بعض الطلاب (وعددهم 9) الدراسة فيه، من بينهم اثنان حصلا على منحة تعليمية كاملة».
وعلى الرغم من التكاليف الباهظة التي يتطلبها تعلم العزف، إلا أن «الكمنجاتي» استطاع تأمين آلات موسيقية لكل العازفين، «أي لكل طالب آلته الخاصة التي يعود بها إلى منزله من أجل أن يكمل تمارينه الخاصة». ويضيف أبو رضوان «لقد حملنا معنا هذه السنة من فلسطين عشر آلات، من بينها آلة التشيلو. هذه الآلات تبقى مع الطالب طالما هو راغب في تعلّم الموسيقى، لكن إن قرر أن يتوقف عن ذلك، فعليه أن يعيد الآلة كي يستفيد منها شخص آخر». أضف إلى ذلك، يكمل أبو رضوان، أنه «جاء معنا هذه السنة أيضاً خبراء في تصليح الآلات ودوزنتها كي يعيدوا النغمات إلى أمكنتها الصحيحة».
عرض هذه الليلة، يتضمن برنامجاً جديداً ومختلفاً عن برنامج السنة الماضية، إذ يقدم فيه العازفون مزيجاً ما بين مقطوعات من ألحان رمزي أبو رضوان وخالد صطوف، كما بعض الألحان العربية، من بينها بعض أناشيد الأخوين فليفل، وتلك المنتمية إلى التراث والفولكلور الفلسطيني من دون نسيان الموسيقى المعاصرة. لكن الإضافة الحقيقية تكمن في مجيء فنانين من فلسطين هما «منذر الراعي الذي يملك خامة صوتية رائعة جداً ومغنيّة اسمها نور فريتخ حيث تتمتع بصوت جميل جداً».
البداية كانت بمثابة حلم. وها هو يستمرّ مع أبو رضوان ـ بانتظار الحلم الكبير ـ إذ هناك طلاب يتابعون في التعلّم منذ خمس سنوات وقد قطعوا شوطاً كبيراً في ذلك «الأهم أن نظرتهم إلى الموسيقى اختلفت جذرياً، ولا أخفي أنني أجد أن ثمة أفقاً اليوم أمامهم وبخاصة بعد أن فتح الكونسرفاتوار بابه أمام بعض التلاميذ».
السفير *